قال: وقصد عثمان بْن أبي العاص لإصطخر، فالتقى هو وأهل إصطخر بجور فاقتتلوا ما شاء اللَّه ثم إن اللَّه عز وجل فتح لهم جور، وفتح المسلمون إصطخر …
فقتلوا ما شاء اللَّه، وأصابوا ما شاءوا، وفر من فر ثم إن عثمان دعا الناس إلى الجزاء والذمة، فراسلوه وراسلهم، فأجابه الهربذ وكل من هرب أو تنحى، فتراجعوا وباحوا بالجزاء، وقد كان عثمان لما هزم القوم جمع إليه ما أفاء اللَّه عليهم، فخمسه، وبعث بالخمس إلى عمر، وقسم أربعة أخماس المغنم في الناس، وعفت الجند عن النهاب، وأدوا الأمانة، واستدقوا الدنيا فجمعهم عثمان، ثم قام فيهم، وقال: إن هذا الأمر لا يزال مقبلا، ولا يزال أهله معافين مما يكرهون، ما لم يغلوا، فإذا غلوا رأوا ما ينكرون ولم يسد الكثير مسد القليل اليوم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَوْمَ إِصْطَخْرَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ خَيْرًا كَفَّهُمْ، وَوَفَّرَ أَمَانَتَهُمْ، فَاحْفَظُوهَا، فَإِنَّ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةَ، فَإِذَا فَقَدْتُمُوهَا جُدِّدَ لَكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ فُقْدَانُ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِكُمْ.
ثُمَّ إِنَّ شَهْرَكَ خُلِعَ فِي آخِرِ إِمَارَةِ عُمَرَ وَأَوَّلِ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَنَشَطَ أَهْلُ فَارِسَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النَّقْضِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي العاص ثانيه، وبعث معه جنود أَمَدَّ بِهِمْ، عَلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ، فَالْتَقَوْا بِفَارِسَ، فَقَالَ شَهْرَكُ لابْنِهِ وَهُوَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَرْيَةٍ تُدْعَى رِيشَهْرَ ثَلاثَةُ فَرَاسِخَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَرَارِهِمُ اثْنَا عَشَرَ فَرْسَخًا:
يَا بُنَيَّ، اين يكون غداؤنا؟ هاهنا أَوْ رِيشَهْرَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِ إِنْ تَرَكُونَا فلا يكون غداؤنا هاهنا وَلا رِيشَهْرَ، وَلا يَكُونَنَّ إِلا فِي الْمَنْزِلِ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَرَاهُمْ يَتْرُكُونَنَا فَمَا فَرَغَا مِنْ كَلامِهِمَا حَتَّى أَنْشَبَ الْمُسْلِمُونَ الْقِتَالَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، قُتِلَ فِيهِ شَهْرَكُ وَابْنُهُ، وَقَتَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَوَلِيَ قَتْلَ شَهْرَكَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرِ بْنِ دُهْمَانَ، أَخُو عُثْمَانَ.
وَأَمَّا أَبُو مَعْشَرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَتْ فَارِسُ الأُولَى وَإِصْطَخْرُ الآخِرَةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ قَالَ: وَكَانَتْ فَارِسُ الآخِرَةَ وَجُورُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، حَدَّثَنِي بذلك أحمد بْن ثابت الرازي، قال: حَدَّثَنِي من سمع إسحاق بْن عيسى، يذكر ذلك عن أبي معشر.
وحدثني عبد اللَّه بْن أحمد بْن شبويه المروزي، قال: حَدَّثَنِي أبي، قال: حدثنا سليمان بن صالح، قال: حدثني عبيد اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كان عثمان بْن أبي العاص أرسل إلى البحرين، فأرسل أخاه الحكم بْن أبي العاص في ألفين إلى توج، وكان كسرى قد فر عن المدائن، ولحق بجور من فارس.
قال: فحدثني زياد مولى الحكم بْن أبي العاص، عن الحكم بْن أبي العاص، قال: قصد إلي شهرك- قال عبيد: وكان كسرى أرسله- قال الحكم: فصعد إلي في الجنود فهبطوا من عقبه، عليهم الحديد، فخشيت ان تعشوا أبصار الناس، فأمرت مناديا، فنادى أن من كان عليه عمامة فليلفها على عينيه، ومن لم يكن عليه عمامة فليغمض بصره، وناديت أن حطوا عن دوابكم فلما رأى شهرك ذلك حط أيضا ثم ناديت: أن اركبوا، فصففنا لهم وركبوا، فجعلت الجارود العبدي على الميمنة وأبا صفرة على الميسرة- يعني أبا المهلب- فحملوا على المسلمين فهزموهم، حتى ما أسمع لهم صوتا، فقال لي الجارود: أيها الأمير، ذهب الجند، فقلت: إنك سترى أمرك، فما لبثنا أن رجعت خيلهم، ليس عليها فرسانها، والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم، فنثرت الرءوس بين يدي، ومعي بعض ملوكهم- يقال له المكعبر، فارق كسرى ولحق بي- فأتيت برأس ضخم، فقال المكعبر: هذا رأس الأزدهاق- يعني شهرك- فحوصروا في مدينة سابور، فصالحهم- وملكهم أذربيان- فاستعان الحكم بأذربيان على قتال أهل إصطخر، ومات عمر رضي اللَّه عنه، فبعث عثمان عبيد اللَّه بْن معمر مكانه، فبلغ عبيد اللَّه أن أذربيان يريد أن يغدر بهم، فقال له: إني أحب أن تتخذ لأصحابي طعاما، وتذبح لهم بقرة، وتجعل عظامها في الجفنة التي تليني، فإني أحب أن أتمشش العظام ففعل، فجعل يأخذ العظم الذي لا يكسر الا بالفئوس، فكسره بيده، فيتمخخه- وكان من أشد الناس- فقام الملك، فأخذ برجله، وقال: هذا مقام العائذ فأعطاه عهدا، فاصابت عبيد الله منجنيفه، فأوصاهم، فقال: إنكم ستفتحون هذه المدينة إن شاء اللَّه فاقتلوهم بي فيها ساعة ففعلوا فقتلوا منهم بشرا كثيرا.
وكان عثمان بْن أبي العاص لحق الحكم، وقد هزم شهرك، فكتب إلى عمر:
أن بيني وبين الكوفة فرجة أخاف أن يأتيني العدو منها وكتب صاحب الكوفة بمثل ذلك: إن بيني وبين كذا فرجة فاتفق عنده الكتابان، فبعث أبا موسى في سبعمائة، فانزلهم البصره.