قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ- وَكَانَ يُحِبُّ قُرَيْشًا،…
وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ يُقِيمُ عِنْدَهُمْ السِّنِينَ بِامْرَأَتِهِ- قَصِيدَةً يُعَظِّمُ فِيهَا الْحُرْمَةَ، وَيَنْهَى قُرَيْشًا فِيهَا عَنْ الْحَرْبِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفِّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُمْ وَأَحْلَامَهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُذَكِّرُهُمْ بَلَاءَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، وَدَفْعَهُ عَنْهُمْ الْفِيلَ وَكَيْدَهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ:
يَا رَاكِبًا إمَّا عَرَضَتْ فَبَلِّغْنَ … مُغَلْغِلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبِ
رَسُولُ امْرِئٍ قَدْ رَاعَهُ ذَاتُ بَيْنِكُمْ … عَلَى النَّأْيِ مَحْزُونٍ بِذَلِكَ نَاصِبِ
وَقَدْ كَانَ عِنْدِي لِلْهُمُومِ مَعَرَّسٌ … فَلَمْ أَقْضِ مِنْهَا حَاجَتِي وَمَآرِبِي
نُبَيِّتُكُمْ شَرْجَيْنِ كُلَّ قَبِيلَةٍ … لَهَا أَزْمَلٌ مِنْ بَيْنِ مُذْكٍ وَحَاطِبِ أُعِيذُكُمْ باللَّه مِنْ شَرِّ صُنْعِكُمْ … وَشَرِّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسِّ الْعَقَارِبِ
وَإِظْهَارِ أَخْلَاقٍ وَنَجْوَى سَقِيمَةٍ … كَوَخْزِ الْأَشَافِي وَقْعُهَا حَقُّ صَائِبِ
فَذَكِّرْهُمْ باللَّه أَوَّلَ وَهْلَةٍ … وَإِحْلَالِ أَحْرَامِ الظِّبَاءِ الشَّوَازِبِ
وَقُلْ لَهُمْ وَاَللَّهُ يَحْكُمُ حُكْمَهُ … ذَرُوا الْحَرْبَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ فِي الْمَرَاحِبِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً … هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنَ أَوْ لِلْأَقَارِبِ
تُقَطِّعُ أَرْحَامًا وَتُهْلِكُ أُمَّةً … وَتَبْرِي السَّدِيفَ مِنْ سَنَامٍ وَغَارِبِ
وَتَسْتَبْدِلُوا بِالْأَتْحَمِيَّةِ بَعْدَهَا … شَلِيلًا وَأَصْدَاءً ثِيَابَ الْمُحَارِبِ
وَبِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ غُبْرًا سَوَابِغًا … كَأَنَّ قَتِيرَيْهَا عُيُونُ الْجَنَادِبِ
فَإِيَّاكُمْ وَالْحَرْبَ لَا تَعْلَقَنَّكُمْ … وَحَوْضًا وَخِيمَ الْمَاءِ مُرَّ الْمَشَارِبِ
تَزَيَّنُ لِلْأَقْوَامِ ثُمَّ يَرَوْنَهَا … بِعَاقِبَةٍ إذْ بَيَّنَتْ، أُمَّ صَاحِبِ
تُحَرِّقُ لَا تُشْوِي ضَعِيفًا وَتَنْتَحِي … ذَوِي الْعِزِّ مِنْكُمْ بِالْحُتُوفِ الصَّوَائِبِ
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ … فَتَعْتَبِرُوا أَوْ كَانَ فِي حَرْبِ حَاطِبِ
وَكَمْ قَدْ أَصَابَتْ مِنْ شَرِيفٍ مُسَوَّدٍ … طَوِيلِ الْعِمَادِ ضَيْفُهُ غَيْرُ خَائِبِ عَظِيمِ رَمَادِ النَّارِ يُحْمَدُ أَمْرُهُ … وَذِي شِيمَةٍ مَحْضٍ كَرِيمٍ الْمَضَارِبِ
وَمَاءِ هُرِيقَ فِي الضَّلَالِ كَأَنَّمَا … أَذَاعَتْ بِهِ رِيحُ الصَّبَا وَالْجَنَائِبِ
يُخَبِّرُكُمْ عَنْهَا امْرُؤٌ حَقُّ عَالِمٌ … بِأَيَّامِهَا وَالْعِلْمُ عِلْمُ التَّجَارِبِ
فَبِيعُوا الْحِرَابَ مِلْمُحَارِبِ وَاذْكُرُوا … حِسَابَكُمْ وَاَللَّهُ خَيْرُ مُحَاسِبِ
وَلِيُّ امْرِئٍ فَاخْتَارَ دِينًا فَلَا يَكُنْ … عَلَيْكُمْ رَقِيبًا غَيْرَ رَبِّ الثَّوَاقِبِ
أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا فَأَنْتُمْ … لَنَا غَايَةٌ قَدْ يُهْتَدَى بِالذَّوَائِبِ
وَأَنْتُمْ لِهَذَا النَّاسِ نُورٌ وَعِصْمَةٌ … تُؤَمُّونَ، وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِ
وَأَنْتُمْ، إذَا مَا حُصِّلَ النَّاسُ، جَوْهَرٌ … لَكُمْ سُرَّةُ الْبَطْحَاءِ شُمُّ الْأَرَانِبِ
تَصُونُونَ أَجْسَادًا كِرَامًا عَتِيقَةً … مُهَذَّبَةَ الْأَنْسَابِ غَيْرَ أَشَائِبِ
تَرَى طَالِبَ الْحَاجَاتِ نَحْوَ بُيُوتِكُمْ … عَصَائِبَ هَلْكَى تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ
لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ أَنَّ سَرَاتَكُمْ … عَلَى كُلِّ حَالٍ خَيْرُ أَهْلِ الْجَبَاجِبِ وَأَفْضَلُهُ رَأْيًا وَأَعْلَاهُ سُنَّةً … وَأَقْوَلُهُ لِلْحَقِّ وَسْطَ الْمَوَاكِبِ
فَقُومُوا فَصَلُّوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا … بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ وَمَصْدَقٌ … غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِ
كَتِيبَتُهُ بِالسَّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ … عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ … جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ
فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ … إلَى أَهْلِهِ مِلْحُبْشِ غَيْرُ عَصَائِبِ
فَإِنْ تَهْلِكُوا نَهْلِكْ وَتَهْلِكْ مَوَاسِمٌ … يُعَاشُ بِهَا، قَوْلُ امْرِئٍ غَيْرِ كَاذِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وَمَاءٌ هُرِيقَ» ، وَبَيْتَهُ: «فَبِيعُوا الْحِرَابَ» ، وَقَوْلَهُ: «وَلِيُّ امْرِئِ فَاخْتَارَ» ، وَقَوْلَهُ:
عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ.