قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ:…
مَا إنْ تُعَدِّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ … لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا … أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَعَيْنٍ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ … قُمْنَا وَقَامَ النِّسَاءُ فِي كَبَدِ
إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ … أَوْ يَقْصِدُوا فِي الْحُكُومِ يَقْتَصِدْ
حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ … مُرٌّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ
وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ … أَلْوَتْ رِيَاحُ الشِّتَاءِ بِالْعَضَدِ
وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرَّمَةً … حَتَّى تَجَلَّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ … ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ
لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِهَا … لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ
الْبَاعِثُ النَّوْحَ فِي مَآتِمِهِ … مِثْلَ الظِّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ
فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْفَارِسِ … يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجُدِ
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا … جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسُّؤَالِ كَمَا … يُنْبِتُ غَيْثُ الرَّبِيعِ ذُو الرَّصَدِ
كُلُّ بَنِي حُرَّةٍ مَصِيرُهُمْ … قُلٌّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا … يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنَّفَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَبَيْتُهُ:
«يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي … وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ
وَأَيْقَنْتُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ قَالُوا … تُقُسِّمَ مَالُ أَرْبَدَ بِالسِّهَامِ
تُطِيرُ عَدَائِدَ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا … وَوِتْرًا وَالزَّعَامَةِ لِلْغُلَامِ
فَوَدَّعَ بِالسَّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ … وَقَلَّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسَّلَامِ
وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا … وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنِّظَامِ
وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا … تَقَعَّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ
إذَا بَكَرَ النِّسَاءُ مُرَدَّفَاتٍ … حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ
فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ … كَمَا وَأَلَ الْمُحِلُّ إلَى الْحَرَامِ
وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَدَ مَنْ عَرَاهَا … إذَا مَا ذُمَّ أَرْبَابُ اللِّحَامِ
وَجَارَتُهُ إذَا حَلَّتْ لَدَيْهِ … لَهَا نَفَلٌ وَحَظٌّ مِنْ سَنَامِ
فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ … وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ
وَهَلْ حُدِّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا … عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا ابْنَيْ شَمَامِ
وَإِلَّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ … خَوَالِدَ مَا تُحَدِّثُ بِانْهِدَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا … انْعَ الرَّئِيسَ وَاللَّطِيفَ كَبَدَا
يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا … أُدْمًا يُشَبَّهْنَ صُوَارًا أَبَدَا
السَّابِلَ الْفَضْلَ إذَا مَا عُدِّدَا … وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا
رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا … مِثْلُ الَّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا
يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا … أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا
غِبًّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا … شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ … بَدَ فَابْكِيَا حَتَّى يَعُودَا
قُولَا هُوَ البطل المحامي … حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا
ويصدّ عنّا الظّالمين … إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا
فاعتاقه ربّ البريّة … إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا
فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ … يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
يُذَكِّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلُّ خَصْمٍ … أَلَدَّ تَخَالُ خُطَّتَهُ ضِرَارَا
إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ … وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقِّ جَارَا
وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطَّلِعًا إذَا مَا … دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ … وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ
إذَا مَا رَأَى ظِلَّ الْغُرَابِ أَضَجَّهُ … حِذَارًا عَلَى بَاقِي السَّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.