ولم تأت ضحوة هذا اليوم حتى فارق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دنياه ولحق بمولاه، وكان ذلك في يوم الإثنين 13 ربيع أول سنة 11، …
(8 يونيو سنة 633) فيكون عمره عليه الصلاة والسلام 63 سنة قمرية كاملة، وثلاثة أيام، وإحدى وستين شمسية، وأربعة وثمانين يوما، وكان أبو بكر غائبا بالسّنح وهي منازل بني الحارث بن الخزرج عند زوجه حبيبة بنت خارجة بن زيد-، فسلّ عمر سيفه، وتوعد من يقول مات رسول الله، وقال: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطّع أيدي رجال وأرجلهم، فلمّا أقبل أبو بكر، وأخبر الخبر دخل بيت عائشة، وكشف عن وجه رسول الله، فجثا يقبّله، ويبكي، ويقول: توفي والذي نفسي بيده، صلوات الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيّا وميتا: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، ثم خرج فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “ألا من كان يعبد محمّدا، فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت” وتلا قوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقوله {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] قال عمر: فكأني لم أتل هذه الاية قطّ، ثم مكث عليه الصلاة والسلام في بيته بقية يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء ويومه، وليلة الأربعاء حتى انتهى المسلمون من إقامة خليفة عليهم، فغسّل ودفن، وكان الذي يغسله عليّ بن أبي طالب، ويساعده العباس وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله، وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، ولا عمامة. ولمّا فرغوا من تجهيزه وضع على سريره في بيته، ودخل الناس عليه أرسالا- أي جماعات- متتابعين يصلّون عليه، ولم يؤمّهم أحد. ثم حفر له لحد في حجرة عائشة حيث توفّي، وأنزله القبر عليّ والعباس وولداه الفضل وقثم، ورشّ قبره بلال بالماء، ورفع قبره عن الأرض قدر شبر.
توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وترك للمسلمين ما أن اتبعوه لم يضرّهم شيء: كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وترك أصحابه البررة الكرام يوضّحون الدين، ويتمّمون فتح البلاد، ويظهرون في الدنيا شمس الدين الإسلامي القويم حتى يتمّ الله كلمته، ويحقّ وعده، وقد فعل، فنسأل الله أن يقدّرنا على أداء شكره على هذه المنة العظمى والنعمة الكبرى.