غزوة بني قَيْنُقَاع
وفيه كان حصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون قد اشتدّ على #~~~بني قينقاع~~~# جدًا، وقذف الله في قلوبهم الرُّعب، …
فخرجوا عليه من نوافذ الحصن يقولون: “أفننزل وننطلق؟” -يعني ننزل ونترك المدينة-، فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا، إلّا على حُكمي» -وهو الإعدام-، فوافقوا، ونزلوا على حُكمه صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر أن يُربطوا وأمر المُنذر بن قُدامة السالمي بتكتيفهم ومعه مجموعة من المسلمين، فمرّ بهم عبد الله بن أبي بن سلول -المُنافق-، فقال: “حُلّوهم”، فقال المُنذر: “أتحلّون قومًا ربطهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ -يعني أمر بربطهم-، والله لا يحلّهم رجل إلا ضربت عُنُقه -فهذه أوامر شُرَطِيَّة عسكريّة لا تهاون فيها-.
فوثب ابن سلول إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأدخل يده في جنب درع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلفه وقال: “يا محمد أحسن في مواليَّ”، فاستدار له النّبي صلى الله عليه وآله وسلم غضبان متغيّر الوجه وقال: «ويلك، أرسلني!»، فقال: “لا أُرسِلَك حتى تُحسِن في مواليَّ أربعمائة دارع وثلاثمائة حاسر منعوني يوم الحدائق، ويوم بُعاث من الأحمر والأسود تُريد أن تحصدهم في غداة واحدة؟ يا مُحمَّد إني امرؤ أخشى الدوائر”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خلّوهم لعنهم الله، ولعنه معهم»، وأمر صلى الله عليه وآله وسلَّم أن يُتركوا ولا يُقتلوا وأمر بإجلائهم من المدينة بنسائهم وأولادهم.
وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن يصادر أموالهم، وُعبادة بن الصّامت يُجليهم مع محمد بن سملمة خارج المدينة، فلمّا بدأوا بجمع أنفسهم للرحيل من المدينة، جاء ابن أُبَيّ -لعنه الله- ومعه بعض حُلفائه من اليهود، يريد أن يُكلِّم النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يتركهم في ديارهم، وكان يقف عند باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عويم بن ساعدة رضي الله عنه، فمنعه عويم من الدخول، فدفعه ابن أُبَيّ، فدفعه عويم بن ساعدة حتى ارتطم وجهه بالجدار وسال الدمّ منه، فتصايح حُلفاء ابن أُبَيّ من اليهود وقالوا: “أبا الحُباب لا نُقيم أبدًا بدار أصاب وجهك فيها هذا”، وأخذ ابن أُبَيّ يصيح فيهم وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: “ويحكم، لا ترحلوا!”، وكان لعنه الله قد أمرهم بالتّحصن في حصونهم وأنّه سيدخل معهم، فلم يدخل معهم ولم يرموا سهمًا من حصنهم ولم يُقاتلوا وفتحوا حصنهم، فأجلاهم محمد بن مسلمة وصَادَرَ جميع أموالهم.
وكان عُبادة بن الصامت رضي الله عنه حليفًا لهم مثل ابن أُبَيّ، فلمّا ساروا خارجين قالوا: “يا أبا الوليد من بين الأوس والخزرج -ونحن مواليك- فعلت هذا بنا؟”، فقال لهم عُبادة: “لمّا حاربتم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقُلت : “يا رسول الله إني أبرأ إليك منهم ومن حِلفِهِم”، فقال عبد الله بن أُبَيّ: “تبرّأت من حِلْف مواليك؟، ما هذه بيدهم عنِدك!”، وذكّرَهُ مواطِن قد أبلَوْا فيها، فقال عُبادة: “أبا الحُباب تغيّرت القُلُوب -قُلوب اليهود- ومحا الإسلام العُهُود -لمّا أسلمنا خانوا العهود- أما والله إنك لمُعصِم بأمر سترى غِبّه غدًا -تتمسك بشيء غدًا تعرف خطؤه-”.
ونادى بنو قَيْنُقَاع رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: “يا مُحمّد إن لنا دَيْنًا في النَّاس -النّاس مديونة لنا من تجارة الصّاغة-”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «تعجّلوا وضَعوا» -أسرعوا في جمع ما لكم-، ووقف لهم عُبادة بن الصّامت وهم يرحلون ويجمعون أشيائهم وقالوا: “أمهلنا متنفّسًا نجمع ما لنا”، فقال عُبادة: “ولا ساعة من نهار!، لكم ثلاث لا أزيدكم عليها، هذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كنت أنا ما نفّستُكُم” -لو كان الأمر بيدي ما أمهلتكم لخبيث فعلكم-.