وفيه استمرّت إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جيش المسلمين محاصرًا ثقيف وفلول هوازن وقد تحصّنوا بحصن …
#~~~الطائف~~~#، وصلّى المسلمون الصلوات وظلّوا في مناوشات مع العدو، يضربونهم تارة، ويُضربون أُخرى، من خلف الحصن.
وقال عُيينة بن حصن الفزاري: “يا رسول الله، إئذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم”، فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فأتى إلى الحصن، وقال: «أقترب منكم وأنا آمن؟»، وعَرَفَه أبو مِحْجَن فقال له: “اقترب”، فلمّا اقترب قال له أبو محجن: “أدخل”، فدخل عليهم الحصن، فقال عُيينة: “فداؤكم أبي وأمي، والله لقد سرَّني ما رأيت منكم، والله لو أنّ في العرب أحدًا غيركم والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد ملّ المُقام فاثبتوا في حصنكم، فإنّ حصنكم حصين وسلاحكم كثير، وماءكم واتن لا تخافون قطعه”، وخرج من الحصن.
فلمّا خرج قالت ثقيف لأبي محجن: “إنّا كرهنا دخوله وخشينا أن يخبر محمدًا بخلل إن رآه فينا أو في حصننا”، قال أبو محجن: “أنا كنت أَعْرَف له، ليس منّا أحد أشدّ على محمد منه وإن كان معه!”، فلمّا رجع عُيينة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ما قُلت لهم؟»، قال عُيينة: “قُلت ادخلوا في الإسلام!، والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا، فخذوا لأنفسكم أمانًا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر أهل الحلقة والعُدَّة والآطام، …وخذَّلتُهُم ما استطعتُ -يعني أضعفتُ عزيمتهم-“، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ساكت عنه حتى إذا انتهى من حديثه، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كذبت، بل قُلت لهم: كذا وكذا»، وحكى ما قاله عُيينة لهم بالضبط!، قال عُيينة: “أستغفر الله”، فقال عُمَر رضي الله عنه: “يا رسول الله دعني أُقَدّمه فأضرب عُنُقَه”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي» [^1].
وقال أبو بكر رضي الله عنه: “ويحك يا عُيينة، إنما أنت أبدًا توضع في الباطل!، كم لنا منك من يوم بني النّضير وقُريظة وخيبر، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك، ثم أسلمت كما زعمت فتحرّض علينا عدونا!”، قال عُيينة: “أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، لا أعود أبدًا”.
[^1]: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا حُسن التصرُّف والصبر وعدم التسرُّع، فإن كان عُيينة مُستحقًا للقتل لخيانته وكذبه في وقت الحرب، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتُل أصحابه، ولا يُحبّ أن يتحدّث الناس بذلك، فترك عُيينة، وغيره، مُراعاة لاعتبارات كثيرة منها صورة المُسلمين في العالم.