ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسبع خلون من شَوَّال وَمَعَهُ أَصْحَابه الَّذين لَا يرهبون الْخَوْض فِي بَحر الْأَهْوَال وذفع لِوَاءُهُ إِلَى مُصعب بن …
عُمَيْر واستخلف ابْن أم مَكْتُوم الْمَكْتُوب من أهل الْخَيْر وَكَانَ بلغه أَن أَبَا سُفْيَان وَمن مَعَه من قُرَيْش لم يصف لَهُم بعد وقْعَة بدر مورد الْعَيْش وَأَنَّهُمْ أَجمعُوا على حربه وَاتَّفَقُوا على منازلته فِي سربة وَسَارُوا يقطعون إِلَى جِهَته المراحل وَأَقْبلُوا فِي ثَلَاثَة آلَاف دارع وَفَارِس وراجل حَتَّى نزلُوا قَرِيبا من الْمَدِينَة ونزعوا أَثوَاب الْوَقار والسكينة.
وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل الشّعب من أحد وَمَعَهُ سبعين مائَة لم ينْصَرف عَنهُ أحد مِنْهُم وَلم يحد.
ثمَّ التقى الْفَرِيقَانِ واقتتل حَتَّى الصاحبان والصديقان واضطرمت نَار الْحَرْب واشتدت مواقع الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ يَوْم بلَاء وتمحيص وتنكيد على الْمُسلمين وتنغيص أكْرم الله من أكْرم فِيهِ بِالشَّهَادَةِ وَنقل من نقل من الْمُؤمنِينَ إِلَى دَار السَّعَادَة ثمَّ أعز بقوته جنده وَأنزل نَصره وأنجز وعده.
وَفِيه قتل حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَحمل بعده اللِّوَاء على مَالك زِمَام النجدة بِنَجْد والغوير وَقتل تَكْمِلَة سبعين مِمَّن يشار ببنان الشّرف إِلَيْهِ وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة فَردهَا الرَّسُول فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ ثمَّ انْصَرف أَبُو سُفْيَان بِمن مَعَه من الخابطين فِي الظُّلم ونادى أَن مَوْعدكُمْ بَدْرًا الْعَام الْقَابِل فَقيل لَهُ نعم.
وَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْتَمس حَمْزَة عَمه وَهُوَ يعوم لحزنه عَلَيْهِ فِي بَحر غمَّة وَأي غمَّة فَلَمَّا وجده صلى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسبعين صَلَاة وَانْصَرف رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن دَفنه بهاتيك الفلاة.
وَفِي يَوْم أحد يَقُول حسان بن ثَابت:
فدع ذكر دَار بددت بَين أَهلهَا *** نوي لمتينات الْجبَال قطوع
وَقل إِن يكن يَوْمًا بِأحد يعده *** سَفِيه فَإِن الْحق سَوف يشيع
لقد صابرت فِيهِ بَنو الْأَوْس كلهم *** وَكَانَ لَهُم ذكر هُنَاكَ رفيع
أَمَام رَسُول الله لَا شكّ أَنه ***لَهُم نَاصِر من رَبهم وشفيع
وَفِيه يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات:
وَاذْكُر قُريْشًا غَدَاة السفح من أحد *** مَاذَا لَقينَا وَمَا لقوا من الْهَرَب
كُنَّا الْأسود وَكَانُوا النمر إِذْ زحفوا *** مَا إِن نراقب من إِلَى وَلَا نسب
جالوا وجلنا فَمَا فازوا وَلَا رجعُوا *** وَنحن نثفنهم لم نأل فِي الطّلب
فِينَا الرَّسُول شهَاب ثمَّ يتبعهُ *** نور مضيء لَهُ فضل على الشهب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه *** وكذبوه فَكُنَّا أسعد الْعَرَب
وَفِي حَمْزَة يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات:
دع عَنْك دَارا قد عَفا رسمها *** وابك على حَمْزَة ذِي النائل
المالىء الشيزى إِذا أعصفت *** غبراء فِي ذِي الشبم الماحل
أَبيض فِي الذرْوَة من هَاشم *** لم يمر دون الْحق بِالْبَاطِلِ
أظلمت الأَرْض لفقدانه *** واسود نور الْقَمَر الناصل
وَفِيه يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات:
وَلَقَد هددت لفقد حَمْزَة هدة *** ظلت بَنَات الْجوف متي ترْعد
وَلَو أَنه فجعت حراء بِمثلِهِ *** لرأيت رَأْسِي صخرها يتبدد
قرم تمكن فِي ذؤابة هَاشم *** حَيْثُ النُّبُوَّة والندى والسؤدد
عَم النَّبِي مُحَمَّد وَصفِيَّة *** ورد الْحمام فطاب ذَاك المورد
وَفِيه يَقُول من أَبْيَات:
بَكت عَيْني وَحقّ لَهَا بكاها *** وَمَا يُغني الْبكاء أَو العويل
على أَسد الْإِلَه غَدَاة قَالُوا *** أحمزة ذاكم الرجل الْقَتِيل
أُصِيب الْمُسلمُونَ بِهِ جَمِيعًا ***هُنَاكَ وَقد أُصِيب بِهِ الرَّسُول
أَبَا يعلى لَك الْأَركان هدت *** وَأَنت الْمَاجِد الْبر الْوُصُول
عَلَيْك سَلام رَبك فِي جنان *** يخالطها نعيم لَا يَزُول