وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المسلمين في رحلة عُمرة الحديبية، وكانوا قد اصطفّوا أمام جيش المشركين …
بقيادة خالد بن الوليد قريب من #~~~كُراع الغميم~~~#، وقد قطع جيش المُشركين الطريق أمامهم، فصلّوا بمكانهم المغرب والعشاء.
وأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتحركوا فقال: “تيامنوا في هذا العصل -طريق صخري صعب- فإنَّ عيون قُرَيش ب#~~~مَرّ الظهران~~~# أو ب#~~~ضجنان~~~#، فأيُّكم يعرف #~~~ثنيَّة ذات الحَنْظَل~~~# فيخرج بنا على طريق غير الذي عليه القوم؟”، فقال بُرَيْدة بن الحُصَيْب الأسلمي: “أنا يا رسول الله عالم بها”. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اسلك أمامنا». فأخذهم بُريدة في العَصَل -الطريق الصخري الوعر- ناحية جبال سراوع غربًا، فسار قليلًا تُنَكِّبه الحجارة وتُعلِّقه الشَّجر، وحار حتى كأنَّه لم يعرفها قط!، قال: فوالله إن كنت لأسلكها في الجُمعة مِرارًا!، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوجّه قال: «اركب»! فركبتُ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من رجل يدلُّنا على طريق ذات الحَنْظَل»؟ فنزل حمزة بن عمرو الأسلميّ فقال: أنا يا رسول الله أدلُّك. فسار قليلًا ثم سقط في خَمَر الشجر، فلا يدري أين يتوجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اركب». ثم قال: «من رجل يدلُّنا على طريق ذات الحَنْظَل»؟ فنزل عمرو بن عبد نُهم الأسلمي فقال: أنا يا رسول الله أدلُّك. فقال: «انطلق أمامنا». فانطلق عمرو أمامهم وسار الركب حوالي 23 كم في أربع ساعات ونصف، حتى خرجوا من الطريق الصخري الوعر وقد شقّ عليهم جدًا عند التقاطع مع الوادي الذي خرجوا منه تجنبًا للاصطدام مع المشركين، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأى ما بهم من تعب وإجهاد: «قولوا نستغفر الله ونتوب إليه».
ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكملوا المسير 16 كم أخرى في ثلاث ساعات ونصف تقريبًا في الوادي حتى عبروا #~~~ثَنِيَّة المُرار~~~# -فج الكريمي- وخرجوا إلى مرّ الظهران بحلول صلاة الصبح تقريبًا، وقال لهم: «لا يجوز هذه الثنيَّة أحد إلا غفر الله له»، فأخذ الناس يُسرعون حتى يجوزوا الثَنيَّة، ووقف أبو سعيد الخُدري على رأس الثيَّة يبشّر الناس ببشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن عبر تلك الثنيَّة، وكان له أخ من جهة أمّه اسمه قتادة بن النعمان في آخر الركب، فخاف أن يطلع الصبح قبل أن يجوز أخوه فلا يكون ممن يبادرون إلى المغفرة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى عبر أخوه وعبروا جميعًا قب الصُّبح.
وقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلوا الوادي: «من كان معه ثَقل-دقيق- فليصطنع»، يعني من كان يحمل دقيقًا فليوقد نارًا ويطبخه لتأكلوا وجبة مغذيّة ساخنة بعد هذا المجهود، فقالوا: “يا رسول الله نخاف من قريش أن ترانا!”، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنهم لن يروكم، وإنّ الله سيعينكم عليهم»، فأوقدوا النيران وطبخ من أراد أن يطبخ، فأوقدوا أكثر من خمسمائة نار فلم تراهم قريش وعيونهم في مرّ الظهران، إلى أن طلع الصبح فصلّوا بالوادي.
وقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلاة الصبح: «والذي نفسي بيده، لقد غفر الله للركب أجمعين إلا رويكبًا واحدًا على جمل أحمر»، فبحثوا عن صاحب الجمل الأحمر وهم يظنّونه منهم -الصَّحابة- فوجده سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فوجده رجل من الأعراب يبحث عن جمله تاه منه وظنَّ انَّه وسط المسلمين فدخل فيهم، فقال له سعيد بن زيد: “ويحك!، اذهب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك”، فقال الأعرابي: “بعيري والله أهم إلي من أن يستغفر لي صاحبكم!، وإنّ بعيري لفي عسكركم، فأدّوا إليّ بعيري!”، فقال له سعيد: “تحوّل عني لا حيّاك الله، لا أرى قُربي -من مثلك- إلّا داهية وما أشعر به!”، فانطلق الأعرابي يبحث عن جمله بعد أن تأكد أنّه ليس في الرَّكب، فزلقت رجله فوقع فمات قريب من #~~~جِبال سُراوِع~~~# شرق وادي مرّ الظهران، فلم يعرفوا بخبره حتى أكلته السَّباع.
وبقي الرَّكب في وادي مرّ الظهران للاستراحة حتى وقت العصر، ثم أكملوا المسير حوالي 19 كم أخرى في أربع ساعات تقريبًا إلى أن وصلوا عند ثَنِيَّة ذات الحنظل الي تهبط بهم على #~~~مكَّة~~~# وهي أوَّل حدَّ الحَرَم من جهة الغرب ناحية الحُدَيْبيَة، ووصلوا إليها بعد غروب الشَّمس.