اسم موضع قريب من الطائف وفي كلام بعضهم: إلى جنب ذي المجاز، وهو سوق الجاهلية، وتقدم ذكره. وفي كلام بعض آخر: اسم لما بين …
مكة والطائف، ويقال لها غزوة هوازن، ويقال لها غزوة أوطاس باسم الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر.
أي وسببها أنه لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أطاعت له قبائل العرب إلا هوازن وثقيفا، فإن أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة.
قال: قال أئمة المغازي: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض، فأشفقوا: أي خافوا أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: قد فرغ لنا، فلا ناهية: أي لا مانع له دوننا، والرأي أن يغزونا، فحشدوا وبغوا وقالوا:
والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال، فأجمعت هوازن أمرها اهـ. أي جمعوا، وكان جماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصيري: أي بالصاد المهملة رضي الله تعالى عنه، فإنه أسلم بعد ذلك فاجتمع إليه من القبائل جموع كثيرة فيهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم وحضر معهم دريد بن الصمة، وكان شجاعا مجرّبا لكنه كبر أي لأنه بلغ مائة وعشرين سنة، وقيل مائة وخمسين، وقيل مائة وسبعين: أي وقيل قارب المائتين قاله ابن الجوزي، وقد عمي وصار لا ينتفع إلا برأيه ومعرفته بالحرب: أي لأنه كان صاحب رأي وتدبير ومعرفة بالحروب، وكان قائد ثقيف ورئيسهم كنانة بن عبد ياليل رضي الله تعالى عنه، فإنه أسلم بعد ذلك، وقيل قارب بن الأسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة، فأمر الناس بأخذ أموالهم ونسائهم وأبنائهم معهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة، فقال دريد للناس: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم محل الخيل. وفي لفظ: مجال الخيل بالجيم لا حزن ضرس. والحزن: بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي وبالنون: ما غلظ من الأرض. والضرس بكسر الضاد المعجمة وإسكان الراء وبالسين المهملة: ما صلب من الأرض، ولا سهل دهس. والسهل: ضدّ الحزن. والدهس بفتح الدال المهملة والهاء وبالسين المهملة: اللين كثير التراب، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير بضم النون: أي صوتها، وبكاء الصغير، ويعار الشاء. واليعار بضم المثناة تحت وبالعين المهملة المخففة والراء: صوت الشاء: أي وخوار البقر أي صوتها، قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال ابن مالك: أي وكان توافق معه على أن لا يخالفه، فإنه قال له إنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب، وخافته العجم، وأجلى يهود الحجاز، أي غالبهم، إما قتلا، وإما خروجا عن ذل وصغار، فقال له: لا نخالفنك في أمر تراه، فقيل له: هذا مالك، فقال: يا مالك أما إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء، وخوار البقر؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فانقض به. قال أبو ذر: أي زجره كما تزجر الدابة، وهو أن يلصق اللسان بالحنك الأعلى ويصوت به، وهو معنى قول الأصل: أي صوّت بلسانه في فيه، ثم قال له: راعي. وفي لفظ: رويعي ضأن، والله ما له وللحرب، ثم أشار عليه برد الذرية والأموال وقال: هل يردّ المنهزم شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الحد والجد، الأول بفتح الحاء المهملة والثاني بالمعجمة مكسورة ضد الهزل، وبفتحها الحظ، لو كان يوم علا ورفعة ما غابا، ثم أشار عليه بأمور لم يقبلها مالك منه وقال: والله لا أطيعك، إنك قد كبرت وضعف رأيك، فقال دريد لهوازن: قد شرط يعني مالكا أن لا يخالفني فقد خالفني، فأنا أرجع إلى أهلي فمنعوه، وقال مالك: والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد فيها رأي أو ذكر، قالوا: أطعناك: أي ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا، ثم جعلوا الإبل صفوفا والبقر والغنم وراء ذلك لئلا يفروا. وفي لفظ: صفت الخيل ثم الرجالة المقاتلة، ثم صفت النساء على الإبل، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، ثم قال للناس: إذا رأيتموهم شدوا عليهم شدة رجل واحد، وبعث عيونا له: أي وهم ثلاثة أنفار أرسلهم لينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا وقد تفرقت أوصالهم قال: ويلكم ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيول بلق، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، وإن أطعتنا رجعنا بقومك، فقال: أف لكم، بل أنتم أجبن العسكر، فلم يرده ذلك، ومضى على ما يريده.
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم أرسل إليهم رجلا من أصحابه، أي وهو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل فيهم ويسمع منهم ما أجمعوا عليه، فدخل فيهم: أي ومكث فيهم يوما أو يومين وسمع، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر: أي وجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشبابهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى». فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السير إلى هوازن، وذكر له صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن أمية- ولم يكن أسلم يومئذ بل كان مؤمنا- أدرعا وسلاحا، فأرسل صلى الله عليه وسلم إليه فقال: يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا، فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بل عارية، وهي مضمونة حتى نؤديها إليك»، قال: ليس بهذا بأس. وفي رواية الإمام أحمد قال صفوان: عارية مؤداة، فقال صلى الله عليه وسلم: «العارية مؤداة، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح». قيل وسأله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل. وذكر أن بعض تلك الأدراع ضاع، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام أرغب قال: واستعار صلى الله عليه وسلم من ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فقال له: «كأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين» اهـ أي وتقدم أن نوفلا هذا فدى نفسه وكان في أسرى بدر بألف رمح.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا: ألفان من أهل مكة، والعشرة آلاف الذين فتح الله صلى الله عليه وسلم بهم مكة أي على ما تقدم.
قال بعضهم: وخرج أهل مكة ركبانا ومشاة حتى النساء يمشين على غير وهن يرجون الغنائم ولا يكرهون: أي من لم يصدق إيمانه أن الضيعة، وفي لفظ أن الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: أي فقد خرج معه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، فلما قربوا من محل العدو صفهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار، فلواء المهاجرين أعطاه عليا كرم الله وجهه، وأعطى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه راية، وأعطى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه راية، ولواء الخزرج أعطاه الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه، ولواء الأوس أعطاه أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه.
وفي سيرة الدمياطي: وفي كل بطن من الأوس والخزرج لواء وراية يحملها رجل منهم، وكذلك قبائل العرب فيها الألوية والرايات يحملها رجال منهم، وركب صلى الله عليه وسلم بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة، والدرعان هما ذات الفضول والسغدية بالسين المهملة والغين المعجمة: وهي درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ومروا بشجر سدرة كان المشركون يعظمونها وينوطون بها أسلحتهم: أي يعلقونها بها، فقالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، هذا كما قال قوم موسى عليه السلام»: {ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] «لتركبن سنن من كان قبلكم» فلما كان بحنين وانحدروا في الوادي، أي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه، وذلك بإشارة دريد بن العصمة، فإنه قال لمالك: اجعل لك كمينا يكون لك عونا إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد، فحملوا عليهم حملة رجل واحد، أي وكانوا رماة فاستقبلوهم بالنبل كأنهم جراد منتشر، لا يكاد يسقط لهم سهم.
أي وعن البراء رضي الله تعالى عنه وسأله رجل، فقال: فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقال: ولكن رسول الله لم يفر.
وأما ما روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، فمنهزما حال من سلمة لا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط في موطن من المواطن كما تقدم.
وعن البراء رضي الله عنه: كانت هوازن ناسا رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام، فأخذ المسلمون راجعين منهزمين لا يلوي أحد على أحد. أي ويقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضهم لبعض: أي من كان إسلامه مدخولا منهم اخذلوه هذا وقته فانهزموا، فهم أول من انهزم وتبعهم الناس. وعند ذلك قال أبو قتادة رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: ما شأن الناس؟ قال أمر الله.
وهذا السياق يدل على أنهم انهزموا مرتين: الأولى في أول الأمر، والثانية عند انكباب المسلمين على أخذ الغنائم. والذي في الأصل الاقتصار على الأولى.
وانجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ومعه نفر قليل، منهم أبو بكر وعمر وعليّ والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان ابن أخيه الحارث وربيعة بن الحارث ومعتب ابن عمه أبي لهب، وفقئت عينه، ولم أقف على أيهما كانت، أي ووردت في عدّ من ثبت معه روايات مختلفة، فقيل مائة، وقيل ثمانون، وقيل اثنا عشر، وقيل عشرة، وقيل كانوا ثلاثمائة.
ولا مخالفة لإمكان الجمع، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله إني عبد الله ورسوله» .
وعن العباس رضي الله عنه: كنت آخذا بحكمة بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي وهي الشهباء التي أهداها له فروة بن عمرو الجزامي، أي صاحب البلقاء وعامل ملك الروم على فلسطين يقال لها فضة. قيل التي يقال لها دلدل التي أهداها له المقوقس. وفي البخاري التي أهداها له ملك أيلة. قال بعضهم: والأول أثبت.
ويدل للثاني ما أخرجه أبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: انهزم المسلمون بحنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وكان يسميها دلدل، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دلدل البدي، فألزقت بطنها بالأرض» الحديث. وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه صلى الله عليه وسلم وهو يقول حين رأى ما رأى من الناس: إلى أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عباس اصرخ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة» يعني الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان.
وفي لفظ: «يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة، وبالأنصار الذين آووا ونصروا» أي وإنما خص صلى الله عليه وسلم العباس بذلك، لأنه كان عظيم الصوت، كان صوته يسمع من ثمانية أميال، كان يقف على سلع وينادي غلمانه آخر الليل وهم بالغابة فيسمعهم، وبين سلع والغابة ثمانية أميال.
وغارت الخيل يوما على المدينة، فنادى: واصباحاه فلم تسمعه حامل إلا وضعت من عظم صوته.
وفي لفظ آخر: نادى يا أصحاب السمرة يوم الحديبية، يا أصحاب سورة البقرة، أي وخص سورة البقرة بالذكر، لأنها أول سورة نزلت في المدينة، لأن فيها {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249] وفيها: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] وفيها: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ} [البقرة:207] . وفي لفظ: نادى: «يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج. خصهم بالذكر بعد التعميم لأنهم كانوا صبرا في الحرب». فأجابوا لبيك لبيك. وفي لفظ: يا لبيك يا لبيك .
أي وفي البخاري: لما أدبروا عنه صلى الله عليه وسلم حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين التفت عن يمينه، فقال: «يا معشر الأنصار»، قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: «يا معشر الأنصار»، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك .
ويجوز أن يكون هذا بعد نداء العباس وقربهم منه صلى الله عليه وسلم، وصار الرجل يلوي بعيره فلا يقدر على ذلك، أي لكثرة الأعراب المنهزمين، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، ويؤمّ الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بعضهم: فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عطفة الإبل. وفي لفظ: عطفة البقر على أولادها فلرماحهم أخوف عندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار، حتى إذا انتهى إليه من الناس مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القوم وهم يجتلدون، أي وكان شعارهم كيوم فتح مكة، فقال صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس» ، وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم. والوطيس في الأصل: التنور، وهذه من الكلمات التي لم تسمع إلا منه صلى الله عليه وسلم، وهي مثل يضرب لشدة الحرب: أي وصار يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وهذا السياق يدل على أن المائة انتهت إليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة، وهو يؤيد القول بأن الذين ثبتوا معه صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا المائة.
وفي رواية: لما انكشف الناس عنه يوم حنين قال لحارثه، بالحاء المهملة، ابن النعمان: يا حارثة كم ترى الناس الذين ثبتوا؟ فحزرتهم مائة، فقلت: يا رسول الله مائة، فلما كان يوم من الأيام مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد من هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حارثة بن النعمان»، فقال جبريل عليه السلام: هو أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت عليه السلام. قال: فلما أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت له: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك.
وفي رواية: لما فر الناس يوم حنين عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا أربعة: ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم: علي بن أبي طالب، والعباس وهما بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الأيسر، ولا يقبل أحد من المشركين جهته صلى الله عليه وسلم إلا قتل.
وذكر بعضهم أنه رأى أبا سفيان بن الحارث حينئذ آخذا بزمام بغلته صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي ما تقدم أن الآخذ بذلك العباس رضي الله عنه، وأن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بركابه صلى الله عليه وسلم، لجواز أن يكون آخذ بزمامها بعد أخذه بركابه صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي سفيان بن الحارث قال: لما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتا والله يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إليّ، فقال له العباس: يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه، فقال: غفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت إليّ وقال: يا أخي، فقبلت رجله في الركاب وقال صلى الله عليه وسلم في حقه «أبو سفيان بن الحارث من شبان أهل الجنة أو من سيد فتيان أهل الجنة» وليس قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب» إلى آخره من الشعر، لأن شرطه كما تقدم في بناء المسجد أن يكون عن قصد وروية، بناء على أن مشطور الرجز ومنهوكه شعر وهو الصحيح، خلافا للأخفش حيث ردّ على الخليل في قوله: إن الرجز شعر بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في قوله المذكور، وقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [يس: 69] .
وردّ بأن ما يقع موزونا لا عن قصد لا يقال له شعر. ولا يقال لقائله إنه شاعر كما تقدم مع زيادة، وأنما قال صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن عبد المطلب» ولم يقل أنا ابن عبد الله، لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم إلى جده عبد المطلب لشهرته، ولموت عبد الله في حياته كما تقدم، فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن العواتك والفواطم» . وأخذ من هذا أنه لا بأس بالانتساب في موطن الحرب.
وذكر الخطابي أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال: «أنا ابن عبد المطلب» على سبيل الافتخار، ولكن ذكرهم صلى الله عليه وسلم بذلك رؤيا كان رآها عبد المطلب أيام حياته، وكانت القصة مشهورة عندهم فعرّفهم بها وذكرهم إياها، وهي إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ثم نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته. وقيل لم ينزل بل قال: «يا عباس ناولني من الحصباء» فانخفضت به بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض، ثم قبض قبضة من تراب قال بعضهم: كأنّ الله أفقه: أي أفهم البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم: أي علمت مراده.
وفي رواية كما تقدم أنه قال لها:«يا دلدل البدي»، فلبدت: أي انخفضت. وفي رواية قال: اربضي دلدل فربضت. وقيل ناوله العباس ذلك. وقيل ناوله عليّ. وقيل ابن مسعود رضي الله عنهم. فعنه حادت به بغلته، فمال السرج. فقلت: ارتفع رفعك الله، فقال ناولني كفا من تراب فناولته، ثم استقبل بها وجوههم فقال: «شاهت الوجوه» أي وفي رواية قال: «حم لا ينصروني» وفي رواية: «جمع بينهما فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأت عينيه وفمه ترابا تلك القبضة وقال انهزموا ورب محمد فولوا مدبرين» أي وقال بعضهم:ما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا.
وحدث رجل كان من المشركين يوم حنين قال: «لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلبة شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم ونحن في آثارهم، إذ صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان الوجوه وقالوا: شاهت الوجوه ارجعوا» فانهزمنا من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت إياها، وإلى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله:
ورمى بالحصى فأقصد جيشا *** ما العصا عنده وما الإلقاء
أي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصى فأهلك ذلك الجيش العظيم، أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى؟ وأي شيء إلقاء موسى عليه السلام لتلك العصا عند إلقاء ذلك الحصى؟ شتان ما بينهما فلا يقاس هذا بذلك لأن هذا أعظم، لأن انقلاب العصا حية كان مشابها لانقلاب حبالهم وعصيهم حيات، ولأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شملهم، بل زاد بعدها طغيانهم وعتوهم على موسى عليه السلام، بخلاف هذا الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله.
أي وذكر أنه عند القتال أنزل الله تعالى قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً} [التوبة: 25] إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام:54] .
فقد جاء أن بعض أصحابه: أي وهو أبو بكر رضي الله عنه كما في سيرة الحافظ الدمياطي قال: «يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءته تلك الكلمة» وقيل بل قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المسلمين، وقيل قال ذلك فتى من الأنصار: أي وهو سلمة بن الأكوع، أو سلامة بن وقش.
أي وجاء: أنه صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ يديه، وقال: «اللهم أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا» .
أي وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الضحاك، قال: دعا موسى عليه الصلاة والسلام حين توجه إلى فرعون لعنه الله، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: «كنت وتكون، وأنت حي لا تموت، تنام العيون، وتنكدر النجوم، وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم» .
وكان أمام المشركين رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه، فبينما هو كذلك إذ أهوى إليه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورجل من الأنصار يريدانه، فأتى عليّ من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، واجتلد الناس، فو الله ما رجعت راجعة المسلمين من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما انهزم المسلمون تكلم رجال من أهل مكة بما في نفوسهم من الضعف، ومنهم أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه. قيل وكان إسلامه بعد مدخولا، وكانت الأزلام في كنانته، فقال: لا تنتهي هزيمتهم يعني المسلمين دون البحر، أي وقال والله غلبت هوازن، فقال له صفوان: بفيك الكثيب: أي الحجارة والتراب. وقد وصلت الهزيمة إلى مكة، وسر بذلك قوم من مكة، وأظهروا الشماتة، وقال قائل منهم ترجع العرب إلى دين آبائها، أي وقال آخر: أي وهو أخو صفوان لأمه: ألا قد بطل السحر اليوم، فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك: اسكت فض الله فاك: أي أسقط أسنانك، والله لأن يربني من الربوبية: أي يملكني ويدبر أمري رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن.
وفي رواية مر رجل من قريش على صفوان بن أمية، فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فو الله لا يجبرونها أبدا، فغضب صفوان رضي الله عنه وقال: أتبشرني بظهور الأعراب؟ فو الله لرب رجل من قريش أحب إليّ من رجل من الأعراب. وقال عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه: وكونهم لا يجبرونها أبدا هذا ليس بيدك، الأمر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا، فقال له سهيل بن عمرو: والله إن عهدك بخلافه لحديث، فقال له: يا أبا يزيد إنا كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجرا لا يضر ولا ينفع.
وعن شيبة الحجبي رضي الله عنه: أي حاجب البيت ويقال لبنيه بنو شيبة، وهم حجبة البيت كما تقدم أنه كان يحدث عن سبب إسلامه، قال: ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ولما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وسار إلى حرب هوازن، قلت: أسير من قريش إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأقتله، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها: أي ولفظ: «اليوم أدرك ثأري من محمد» أي لأن أباه وعمه قتلا يوم أحد قتلهما حمزة رضي الله عنه كما تقدم.
أقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته، لا يزداد ذلك الأمر عندي إلا شدة، فلما اختلط الناس ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته أصلتّ السيف ودنوت منه أريد الذي أريد منه، ورفعت السيف حتى كدت أوقع به الفعل رفع إليّ شواظ من نار كالبرق كاد يهلكني، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه.
وفي رواية: لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد، فناداني صلى الله عليه وسلم: «يا شيبة ادن مني» ، فدنوت منه فالتفت إلي وتبسم وعرف الذي أريد منه، فمسح صدري، ثم قال: «اللهم أعذه من الشيطان» ، قال شيبة: فو الله لهو كان الساعة إذا أحب إليّ من سمعي وبصري ونفسي، واذهب الله ما كان فيّ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ادن فقاتل»، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم إني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه، حتى تراجع المسلمون وكروا كرة واحدة، وقربت إليه صلى الله عليه وسلم بغلته، فاستوى عليها قائما، وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه: أي لا يلوي أحد منهم على أحد، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه، واتبعتهم المسلمون يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه» وفي رواية: «من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه» .
وفي الأصل في غزوة بدر أن المشهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه» إنما كان يوم حنين. وأما ما روي أنه قال ذلك يوم بدر ويوم أحد فأكثر ما يوجد في رواية من لا يحتج به، ومن ثم قال الإمام مالك رضي الله عنه: لم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا يوم حنين.
وتعقب ما في الأصل بأنه وقع ذلك في غزوة مؤتة كما في مسلم وهي قبل الفتح.
وفي كلام بعضهم: كون السلب للقاتل أمر مقرر من أول الأمر، وإنما تجدد يوم حنين للإعلام العام والمناداة لا لمشروعيته.
وحدّث أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه استلب وحده عشرين رجلا: أي قتلهم وأخذ أسلابهم.
وقال أبو قتادة رضي الله عنه: رأيت يوم حنين مسلما ومشركا يقتتلان وإذا رجل من المشركين يريد إعانة المشرك على المسلم فأتيته وضربت يده فقطعتها، فاعتنقني بيده الأخرى فو الله ما أرسلني حتى وجدت ريح الموت، ولولا أن الدم نزفه لقتلني، فسقط وضربته فقتلته، وأجهضني القتال عن استلابه، فلما وضعت الحرب أوزارها، قلت: يا رسول الله، لقد قتلت قتيلا ذا سلب، وأجهضني عنه القتال، فما أدري من استلبه، فقال رجل من أهل مكة: صدق يا رسول الله فأرضه عني من سلبه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا يرضيه، تعمد إلى أسد الله يقاتل عن دين الله نقاسمه سلب قتيله. وفي لفظ قال أبو بكر رضي الله عنه: أي للنبي صلى الله عليه وسلم: كلا، تعطيه أضيبع من قريش وتدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله. والأضيبع تصغير ضبع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق اردد عليه سلبه». قال أبو قتادة رضي الله عنه: فأخذته منه فاشتريت بثمنه: أي السلب الذي جمعته بستانا، وأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة فإذا هو شيخ كبير أعمى ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا، فقال له يسخر به: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل، ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك، فقتله، فلما أخبر ربيعة أمه بقتله، فقالت له: أما والله لقد أعتق اثنين بل ثلاثا، وقالت له: ألا تكرمت عن قتلة لما أخبرك بمنة علينا، فقال: ما كنت لأتكرم عن رضا الله ورسوله.
أي وقيل القاتل لدريد بن الصمة الزبير بن العوام رضي الله عنه، وقيل عبد الله بن قبيع وكانت أم سليم رضي الله عنها مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه وهي حازمة وسطها ببرد لها وفي حزامها خنجر، وكانت حاملا بابنها عبد الله، فقال لها زوجها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به، فقال أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء، فأعادت عليه القول، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، أي وكان يقال لها العميصاء والرميصاء: وهي التي يخرج القذى من عينها، ومن ثم قال بعضهم: قيل لها الرميصاء لرمص كان في عينها.
وعن ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قد مات أبي مالك عنها مشركا ثم خطبها عمي أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الإسلام فأسلم، فقالت له: إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا غيره فتزوجها، قال أنس رضي الله عنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقالوا هذه العميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك» .
وعنه رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا أزواجه وإلا أم سليم فإنه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك؟ فقال: «إني أرحمها، قتل أخوها معي» ولعل المراد أنه كان يكثر الدخول عليها كأزواجه، ولا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على غيرها من النساء الأنصار، لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الاختلاء بالأجنبية، فكان يدخل على أخت أم سليم وهي أم حرام بالراء رضي الله عنها، وتفلي له رأسه الشريف وينام عندها ويدخل على الربيع، ثم رأيته في الإمتاع أشار إلى ذلك.
وفي «مزيل الخفاء» أن أم سليم وأختها خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع، وعليه فلا دلالة في دخوله صلى الله عليه وسلم عليهما والخلوة بهما على جواز الخلوة بالأجنبية.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، أي وهو أبو عمير الذي كان صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول أبا عمير ما فعل النغير، ذكره السيوطي في كتابه «تبريد الأكباد» .
وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه غيره، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه فجاء فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن ما كان، فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت وطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوا؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب ثم انطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لكما في غابر ليلتكما»، قال: فحملت بعبد الله المذكور، قالت: ولما ولدته حملته وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هل معك تمر؟» فقلت: نعم، فناولته تمرات فألقاهن صلى الله عليه وسلم في فيه الشريف فلاكهن، ثم فغر فاه الصبي فمجه فيه فجعل الصبي يتلمظ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حب الأنصار التمر وسماه عبد الله»، أي وجاء لعبد الله هذا الذي جاء من جماع تلك الليلة تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن.
ولما أخبر أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم عن أم سليم، قال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل»، فقيل: يا رسول الله ما كان من خبرها؟ قال: «كان في بني اسرائيل امرأة وكان لها زوج وكان له منها غلامان، وكان زوجها أمرها بطعام تصنعه ليدعو عليه الناس، ففعل واجتمع الناس في داره، فانطلق الغلامان يلعبان، فوقعا في بئر كانت في الدار، فكرهت أن تنغص على زوجها الضيافة، فأدخلتهما البيت وسجتهما بثوب، فلما فرغوا دخل زوجها، فقال: أين ابناي، قالت: هما في البيت، وإنها كانت تمسحت بشيء من الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ثم قال: أين ابناي؟ قالت: هما في البيت، فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان، فقالت المرأة: سبحان الله. والله لقد كانا ميتين ولكن الله أحياهما ثوابا لصبري» ولما انهزم القوم عسكر بعضهم بأوطاس، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري رضي الله عنه، وسيأتي في السرايا. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره، قال شيبة: فدخل خباءه فدخلت عليه، ما دخل عليه غيري حبا لرؤية وجهه وسرورا به، فقال: يا شيبة الذي أراد الله خير مما أردت بنفسك، ثم حدثني بكل ما أضمرته في نفسي مما لم أذكره لأحد قط. فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قلت: استغفر لي، فقال غفر الله لك، أي وقالت له صلى الله عليه وسلم أم سليم رضي الله عنها: بأبي أنت وأمي يا رسول الله. اقتل هؤلاء الذين انهزموا عنك فإنهم لذلك أهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد كفى وأحسن».
وعن عائذ بن عمرو قال: أصابتني رمية يوم حنين في جبهتي فسال الدم على وجهي وصدري، فسد النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري إلى ترقوتي، ثم دعاني فصار أثر يده صلى الله عليه وسلم غرة سائلة كغرة الفرس.
وجرح خالد بن الوليد رضي الله عنه، فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فلم يضره.
أي فعن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم، يمشي في المسلمين ويقول: من يدلني على رحل خالد بن الوليد حتى دل عليه، فوجده قد أسند إلى مؤخرة رحله لأنه قد أثقل بالجراحة فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فبرىء.
وعن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون شيئا أسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة، ولم تكن إلا هزيمة القوم.
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله أن سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين أكتافهم: أي فعن جمع من هوازن قالوا: لقد رأينا يوم حنين رجالا بيضا على خيل بلق، عليها عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم بين السماء والأرض، وكتائب لا نستطيع أن نقاتلهم من الرعب منهم. ولما وقعت الهزيمة أسلم ناس من كفار مكة وغيرهم لما رأوا نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وعن شيبة الحجبي قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، والله ما خرجت إسلاما ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فو الله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا، قال: «يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر فضرب بيده صدري ثم قال: اللهم اهد شيبة، فعل ذلك ثلاثا»، فما رفع صلى الله عليه وسلم يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه ويحتاج إلى الجمع بينه وبين ما تقدم على تقدير صحتهما.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن تجمع، فجمع ذلك كله وأحضره إلى الجعرانة أي بسكون العين وتخفيف الراء. وكثير من أهل الحديث يشددها وسمي المحل باسم امرأة كانت تلقب بذلك قيل وهي التي نقضت غزلها من بعد قوة، فكان بها إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من غزوة الطائف. وفي هذه الغزوة سمي طلحة بن عبيد الله طلحة الجواد لكثرة إنفاقه على العسكر.