من طبيعة مثل هذا الاجتماع السرية للغاية، …
وألا يبدو على السطح الظاهر أي حركة تخالف اليوميات، وتغاير العادات المستمرة، حتى لا يشم أحد رائحة التآمر والخطر، ولا يدور في خلد أحد أن هناك غموضًا ينبئ عن الشر، وكان هذا مكرًا من قريش، ولكنهم ماكروا بذلك الله سبحانه وتعالى، فخيبهم من حيث لا يشعرون. فقد نزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه تبارك وتعالى، فأخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبيَّن له خطة الرد على قريش، فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه.
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة ـ حين يستريح الناس في بيوتهم ـ إلى أبي بكر رضي الله عنه؛ ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «أخرج مَنْ عندك». فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله . قال: «فأني قد أُذن لي في الخروج»، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم».
ثم أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجيء الليل. وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد؛ حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش.