ولم تمض سوى أيام على عودة الجيش من مؤتة إلى المدينة حتى جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات …
السلاسل، وذلك لتأديب قضاعة التي غرّها ما حدث في مؤتة التي اشتركت فيها إلى جانب الروم فتجمعت تريد الدنو من المدينة، فتقدم عمرو بن العاص في ديارها ومعه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستعين ببعض فروع قضاعة من بليّ وعذرة وبلقين عليها، وقد بلغ عمرو بن العاص أن جموعها كبيرة فاستمد الرسول صلى الله عليه وسلم فأمده بمائتين من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعليهم أبو عبيدة عامر بن الجراح.
ويذكر عامر الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا عبيدة على المهاجرين وعمرو بن العاص على الأعراب وطلب منهما أن يتطاوعا وأن الجيش أرسل ضد بني بكر لكن عمرو بن العاص أغار على قضاعة .
وقد توغل الجيش في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت، وقد أعادت هذه الحملة الهيبة للمسلمين في هذه المنطقة، تلك الهيبة التي كانت أحداث غزوة مؤتة قد زعزعتها .
وفيها صلى عمرو بن العاص بالمسلمين بعد أن تيمم من الجنابة حيث خاف على نفسه المرض إذا اغتسل بسبب البرد، وقد أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم اجتهاده حين بلغه.
ويدل تأمير عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر على جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية .
وإذا كانت حملات المسلمين العسكرية قد اتجهت نحو الشمال منذ صلح الحديبية الذي أوقف حملاتهم نحو الغرب والجنوب الغربي حيث تقبع مكة آمنة في ظلال الصلح، فإن ذلك لم يدم طويلا حيث لم تقدّر قريش نعمة الأمن والسلم، فبادرت إلى نقض الصلح مما أدى إلى عودة النشاط الإسلامي العسكري إلى سابق عهده نحو مكة وما حولها.