قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
يَا خَاتَمُ النُّبَآءِ إنَّكَ مُرْسَلٌ … بِالْحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
إنَّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْكَ مَحَبَّةً … فِي خَلْقِهِ وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا
ثُمَّ الَّذِينَ وَفَوْا بِمَا عَاهَدْتَهُمْ … جُنْدٌ بَعَثْتَ عَلَيْهِمْ الضَّحَّاكَا
رَجُلًا بِهِ ذَرَبُ السِّلَاحِ كَأَنَّهُ … لَمَّا تَكَنَّفَهُ الْعَدُوُّ يَرَاكَا
يَغْشَى ذَوِي النَّسَبِ الْقَرِيبِ وَإِنَّمَا … يَبْغِي رِضَا الرَّحْمَنِ ثُمَّ رِضَاكَا
أُنْبِيكَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَكَرَّهُ … تَحْتَ الْعَجَاجَةِ يَدْمَغُ الْإِشْرَاكَا
طَوْرًا يُعَانِقُ بِالْيَدَيْنِ وَتَارَةً … يفرى الجماجم صَار مَا بَتَّاكَا
يَغْشَى بِهِ هَامَ الْكُمَاةِ وَلَوْ تَرَى … مِنْهُ الَّذِي عَايَنْتُ كَانَ شِفَاكَا
وَبَنُو سُلَيْمٍ مُعْنِقُونَ أَمَامَهُ … ضَرْبًا وَطَعْنًا فِي الْعَدُوِّ دِرَاكًا
يَمْشُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ وَكَأَنَّهُمْ … أُسْدُ الْعَرِينِ أَرَدْنَ ثَمَّ عِرَاكَا
مَا يَرْتَجُونَ مِنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً … إلَّا لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ وَهَوَاكَا
هَذِي مَشَاهِدُنَا الَّتِي كَانَتْ لَنَا … مَعْرُوفَةً وَوَلِيُّنَا مَوْلَاكَا
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
إمَّا تَرَيْ يَا أُمَّ فَرْوَةَ خَيْلَنَا … مِنْهَا مُعَطَّلَةٌ تُقَادُ وظُلَّعُ
أَوْهَى مُقَارَعَةُ الْأَعَادِي دَمَّهَا … فِيهَا نَوَافِذُ مِنْ جِرَاحٍ تَنْبَعُ
فَلَرُبَّ قَائِلَةٍ كَفَاهَا وَقْعُنَا … أزم الحروب فسر بهَا لَا يُفْزَعُ
لَا وَفْدَ كَالْوَفْدِ الْأُلَى عَقَدُوا لَنَا … سَبَبًا بِحَبْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ
وَفْدٌ أَبُو قَطَنٍ حُزَابَةُ مِنْهُمْ … وَأَبُو الْغُيُوثِ وَوَاسِعٌ وَالْمقنع
والقائد الْمِائَة الَّتِي وَفَّى بِهَا … تِسْعَ الْمِئِينَ فَتَمَّ أَلْفٌ أَقْرَعُ
جَمَعَتْ بَنُو عَوْفٍ وَرَهْطُ مُخَاشِنٍ … سِتًّا وَأَحْلُبُ مِنْ خُفَافٍ أَرْبَعُ
فَهُنَاكَ إذْ نُصِرَ النَّبِيُّ بِأَلْفِنَا … عَقَدَ النَّبِيُّ لَنَا لِوَاءً يَلْمَعُ
فُزْنَا بِرَايَتِهِ وَأَوْرَثَ عَقْدُهُ … مَجْدَ الْحَيَاةِ وسُودَدًا لَا يُنْزَعُ
وَغَدَاةَ نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ جَنَاحُهُ … بِبِطَاحِ مَكَّةَ وَالْقَنَا يَتَهَزَّعُ
كَانَتْ إجَابَتُنَا لِدَاعِي رَبِّنَا … بِالْحَقِّ مِنَّا حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ
فِي كُلِّ سَابِغَةٍ تَخَيَّرَ سَرْدَهَا … دَاوُدُ إذْ نَسَجَ الْحَدِيدَ وَتُبَّعُ
وَلَنَا عَلَى بِئْرَيْ حُنَيْنٍ مَوْكِبٌ … دَمَغَ النِّفَاقَ وَهَضْبَةٌ مَا تُقْلَعُ
نُصِرَ النَّبِيُّ بِنَا وَكُنَّا مَعْشَرًا … فِي كُلِّ نَائِبَةٍ نَضُرُّ وَنَنْفَعُ
ذُدْنَا غَدَاتَئِذٍ هَوَازِنَ بِالْقَنَا … وَالْخَيْلُ يَغْمُرُهَا عَجَاجٌ يَسْطَعُ
إذْ خَافَ حَدَّهُمْ النَّبِيُّ وَأَسْنَدُوا … جَمْعًا تَكَادُ الشَّمْسُ مِنْهُ تَخْشَعُ
تُدْعَى بَنُو جُشَمٍ وَتُدْعَى وَسْطَهُ … أَفْنَاءُ نَصْرٍ وَالْأَسِنَّةُ شُرَّعُ
حَتَّى إذَا قَالَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ … أَبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ وَفَيْتُمْ فَارْفَعُوا
رُحْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَجْحَفَ بَأْسُهُمْ … بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَحْرَزُوا ماَ جَمَّعُوا
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
عَفَا مِجْدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمُتَالِعُ … فَمِطْلَا أَرِيكٍ قَدْ خَلَا فَالْمَصَانِعُ
دِيَارٌ لَنَا يَا جُمْلُ إذْ جُلُّ عَيْشِنَا … رَخِيٌّ وَصَرْفُ الدَّارِ لِلْحَيِّ جَامِعُ
حُبَيِّبَةٌ أَلْوَتْ بِهَا غُرْبَةُ النَّوَى … لِبَيْنِ فَهَلْ مَاضٍ مِنْ الْعَيْشِ رَاجِعُ
فَإِنْ تَبْتَغِي الْكُفَّارَ غَيْرَ مَلُومَةٍ … فَإِنِّي وَزِيرٌ لِلنَّبِيِّ وَتَابِعُ
دَعَانَا إلَيْهِمْ خَيْرُ وَفْدٍ عَلِمْتُهُمْ … خُزَيْمَةُ وَالْمَرَّارُ مِنْهُمْ وَوَاسِعُ
فَجِئْنَا بِأَلْفِ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَيْهِمْ … لَبُوسٌ لَهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ رَائِعُ
نُبَايِعُهُ بِالْأَخْشَبَيْنِ وَإِنَّمَا … يَدَ اللَّهِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ نُبَايِعُ
فَجُسْنَا مَعَ الْمَهْدِيِّ مَكَّةَ عَنْوَةً … بِأَسْيَافِنَا وَالنَّقْعُ كَابٍ وَسَاطِعُ
عَدَنِيَّةً وَالْخَيْلُ يَغْشَى مُتُونَهَا … حَمِيمٌ وَآنٍ مِنْ دَمِ الْجَوْفِ نَاقِعُ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَتْ هَوَازِنُ … إلَيْنَا وَضَاقَتْ بِالنُّفُوسِ الْأَضَالِعُ
صَبَرْنَا مَعَ الضَّحَّاكِ لَا يَسْتَفِزُّنَا … قِرَاعُ الْأَعَادِي مِنْهُمْ وَالْوَقَائِعُ
أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ يَخْفِقُ فَوْقَنَا … لِوَاءٌ كَخُذْرُوفِ السَّحَابَةِ لَامِعُ
عَشِيَّةَ ضَحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ مُعْتَصٍ … بِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمَوْتُ كَانِعُ
نَذُودُ أَخَانَا عَنْ أَخِينَا وَلَوْ نَرَى … مَصَالًا لَكُنَّا الْأَقْرَبِينَ نُتَابِعُ
وَلَكِنَّ دِينَ اللَّهِ دِينُ مُحَمَّدٍ … رَضِينَا بِهِ فِيهِ الْهُدَى وَالشَّرَائِعُ
أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ أَمْرَنَا … وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ دَافِعُ
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
تَقَطَّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمِّ مُؤَمَّلٍ … بِعَاقِبَةِ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيَّةً خُلْفَا
وَقَدْ حَلَفَتْ باللَّه لَا تَقْطَعُ الْقُوَى … فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلَا بَرَّتْ الْحَلْفَا
خُفَافِيَّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا … وَتَحْتَلُّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا
فَإِنْ تَتْبَعْ الْكُفَّارَ أُمُّ مُؤَمَّلٍ … فَقَدْ زَوَّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا
وَسَوْفَ يُنَبِّيهَا الْخَبِيرُ بِأَنَّنَا … أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبِّنَا حِلْفَا
وَأَنَّا مَعَ الْهَادِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ … وَفَيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا
بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَعِزَّةٍ … أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا
خُفَافٌ وذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ … مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طَرُوقَتِهَا كُلْفَا
كَأَنَّ النَّسِيجَ الشُهْبَ وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ … أُسُودًا تَلَاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا
بِنَا عَزَّ دِينُ اللَّهِ غَيْرَ تَنَحُّلٍ … وَزِدْنَا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي مَعَهُ ضِعْفَا
بِمَكَّةَ إذْ جِئْنَا كَأَنَّ لِوَاءَنَا … عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا
عَلَى شُخَّصِ الْأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا … إذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا
غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ … لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ عَدْلًا وَلَا صَرْفَا
بِمُعْتَرَكٍ لَا يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ … لَنَا زَجْمَةٌ إلَّا التَّذَامُرَ وَالنَّقْفَا
بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرِّهَا … وَنَقْطِفُ أَعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا
فَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبٍ … وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا
رِضَا اللَّهِ نَنْوِي لَا رِضَا النَّاسِ نَبْتَغِي … وللَّه مَا يَبْدُو جَمِيعًا وَمَا يَخْفَى
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
مَا بَالُ عَيْنِكَ فِيهَا عَائِرٌ سَهِرٌ … مِثْلُ الْحَمَاطَةِ أَغْضَى فَوْقَهَا الشُّفُرُ
عَيْنٌ تَأَوَّبَهَا مِنْ شَجْوِهَا أَرَقٌ … فَالْمَاءُ يَغْمُرُهَا طَوْرًا وَيَنْحَدِرُ
كَأَنَّهُ نَظْمُ دُرٍّ عِنْدَ نَاظِمَةٍ … تَقَطَّعُ السِّلْكُ مِنْهُ فَهُوَ منتثر
يَا بُعْدَ مَنْزِلِ مَنْ تَرْجُو مَوَدَّتَهُ … وَمَنْ أَتَى دُونَهُ الصَّمَّانُ فَالْحَفَرُ
دَعْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَهْدِ الشَّبَابِ فَقَدْ … وَلَّى الشَّبَابُ وَزَارَ الشَّيْبُ وَالزَّعَرُ
وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيْمٍ فِي مَوَاطِنِهَا … وَفِي سُلَيْمٍ لِأَهْلِ الْفَخْرِ مُفْتَخَرُ
قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرَّحْمَنَ وَاتَّبَعُوا … دِينَ الرَّسُولِ وَأَمْرُ النَّاسِ مُشْتَجِرُ
لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النَّخْلِ وَسْطَهُمْ … وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمْ الْبَقَرُ
إلَّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مَقْرَبَةً … فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْعَكَرُ
تُدْعَى خُفَافٌ وَعَوْفٌ فِي جَوَانِبِهَا … وَحَيُّ ذَكْوَانَ لَا مِيلٌ وَلَا ضُجُرُ
الضَّارِبُونَ جُنُودَ الشِّرْكِ ضَاحِيَةً … بِبَطْنِ مَكَّةَ وَالْأَرْوَاحُ تَبْتَدِرُ
حَتَّى دَفَعْنَا وَقَتْلَاهُمْ كَأَنَّهُمْ … نَخْلٌ بِظَاهِرَةِ الْبَطْحَاءِ مُنْقَعِرُ
وَنَحْنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مَشْهَدُنَا … لِلدِّينِ عِزًّا وَعِنْدَ اللَّهِ مُدَّخَرُ
إذْ نَرْكَبُ الْمَوْتَ مُخْضَرًّا بَطَائِنُهُ … وَالْخَيْلُ يَنْجَابُ عَنْهَا سَاطِعٌ كَدِرُ
تَحْتَ اللِّوَاءِ مَعَ الضَّحَّاكِ يَقْدُمُنَا … كَمَا مَشَى اللَّيْثُ فِي غَابَاتِهِ الْخَدِرُ
فِي مَأْزِقٍ مِنْ مَجَرِّ الْحَرْبِ كَلْكَلُهَا … تَكَادُ تَأْفِلُ مِنْهُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَقَدْ صَبَرْنَا بِأَوْطَاسٍ أَسِنَّتَنَا … للَّه نَنْصُرُ مَنْ شِئْنَا وَنَنْتَصِرُ
حَتَّى تَأَوَّبَ أَقْوَامٌ مَنَازِلَهُمْ … لَوْلَا الْمَلِيكُ وَلَوْلَا نَحْنُ مَا صَدَرُوا
فَمَا تَرَى مَعْشَرًا قَلُّوا وَلَا كَثُرُوا … إلَّا قَدَ اصْبَحَ مِنَّا فِيهِمْ أَثَرُ
وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مرداس أَيْضا:
يَا أيّها الرَّجُلُ الَّذِي تَهْوِي بِهِ … وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسُ
إمَّا أَتَيْتَ عَلَى النَّبِيِّ فَقُلْ لَهُ … حَقًّا عَلْيَكَ إذَا اطْمَأَنَّ الْمَجْلِسُ
يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطِيَّ وَمَنْ مَشَى … فَوْقَ التُّرَابِ إذَا تُعَدُّ الْأَنْفُسُ
إنَّا وَفَيْنَا بِاَلَّذِي عَاهَدْتَنَا … وَالْخَيْلُ تُقْدَعُ بِالْكُمَاةِ وَتُضْرَسُ
إذَا سَالَ مِنْ أَفْنَاءِ بُهْثَةَ كُلِّهَا … جَمْعٌ تَظَلُّ بِهِ الْمَخَارِمُ تَرْجُسُ
حَتَّى صَبَحْنَا أَهْلَ مَكَّةَ فَيْلَقًا … شَهْبَاءَ يَقْدُمُهَا الْهُمَامُ الْأَشْوَسُ
مِنْ كُلِّ أَغْلَبَ مِنْ سُلَيْمٍ فَوْقَهُ … بَيْضَاءُ مُحْكَمَةُ الدِّخَالِ وَقَوْنَسُ
يُرْوِي الْقَنَاةَ إذَا تَجَاسَرَ فِي الْوَغَى … وَتَخَالُهُ أَسَدًا إذَا مَا يَعْبِسُ
يَغْشَى الْكَتِيبَةَ مُعْلِمًا وَبِكَفِّهِ … عَضْبٌ يَقُدُّ بِهِ وَلَدْنٌ مِدْعَسُ
وَعَلَى حُنَيْنٍ قَدْ وَفَى مِنْ جَمْعِنَا … أَلْفٌ أُمِدَّ بِهِ الرَّسُولُ عَرَنْدَسُ
كَانُوا أَمَامَ الْمُؤْمِنِينَ دَرِيئَةً … وَالشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ أَشْمُسُ
نَمْضِي وَيَحْرُسُنَا الْإِلَهُ بِحِفْظِهِ … وَاَللَّهُ لَيْسَ بِضَائِعِ مَنْ يَحْرُسُ
وَلَقَدْ حُبِسْنَا بِالْمَنَاقِبِ مَحْبِسًا … رَضِىَ الْإِلَهُ بِهِ فَنِعْمَ الْمَحْبِسُ
وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ شَدَدْنَا شَدَّةً … كَفَتْ الْعَدُوَّ وَقِيلَ مِنْهَا: يَا احْبِسُوا
تَدْعُو هَوَازِنُ بِالْإِخَاوَةِ بَيْنَنَا … ثَدْيٌ تَمُدُّ بِهِ هَوَازِنُ أَيْبَسُ
حَتَّى تَرَكْنَا جَمْعَهُمْ وَكَأَنَّهُ … عَيْرٌ تَعَاقَبَهُ السِّبَاعُ مُفَرَّسُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ قَوْلَهُ: «وَقِيلَ مِنْهَا يَا احْبِسُوا» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ غَضَبٍ لَهُ … بِأَلْفِ كَمِيٍّ لَا تُعَدُّ حَوَاسِرُهْ
حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرُّمْحِ رَايَةً … يَذُودُ بِهَا فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ نَاصِرُهْ
وَنَحْنُ خَضَبْنَاهَا دَمًا فَهْوَ لَوْنُهَا … غَدَاةَ حُنَيْنٍ يَوْمَ صَفْوَانُ شَاجِرُهْ
وَكُنَّا عَلَى الْإِسْلَامِ مَيْمَنَةً لَهُ … وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللِّوَاءِ وَشَاهِرُهْ
وَكُنَّا لَهُ دُونَ الْجُنُودِ بِطَانَةً … يُشَاوِرُنَا فِي أَمْرِهِ وَنُشَاوِرُهْ
دَعَانَا فَسَمَّانَا الشِّعَارَ مُقَدَّمًا … وَكُنَّا لَهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يُنَاكِرُهْ
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ نَبِيٍّ مُحَمَّدًا … وَأَيَّدَهُ بِالنَّصْرِ وَاَللَّهُ نَاصِرُهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ: «وَكُنَّا عَلَى الْإِسْلَامِ» إِلَى آخرهَا، بَعْص أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَيْتَ الَّذِي أَوَّلُهُ: « حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرُّمْحِ رَايَةً» .
وَأَنْشَدَنِي بَعْدَ قَوْلِهِ: « وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللِّوَاءِ وَشَاهِرُهْ»، « وَنَحْنُ خَضَبْنَاهُ دَمًا فَهُوَ لَوْنُهُ» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
مَنْ مُبْلِغُ الْأَقْوَامِ أَنَّ مُحَمَّدًا … رَسُولَ الْإِلَهِ رَاشِدٌ حَيْثُ يَمَّمَا
دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَنْصَرَ اللَّهَ وَحْدَهُ … فَأَصْبَحَ قَدْ وَفَّى إلَيْهِ وَأَنْعَمَا
سَرَيْنَا وَوَاعَدْنَا قُدَيْدًا مُحَمَّدًا … يَؤُمُّ بِنَا أَمْرًا مِنْ اللَّهِ مُحْكَمَا
تَمَارَوْا بِنَا فِي الْفَجْرِ حَتَّى تَبَيَّنُوا … مَعَ الْفَجْرِ فِتْيَانًا وَغَابًا مُقَوَّمًا
عَلَى الْخَيْلِ مَشْدُودًا عَلَيْنَا دُرُوعُنَا … وَرَجْلًا كَدُفَّاعِ الْأَتِيِّ عَرَمْرَمَا
فَإِنَّ سَرَاةَ الْحَيِّ إنْ كُنْتَ سَائِلًا … سُلَيْمٌ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَسَلَّمَا
وَجُنْدٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَخْذُلُونَهُ … أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلَّمَا
فَإِنْ تَكُ قَدْ أَمَّرْتَ فِي الْقَوْمِ خَالِدًا … وَقَدَّمْتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَا
بِجُنْدٍ هَدَاهُ اللَّهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ … تُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقِّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا
حَلَفْتُ يَمِينًا بَرَّةً لِمُحَمَّدٍ … فَأَكْمَلْتُهَا أَلْفًا مِنْ الْخَيْلِ مُلْجَمَا
وَقَالَ نَبِيُّ الْمُؤْمِنِينَ تَقَدَّمُوا … وَحُبَّ إلَيْنَا أَنْ نَكُونَ الْمُقَدَّمَا
وَبِتْنَا بِنَهْيِ الْمُسْتَدِيرِ وَلَمْ يَكُنْ … بِنَا الْخَوْفُ إلَّا رَغْبَةً وتحزّما
أَطَعْنَاكَ حَتَّى أَسْلَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ … وَحَتَّى صَبَحْنَا الْجَمْعَ أَهْلَ يَلَمْلَمَا
يَضِلُّ الْحِصَانُ الْأَبْلَقُ الْوَرْدُ وَسْطَهُ … وَلَا يَطْمَئِنُّ الشَّيْخُ حَتَّى يُسَوَّمَا
سَمَوْنَا لَهُمْ وِرْدَ الْقَطَا زَفَّهُ ضُحَى … وَكُلٌّ تَرَاهُ عَنْ أَخِيهِ قَدَ احْجَمَا
لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى تَرَكْنَا عَشِيَّةً … حُنَيْنًا وَقَدْ سَالَتْ دَوَافِعُهُ دَمَا
إذَا شِئْتَ مِنْ كُلٍّ رَأَيْتَ طِمِرَّةً … وَفَارِسَهَا يَهْوِى وَرُمْحًا مُحَطَّمَا
وَقَدْ أَحْرَزَتْ مِنَّا هَوَازِنُ سَرْبَهَا … وَحُبَّ إلَيْهَا أَنْ نَخِيبَ وَنُحْرَمَا