ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة لست خلون من شَوَّال عَازِمًا على حَرْب هوَازن الَّذين طغوا وبغوا بِكَثْرَة الْأَصْحَاب وَالْأَمْوَال حَيْثُ …
حسدوا وحشدوا وحفدوا فِي الْمسير إِلَيْهِ وحقدوا وَخَرجُوا فِي ثَقِيف وَبني سعد بأولادهم وَنِسَائِهِمْ وَاسْتَاقُوا مَعَهم لنفع الْمُسلمين سَائِر نعمهم وشائهم وَاتَّفَقُوا بعد أَن أوعبوا على الإجتماع بأوطاس وَكَانَ قائدهم مَالك بن عَوْف الوسواس الخناس.
وَسَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اثنى عشر ألفا من مَكَّة وَالْمَدينَة وَمضى دَاعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وناصرا شَرعه وَدينه حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي حنين فِي اللَّيْل وَقدم خَالِد بن الْوَلِيد فِي بني سليم بِالْخَيْلِ وصف العساكر والجنود وَدفع إِلَى أَصْحَابه الألوية والبنود.
وَعمد مَالك إِلَى أَصْحَابه فَجَمعهُمْ لَيْلًا بالوادي وَأجْمع رَأْيه على أَن يكون جَيْشه عِنْد الْمُلْتَقى هُوَ البادي فَلَمَّا برزت كتائب مُقَدّمَة الْمُسلمين إِلَى الطَّرِيق حمل الْمُشْركُونَ عَلَيْهِم قبل أَن يخرجُوا من الْمضيق فَانْكَشَفَتْ خيل بني سليم مولية وتبعتهم خيل النَّاس فِي غبش الصُّبْح مصلية.
وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أهل بَيته وَأَصْحَابه الْغرَر مِنْهُم الْعَبَّاس وَابْنه الْفضل وَعلي وَأَبُو بكر وَعمر ثمَّ تراجع الْمُسلمُونَ وحملوا على الْكفَّار فطردوهم وشردوهم بِإِذن الْعَزِيز الْغفار وَأَصَابُوا الْغَرَض مِنْهُم سَرِيعا وقتلوهم حتفا عَلَيْهِم قتلا ذريعا وأمدوا بِالْمَلَائِكَةِ وأيدوا بالنصر وحصلوا من الْغَنَائِم مَا لَا يكَاد يبلغهُ الْحصْر وَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ مَا بَين جريح وخائف وَتَفَرَّقُوا بأوطاس ونخلة والطائف.
وَأمر النَّاس بطلبهم فَخَرجُوا يتبعُون جِهَات هَرَبهمْ فأدركوا وأهلكوا وغنموا وأسروا وكسروا حاكمين بِمَا علمُوا وَسَاقُوا إِلَى الْجِعِرَّانَة مَا أَصَابُوا من السَّبي والغنائم وأشرقت بِنور ظفرهم وتأييدهم تِلْكَ الْمعَاهد والمعالم ثمَّ سَارُوا إِلَى الطَّائِف ينثال الْخَيْر عَلَيْهِم ويتوالى وَسَيَأْتِي ذكر مَسِيرهمْ مفصلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول الْعَبَّاس بن مرداس من أَبْيَات:
وَلنَا على بئري حنين موكب *** دفع النِّفَاق وهضبة مَا تقلع
ذدنا عدا تئد هوَازن بالقنا *** وَالْخَيْل يغمرها عجاج يسطع
فِي كل سابغة تخير سردها *** دَاوُد إِذْ نسج الْحَدِيد وَتبع
نصر النَّبِي بِنَا وَكُنَّا معشرا *** فِي كل نائبة نضر وننفع
فزنا برايته وأورث عقده *** مجد الْحَيَاة وسؤددا لَا ينْزع
وفيهَا يَقُول من أَبْيَات:
وَيَوْم حنين حِين سَارَتْ هوَازن *** إِلَيْنَا وَضَاقَتْ بالنفوس الأضالع
ضربنا مَعَ الضَّحَّاك لَا يستفزنا *** قراع الأعادي مِنْهُم والوقائع
أَمَام رَسُول الله يخْفق فَوْقنَا *** لِوَاء كخذروف السحابة قَاطع
وفيهَا يَقُول من أَبْيَات:
وَنحن يَوْم حنين كَانَ مشهدنا *** للدّين عزا وَعند الله مدخر
إِذْ نركب الْمَوْت مخضرا بطائنه *** وَالْخَيْل ينجاب عَنْهَا سَاطِع كدر
فِي مأزق من مجر الْحَرْب كلكلها *** تكَاد تأفل فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر
وَقد صَبرنَا بأوطاس أسنتنا *** لله ينصر من شِئْنَا وننتصر
وفيهَا يَقُول من أَبْيَات:
سمونا لَهَا ورد القطا زفة الضُّحَى *** وكل ترَاهُ عَن أَخِيه قد أحجما
لذِي غدْوَة حَتَّى تركنَا عَشِيَّة *** حنينا وَقد سَالَتْ دوامعه دَمًا
وفيهَا يَقُول من أَبْيَات:
وعَلى حنين قد وفى من جَمعنَا *** ألف أمد بِهِ الرَّسُول عرندس
كَانُوا أَمَام الْمُسلمين ذُرِّيَّة *** وَالشَّمْس يَوْمئِذٍ عَلَيْهِم أشمس
نمضي ويحرسنا الْإِلَه بحفظه *** وَالله لَيْسَ بضائع من يحرس