وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدِّدُ أَيَّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،…
وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيَّامِ غَزْوِهِ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ:
أَلَسْتُ خَيْرَ مَعَدٍّ كُلِّهَا نَفَرًا … وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمُّوا وَإِنْ حُصِلُوا
قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ … مَعَ الرَّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا
وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ … مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ
وَيَوْمَ صَبَّحَهُمْ فِي الشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ … ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرِّ النَّارِ مُشْتَعِلُ
وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ … عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا
وَذَا الْعَشِيرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ … مَعَ الرَّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ
وَيَوْمَ وَدَّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا … بِالْخَيْلِ حَتَّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ
وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوَّهُمْ … للَّه وَاَللَّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا
وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمَّ كَانَ لَهُمْ … مَعَ الرَّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنَّفَلُ
وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ … فِيهَا يَعُلُّهُمْ بِالْحَرْبِ إذْ نَهِلُوا
وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرَّقْنَا الْعَدُوَّ بِهِ … كَمَا تُفَرَّقُ دُونَ الْمَشْرَبِ الرَّسَلُ
وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ … عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا
وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيَّتِهِ … مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا
وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ … يَمْشُونَ كُلُّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ
بِالْبِيضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً … تَعْوَجُّ فِي الضَّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ
وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ مُحْتَسِبًا … إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ
وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ … حَتَّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ
أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النَّبِيِّ وَهُمْ … قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حَيْنَ أَتَّصِلُ
مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ … وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذْ قُتِلُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
كُنَّا مُلُوكَ النَّاسِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ … فَلَمَّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ
وَأَكْرَمَنَا اللَّهُ الَّذِي لَيْسَ غَيره … إِلَيْهِ بِأَيَّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ
بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرَّسُولِ وَدِينِهِ … وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ
أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمٍ بِأَسْرِهِمْ … فَمَا عُدَّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ
يَرُبُّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفِ مَنْ مَضَى … وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قُفْلُ
إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيِّهِمْ … وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ
وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبَّهُوا … فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ
وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءَ بَيْتُهُ … لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ
وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلِّ حَمَالَةٍ … تَحَمَّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ
وَقَائِلهُمْ بِالْحَقِّ إنْ قَالَ قَائِلٌ … وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ
وَمِنَّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ … وَمَنْ غَسَّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرُّسْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ: «وَأَلْبَسْنَاهُ اسْمًا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي … كِرَامٌ إذَا الضَّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ
عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ … يَكُبُّونَ فِيهَا الْمُسِنَّ السَّنِمْ
يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى … وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيِّهِمْ … يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ
مُلُوكًا عَلَى النَّاسِ، لَمْ يُمْلَكُوا … مِنْ الدَّهْرِ يَوْمًا كَحِلِّ الْقَسَمْ
فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا … ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيَّدُوا فِي النَّخِيلِ … حُصُونًا وَدُجِّنَ فِيهَا النَّعَمْ
نواضح قد علّمتها اليهو … دُ (عَلْ) إلَيْكَ وَقَوْلًا هَلُمْ
وَفَمًا اشْتَهَوْا من عصير القطاف … وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِ هَمْ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا … عَلَى كُلِّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ
جَنَبْنَا بهنّ جِيَاد الْخُيُول … قَدْ جَلَّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ
فَلَمَّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ … وَشَدُّوا السُّرُوجَ بَلِيِّ الْحُزُمْ
فَمَا رَاعَهُمْ غير معج الْخُيُول … وَالزَّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ
فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا … وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الْأُجُمْ
عَلَى كُلِّ سلهبة فِي الصّيان … لَا يَشْتَكِينَ نَحُولَ السَّأَمْ
وَكُلِّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ … أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزُّلَمْ
عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوِّدُوا … قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ
مُلُوكٌ إذَا غشموا فِي الْبِلَاد … لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ
فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنِّسَاءِ … وَأَوْلَادُهُمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ
وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ … وَكُنَّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نَرِمْ
فَلَمَّا أَتَانَا الرَّسُولُ الرَّشِيدُ … بِالْحَقِّ وَالنُّورِ بَعْدَ الظُّلْمْ
قُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الْمَلِيكِ … هَلُمَّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ
فَنَشْهَدَ أَنَّكَ عَبْدُ الْإِلَهِ … أُرْسِلَتْ نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ
فَأَنَا وَأَوْلَادُنَا جُنَّةٌ … نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ
فَنَحْنُ أُولَئِكَ إنْ كَذَّبُوكَ … فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ
وَنَادِ بِمَا كُنْتَ أَخْفَيْتَهُ … نِدَاءً جَهَارًا وَلَا تَكْتَتِمْ
فَسَارَ الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ … إلَيْهِ يَظُنُّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ
فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا … نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ
بِكُلِّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ … رَقِيقِ الذَّبَّابِ عَضُوضٍ خَذِمْ
إذَا مَا يُصَادف صمّ الْعِظَام … لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْشَلِمْ
فَذَلِكَ مَا ورّثتنا القروم … مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزًّا أَشَمْ
إذَا مَرَّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ … وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ
فَمَا إنْ مِنْ النَّاسِ إلَّا لَنَا … عَلَيْهِ وَإِنْ خَاسَ فَضْلُ النَّعَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ بَيْتَهُ:
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيِّهِمْ … يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرِ غشم
وأنشدنى:
بيترب قَدْ شَيَّدُوا فِي النَّخِيلِ … حُصُونًا وَدُجِّنَ فِيهَا النَّعَمْ
وَبَيْتُهُ: «وَكُلُّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ» : عَنْهُ .