سريه خالد بن الوليد الى بنى الحارث بن كعب واسلامهم، قَالَ أبو جعفر: فبعث فيها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فِي شهر …
ربيع الآخر- وقيل فِي شهر ربيع الأول، وقيل فِي جمادى الاولى- سريه في أربعمائة إلى بني الحارث بْن كعب.
فَحَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد ابن الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ- أَوْ فِي جُمَادَى الأُولَى- مِنْ سَنَةَ عَشْرٍ، إِلَى بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلاثًا، «فَإِنِ اسْتَجَابُوا لَكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَقِمْ فِيهِمْ، وَعَلِّمْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَمَعَالِمَ الإِسْلامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلْهُمْ».
فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرُّكْبَانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ، وَيَقُولُونَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَأَسْلَمَ النَّاسُ، وَدَخَلُوا فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَقَامَ خَالِدٌ فِيهِمْ، يُعَلِّمُهُمُ الإِسْلامَ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ.
ثُمَّ كَتَبَ خَالِدٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
لِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، السَّلامُ عَلْيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هو، اما بعد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بَعَثْتَنِي إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَرْتَنِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ أَلا أُقَاتِلَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا قَبِلْتُ مِنْهُمْ وَعَلَّمْتُهُمْ مَعَالِمَ الإِسْلامِ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتُهُمْ وَإِنِّي قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثت فيهم ركبانا قالوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَآمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَأَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، وَأُعَلِّمُهُمْ مَعَالِمَ الإِسْلامِ وسنه النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَكْتُبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَكَتَبَ اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رسول الله إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَلامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كِتَابَكَ جَاءَنِي مَعَ رُسُلِكَ بِخَبَرٍ أَنَّ بَنِي الْحَارِثِ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلُوا، وَأَجَابُوا إِلَى مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الإِسْلامِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمُ اللَّهُ بِهُدَاهُ، فَبَشِّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ، وَأَقْبِلْ وَلَيُقْبِلْ مَعَكَ وَفْدُهُمْ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
فَأَقْبَلَ خَالِدُ بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ قِنَانَ ذِي الْغُصَّةِ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجَّلِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرَيْظٍ الزِّيَادِيُّ، وَشَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَنَانِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضِّبَابِيُّ.
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَآهُمْ قَالَ: «مَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَأَنَّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ؟» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلاءِ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فَلَمَّا وَقَفُوا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمُ الَّذِينَ إِذَا زُجِرُوا اسْتَقْدَمُوا!» فَسَكَتُوا، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نحن الذين إذا زجرنا اسْتَقْدَمْنَا، فَقَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمْ يَكْتُبْ الى فيكم أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا لأَلْقَيْتُ رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ» فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَمِدْنَاكَ وَلا حَمِدْنَا خَالِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «فَمَنْ حَمِدْتُمْ؟» قالوا: حمدنا الله الذى هدانا بك يا رسول الله، قال: «صدقتم»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «بَلَى قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا، أَنَّا كُنَّا بَنِي عُبَيْدٍ، وَكُنَّا نَجْتَمِعُ وَلا نَتْفَرِقُ، وَلا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ، قَالَ: «صدقتم» ثُمَّ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَرَجَعَ وَفْدُ بلحارث ابن كَعْبٍ إِلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيَّةِ شَوَّالَ أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا إِلَى قَوْمِهِمْ إِلا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بَعْدَ أَنْ وَلَّى وَفْدَهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي النَّجَّارِ، لِيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمَهُمُ السُّنَّةَ وَمَعَالِمَ الإِسْلامِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا بيان من الله ورسوله: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ} [المائدة: 1] عَقْدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ…» أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ في امره كله، فَـ {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128]، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ، وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَيَنْهَى النَّاسَ وَلا يَمَسَّ أَحَدٌ الْقُرْآنَ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُخْبِرَ النَّاسَ بِالَّذِي لَهُمْ، وَبِالَّذِي عَلَيْهِمْ، وَيَلِينَ لِلنَّاسِ فِي الْحَقِّ، وَيَشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فِي الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ الظُّلْمَ وَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ: {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وَيُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ بِالنَّارِ وَبِعَمَلِهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النَّاسَ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَعَالِمَ الْحَجِّ وَسُنَّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْحَجِّ الأَكْبَرِ وَالْحَجِّ الأَصْغَرِ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ، إِلا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا وَاحِدًا يُثْنِي طَرفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَنْهَى أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْهَى أَلا يَعْقِصُ أَحَدٌ شَعْرَ رَأْسِهِ إِذَا عَفَا فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى إِذَا كَانَ بَيْنَ النَّاسِ هَيْجٌ عَنِ الدُّعَاءِ إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى اللَّهِ وَدَعَا إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَعُوا بِالسَّيْفِ حَتَّى يَكُونَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرَ النَّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إِلَى الكعبين، ويمسحون برؤسهم كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَهُ بِالصَّلاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِتْمَامَ الرُّكُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَيُغَلِّسَ بِالْفَجْرِ، وَيُهْجِرَ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، وَصَلاةُ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ فِي الأَرْضِ مُدْبِرَةٌ، وَالْمَغْرِبُ حِينَ يُقْبِلُ اللَّيْلُ، لا تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْدُوَ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ، وَالْعِشَاءِ أَوَّلُ اللَّيْلِ وَيَأْمُرَ بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِذَا نُودِيَ لَهَا، وَالْغُسْلُ عِنْدَ الرَّوَاحِ إِلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ عُشْرُ مَا سُقِيَ الْبَعْلُ وَمَا سَقَتِ السماء ومما سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنَ الإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين مِنَ الْغَنَمِ سَائِمَةُ شَاةٍ، فَإِنَّهَا فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِسْلامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ، وَدَانَ دِينَ الإِسْلامِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مِثْلُ مَا لهم وعليه مثل ما عليهم، ومن كان عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ أَوْ يَهُودِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لا يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عَرَضُهُ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا.
قال الواقدى: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بْن حزم عامله بنجران.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وفي هذه السنة قدم وفد سلامان فِي شوال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم سبعة نفر، رأسهم حبيب السلاماني.
وفيها قدم وفد غسان فِي رمضان وفيها قدم وفد غامد في رمضان.
قدوم وفد الأزد
وفيها قدم وفد الأزد، رأسهم صرد بْن عبد الله فِي بضعة عشر فَحَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد ابن عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيُّ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، فِي وَفْدٍ مِنَ الأَزْدِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ فِي جَيْشٍ حَتَّى نَزَلَ بِجُرَشَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةٌ مُغْلَقَةٌ، وَفِيهَا قَبَائِلُ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ إِلَيْهِمْ خَثْعَمٌ، فَدَخَلُوا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِمَسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَاصَرُوهُمْ بِهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَامْتَنَعُوا مِنْهُمْ فِيهَا ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلا، حَتَّى إِذَا كَانَ إِلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ كُشَرَ ظَنَّ أَهْلُ جُرَشَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتَّى إِذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلا، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جُرَشَ قَدْ بعثوا رجلين منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ، فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ عَشِيَّةً بَعْدَ الْعَصْرِ، إِذْ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِأَيِّ بِلادِ اللَّهِ شُكَرُ؟» فَقَامَ الْجُرَشِيَّانِ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِبِلادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ جَبَلُ كُشَرَ، وَكَذَلِكَ تُسَمِّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكُشَرَ، وَلَكِنَّهُ شُكَرُ» قالا: فماله يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:«إِنَّ بُدْنَ اللَّهِ لَتُنْحَرَ عِنْدَهُ الآنَ» قَالَ فَجَلَسَ الرَّجُلانِ إِلَى ابى بكر والى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ الآنَ لَيَنْعِي لَكُمَا قَوْمَكُمَا، فَقُومَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَاسْأَلاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا، فَقَامَا إِلَيْهِ فَسَأَلاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ»، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ رَاجِعَيْنِ إِلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْيَوْمِ الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ، وَفِي السَّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ، فَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتَّى قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلَى أَعْلامٍ مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ، وَلِلرَّاحِلَةِ، وَلِلْمُثِيرَةِ تُثِيرُ الْحَرْثَ، فَمَنْ رَعَاهَا مِنَ النَّاسِ سِوَى ذَلِكَ فَمَالُهُ سُحْتٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ- وَكَانَتْ خَثْعَمٌ تُصِيبُ مِنَ الأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا يَغْزُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ:
يَا غَزْوَة مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ *** فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتَّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا *** وَجَمْعُ خَثْعَمَ قَدْ سَاغَتْ لَهَا النُّذُرُ
إِذَا وَضَعْتُ غَلِيلا كُنْتُ أَحْمِلُهُ *** فَمَا أُبَالِي أدانوا بعد أم كفروا!
سريه على بن ابى طالب الى اليمن
قال: وفيها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى الْيَمَنِ فِي رَمَضَانَ فَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ هَيَّاجٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَكُنْتُ فِيمَنْ سَارَ مَعَهُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لا يُجِيبُونَهُ إِلَى شَيْءٍ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْفُلَ خَالِدًا وَمَنْ مَعَهُ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ يَعْقُبَ مَعَهُ تَرَكَهُ.
قَالَ الْبَرَاءُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقِبَ مَعَهُ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَوَائِلِ الْيَمَنِ، بَلَغَ الْقَوْمَ الْخَبَرُ، فَجَمَعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِنَا عَلِيٌّ الْفَجْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ صَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ كُلُّهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَتَبَ بذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ خَرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: «السَّلامُ عَلَى هَمْدَانَ، السَّلامُ عَلَى هَمْدَانَ!» ثم تتابع اهل اليمن على الاسلام.
قدوم وفد زبيد
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ زُبَيْدٍ على النبي صلى الله عليه وسلم بِإِسْلامِهِمْ فحدثنا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بْن معد يكرب فِي أناس من بنى زبيد، فاسلم، وكان عمرو بن معديكرب قد قَالَ لقيس بْن مكشوح المرادي حين انتهى اليهم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس، إنك سيد قومك اليوم، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول، إني نبي، فانطلق بنا إليه حَتَّى نعلم علمه، فإن كان نبيا كما يقول، فإنه لا يخفى عليك. إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذَلِكَ علمنا علمه، فأبى عليه ذَلِكَ قيس بْن مكشوح وسفه رأيه، فركب عمرو بْن معد يكرب حَتَّى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقه وآمن به، فلما بلغ ذَلِكَ قيسا أوعد عمرا، وتحفظ عليه، وقال:
خالفني وترك رأيي! فَقَالَ عمرو فِي ذَلِكَ:
أمرتك يوم ذي صنعاء *** أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله *** والمعروف تاتعده
خرجت من المنى مثل الحـ *** ـمار أعاره وتده
تمناني على فرس *** عليه جالسا أسده
علي مفاضة كالنهي *** أخلص ماءه جدده
ترد الرمح مثني *** السنان عوائرا قصده
فلو لاقيتني لاقيت *** ليثا فوقه لبده
تلاقي شنبثا شثن البرا *** ثن ناشزا كتده
يسامي القرن إن قرن *** تيمَّمه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه *** فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه *** فيخضمه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أحر *** زت أنيابه ويده
متى ما يغد أو يغدى *** به فقبوله برده
فيخطر مثل خطر الفـ *** ـحل فوق جرانه زبده
فأمسى يعتريه من البعـ *** ـوض ممنعا بلده
فلا تتمننى وتمن *** غيرى لينا كتده
وبوئنى لَهُ وطنا *** كثيرا حوله عدده
قَالَ: فأقام عمرو بن معديكرب فِي قومه من بني زبيد، وعليهم فروة ابن مسيك المرادى، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو فَقَالَ حين ارتد:
وجدنا ملك فروة شر ملك *** حمارا ساف منخره بقذر
وكنت إذا رأيت أبا عمير *** ترى الحولاء من خبث وغدر
قدوم فروه بن مسيك المرادى
وقد كان قدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي هذه السنة- أعني سنة عشر- قبل قدوم عمرو ابن معديكرب، فروة بْن مسيك المرادي مفارقا لملوك كندة فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بَكْرٍ، قَالَ: قَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، وَمُعَانِدًا لَهُمْ، وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الإِسْلامِ بَيْنَ مُرَادٍ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادٍ مَا أَرَادُوا، حَتَّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ الرَّزْمِ، وَكَانَ الَّذِي قَادَ هَمْدَانَ إِلَى مُرَادٍ الأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ، فَفَضَحَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ:
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلَّابُونَ قِدَمًا *** وَإِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا
وَإِنْ نُقْتَلْ فَلا جُبْنَ وَلَكِنْ *** مَنَايَانَا وَطُعْمَةَ آخَرِينَا
كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ *** تَكِرُّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينَا
فَبَيْنَاهُ يُسَرُّ بِهِ وَيَرْضَى ***ر ولو لبست غضارته سنينا
إذ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرَّاتُ دَهْرٍ *** فَأَلْفَى لِلأُولَى غَبِطُوا طَحِينَا
وَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدَّهْرِ مِنْهُمْ *** يَجِدْ ريب الزمان له خؤونا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إِذًا خَلَدْنَا *** وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذًا بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَاكُمُ سَرَوَاتُ قَوْمِي *** كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الأَوَّلِينَا
وَلَمَّا تَوَجَّهَ فَرْوَةُ بن مسيك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أعرضت *** كالرجل خان الرجل عرق نسائها
يممت رَاحِلَتِي أَؤُمُّ مُحَمَّدًا *** أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا
قال: فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – فِيمَا بَلَغَنِي-: «يَا فروه، هل ساءك ما أصاب قومك يومك يَوْمَ الرَّزْمِ؟» فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلَ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرَّزْمِ، لا يَسُوءُهُ ذلك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَكَ فِي الإِسْلامِ إِلا خَيْرًا» فَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلِّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي بِلادِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكَرِهْتَ يَوْمَكَ وَيَوْمَ هَمْدَانَ؟» فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ! أَفْنَى الأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ، فَقَالَ: «أَمَا انه خير لمن بقي».
قدوم الجارود في وفد عبد القيس
وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ، فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بْن عمرو بْن حنش بْن المعلى، أخو عبد القيس فِي وفد عبد القيس وَكَانَ نصرانيا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَى إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَلَّمَهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، وَدَعَاهُ إِلَيْهِ، وَرَغَّبَهُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى دِينٍ، وَإِنِّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِكَ، فَتَضْمَنُ لي ديني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ أَنَا ضَامِنٌ لَكَ أَنْ قَدْ هَدَاكَ اللَّهُ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ» قَالَ: فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ الله الْحِمْلانَ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلادِنَا ضَوَالَّ مِنْ ضَوَالِّ النَّاسِ، أَفَنَتَبَلَّغُ عَلَيْهَا إِلَى بِلادِنَا؟ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَإِيَّاهَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ حَرْقُ النَّارِ» قَالَ: فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ- وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلامِ صُلْبًا عَلَى دِينِهِ- حَتَّى هَلَكَ، وَقَدْ أَدْرَكَ الرده، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَى دِينِهِمْ الأَوَّلِ مَعَ الْغَرُورِ، الْمُنْذِرِ ابن النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَقَامَ الْجَارُودُ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الحق ودعا الى الاسلام، فقال: يا ايها النَّاسُ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْهَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ.
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَبْلَ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْعَلاءُ أَمِيرٌ عِنْدَهُ لِرَسُولِ الله على البحرين.
قدوم وفد بنى حنيفه ومعهم مسيلمه
وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بْن حبيب الكذاب، فكان منزلهم فِي دار ابنة الحارث، امرأة من الأنصار، ثُمَّ من بني النجار.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِمُسَيْلِمَةَ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَسْتُرُهُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَمَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعْفِ النَّخْلِ، فِي رَأْسِه خوصات، فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ الَّذِي فِي يَدِي مَا أَعْطَيْتُكَ!» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، قَالَ: كَانَ حَدِيثُ مُسَيْلِمَةَ عَلَى غَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَخَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَرِكَابِنَا يحفظهما لَنَا قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ: «أَما إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، يَحْفَظُ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ» وَذَلِكَ الذى يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَجَاءُوا مُسَيْلِمَةَ بِمَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدَّ عَدُوُّ اللَّهِ وَتَنَبَّأَ وَتَكَذَّبَ لَهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي قَدْ اشركت في الأمر معه، وقال الوفد: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ ذَكَرْتُمُونِي: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا! مَا ذَلِكَ إِلا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ مَعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ السَّجَعَاتِ، وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحِشَى، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصَّلاةَ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَشَهِدَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَصْفَقَتْ بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ، فالله اعلم اى ذلك كان.
قدوم الاشعث بن قيس في وفد كنده
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ كِنْدَةَ، رَأْسُهُمُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، فَحَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاشعث ابن قَيْسٍ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا على رسول الله مسجده، وقد رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ، وَتَكَحَّلُوا، عَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحَبِرَةِ، قَدْ كَفَّفُوهَا بِالْحَرِيرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَلَمْ تُسْلِمُوا؟»
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؟» قَالَ: فَشَقُّوهُ مِنْهَا فَأَلْقَوْهُ، ثُمَّ قَالَ الأَشْعَثُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ناسبوا بهذا النسب العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ” قَالَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ وَالْعَبَّاسُ تَاجِرَيْنِ، فَكَانَا إِذَا سَاحَا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَسُئِلا مَنْ هُمَا؟ قَالا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزَّزَانِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ كنده كانت ملوكا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» فَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ! وَاللَّهِ لا أَسْمَعُ رَجُلا قَالَهَا بَعْدَ الْيَوْمِ الا ضربته حده ثمانين.
[حوادث متفرقة]
قال الْوَاقِدِيّ: وفيها قدم وفد محارب وفيها قدم وفد الرهاويين.
وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران، فكتب لهما رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتاب الصلح.
قَالَ: وفيها قدم وفد عبس.
وفيها قدم وفد صدف، وافوا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حجة الوداع.
قَالَ: وفيها قدم عدي بْن حاتم الطائي، فِي شعبان.
وفيها مات أبو عامر الراهب عِنْد هرقل، فاختلف كنانة بْن عبد ياليل وعلقمة بْن علاثة فِي ميراثه، فقضي به لكنانة بْن عبد ياليل قَالَ: هما من اهل المدر، وأنت من اهل الوبر.
قدوم رفاعة بن زيد الجذامى
قَالَ: وفيها قدم وفد خولان، وهم عشرة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ خَيْبَرَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ ثُمَّ الضُّبَيْبِيُّ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ غُلامًا، وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْمِهِ كِتَابًا، فِي كِتَابِهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، إِنِّي بَعَثْتُهُ إِلَى قَوْمِهِ عَامَّةً وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ فَمِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ، وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ». فَلَمَّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ، أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى الْحَرَّةِ، حَرَّةِ الرَّجْلاءِ فَنَزَلُوهَا.
فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لا يَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامٍ كَانُوا بِهَا عُلَمَاءَ، أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ، لَمَّا قَدِمَ مِنْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَقْبَلَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهَا، يُقَالُ لَهُ: شَنَارٌ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عَوْصٍ وَابْنُهُ عَوْصُ بْنُ الْهُنَيْدِ، الضَّلِيعِيَّانِ- وَالضَّلِيعُ بَطْنٌ مِنْ جُذَامٍ- فَأَصَابَا كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَفَرًا مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ قَوْمِ رِفَاعَةَ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ، فَنَفَرُوا إِلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتَّى لَقُوهُمْ، فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى يَوْمَئِذٍ قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرٍ الضُّفَارِيُّ ثُمَّ الضَّلِيعِيُّ، فَقَالَ: أنا ابْنُ لُبْنَى، وَرَمَى النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ، فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى- وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ تُدْعَى لُبْنَى- قَالَ: وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ الضُّبَيْبِيُّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَّمَهُ أُمَّ الْكِتَابِ، فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ عَوْصٍ، فَرَدُّوهُ عَلَى دِحْيَةَ، فَسَارَ دِحْيَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِم رَسُولُ اللَّهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ- وَذَلِكَ الَّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زيد جذاما، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا- وَقَدْ وَجَّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامٍ كُلِّهَا وَوَائِلُ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ حِينَ جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ، فَنَزَلُوا بِالْحَرَّةِ، حَرَّةِ الرَّجْلاءِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ ربَّةَ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ وَسَائِرُ بَنِي الضُّبَيْبِ بِوَادٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ مِمَّا يَسِيلُ مَشْرِقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الأَوْلاجِ، فَأَغَارَ بِالْفَضَافِضِ مِنْ قِبَلِ الْحَرَّةِ، وَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ وَأُنَاسٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الأَحْنَفِ، وَرَجُلا مِنْ بَنِي خَصِيبٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضُّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءَ مُدَانٍ، رَكِبَ حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهَا الْعَجَّاجَةُ، وَأُنَيْفُ بْنُ مَلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِمَلَّةَ، يُقَالُ لَهَا رِغَالُ، وَأَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا شِمْرٌ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْجَيْشِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ لأُنَيْفِ بْنِ مَلَّةَ: كُفَّ عَنَّا وَانْصَرِفْ، فَإِنَّا نَخْشَى لِسَانَكَ، فَانْصَرِفْ فَوَقَفَ عَنْهُمَا، فَلَمْ يُبْعِدَا مِنْهُ، فَجَعَلَ فَرَسَهُ تَبْحَثُ بِيَدِهَا وَتُوثَبُ، فَقَالَ: لأَنَا أَضِنُّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنْكَ بِالْفَرَسَيْنِ، فَأَرْخَى لَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُمَا، فَقَالا لَهُ: أَمَا إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَكُفَّ عَنَّا لِسَانَكَ وَلا تَشْأَمُنَا الْيَوْمَ، وَتَوَاطَئُوا أَلا يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ إِلا حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَدْ عَرَفُوهَا، بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: ثورِي.
فَلَمَّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ أَقْبَلَ الْقَوْمُ يَبْتَدِرُونَهُمْ، فَقَالَ حَسَّانٌ:
إِنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ بَائِعٌ رُمْحَهُ يَقُولُ مُعَرِّضَهُ: كَأَنَّمَا رَكَزَهُ عَلَى مَنْسَجِ فَرَسِهِ جُدْ وَأَعْتِقْ، فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ، فَقَالَ أُنَيْفٌ: ثورِي، فَقَالَ حَسَّانٌ: مَهْلا! فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حَسَّانٌ: إِنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: فَاقْرَأْ أُمَّ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهَا حَسَّانٌ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا ثُغْرَةَ الْقَوْمِ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا إِلا مَنْ خَتَرَ، وَإِذَا أُخْتٌ لحسان ابن مَلَّةَ- وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبَرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الضُّبَيْبِ- فِي الأُسَارَى.
فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خُذْهَا، فَأَخَذَتْ بِحِقْوَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ الْفَزِرِ الضَّلِيعِيَّةِ:
أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أُمَّهَاتِكُمْ! فَقَالَ أَحَدُ بَنِي خَصِيبٍ: إِنَّهَا بَنُو الضُّبَيْبِ! وَسَحَرَتْ أَلْسِنَتَهُمْ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ، فَأُخْبِرَ بِهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسَّانٍ، فَفُكَّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمِّكِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ فِيكُنَّ حُكْمَهُ، فَرَجَعُوا، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إِلَى وَادِيهِمُ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ، فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ، وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا لِسُويَدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَمَّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ رَكِبُوا إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ مِمَّنْ رَكِبَ إِلَى رِفَاعَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو شِمَاسِ بْنُ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَخْرَبَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأُنَيْفُ بْنُ مَلَّةَ، وَحَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ، حتى صبحوا رفاعة ابن زَيْدٍ بِكُرَاعِ ربَّةَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرَّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ: إِنَّكَ لَجَالِسٌ تَحْلِبُ الْمَعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامٍ يُجَرَّرْنَ أُسَارَى قَدْ غَرَّهَا كِتَابُكَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ! فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَشْكِلُ عَلَيْهِ رَحْلَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
هَلْ أَنْتَ حَيٌّ أَوْ تُنَادِي حَيًّا
ثُمَّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيَّةَ بْنِ ضُفَارَةِ أَخِي الْخَصِيبِيِّ الْمَقْتُولِ مُبَكِّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَسَارُوا إِلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا دَخَلُوا انتهوا الى المسجد، ونظر اليه رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُمْ: لا تُنِيخُوا إِبِلَكُمْ فَتُقْطَعَ أَيْدِيهِنَّ، فَنَزَلُوا عَنْهَا وَهُنَّ قِيَامٌ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَآهُمْ، أَلاحَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ تَعَالَوْا مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ قَامَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ هؤلاء يا نبى الله قوم سحره، فرددها مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رِفَاعَةُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَجْزِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا إِلا خَيْرًا! ثُمَّ دَفَعَ رِفَاعَةُ كِتَابَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ، فَقَالَ: دُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ، حَدِيثًا غَدْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ يَا غُلامُ وَأَعْلِنْ»، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُمْ وَاسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟» ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رِفَاعَةُ: أَنْتَ يا رسول الله اعلم، لانحرم عَلَيْكَ حَلالا، وَلا نُحِلُّ لَكَ حَرَامًا، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَمَنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيُّ»، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي، قَالَ: «خُذْ سَيْفِي»، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لِي رَاحِلَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْكَبُهَا، فَحَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى جَمَلٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ الْمِكْحَالُ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ أَبِي وَبْرٍ، يُقَالُ لَهَا الشَّمِرُ، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا لَهُمْ عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمَّ سَارُوا حَتَّى لَقُوا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءَ الْفَحْلَتَيْنِ، فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لُبُدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تحت الرحل.
وَفْدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ، فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبَّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينُهُمْ.
فَقَدِمَ عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَلا أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتَّبِعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمَّ قَالَ لأَرْبَدَ: إِذَا قَدِمْتُ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنِّي شَاغِلٌ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعِلُهُ بِالسَّيْفِ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي، قَالَ: «لا وَاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ»، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لا يُحِيرُ شَيْئًا، فَلَمَّا رَأَى عَامِرٌ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي، قَالَ: «لا وَاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ» لَهُ فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا حُمُرًا وَرِجَالا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ»، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ عَامِرٌ لأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ أَوْصَيْتُكَ بِهِ! وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفُ عَلَى نَفْسِي عِنْدِي مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ لا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا قَالَ: لا تعجل على لا ابالك! وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ مَرَّةٍ إِلا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبُكَ بِالسَّيْفِ! قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:
بُعِثَ الرَّسُولُ بِمَا تَرَى فَكَأَنَّمَا *** عمدا نشن عَلَى الْمَقَانِبِ غَارَا
وَلَقَدْ وَرَدْنَ بِنَا الْمَدِينَةَ شُزَّبًا *** وَلَقَدْ قَتَلْنَ بِجَوِّهَا الأَنْصَارَا
وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ! ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حَتَّى قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ:
لا شَيْءٌ، وَاللَّهِ لَقَدْ دَعَانَا إِلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدَدْتُ أَنَّهُ عِنْدِيَ الآنَ فَأَرْمِيهِ بِنَبْلِي هَذِهِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ هَذِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، مَعَهُ جَمَلٌ لَهُ يَبِيعُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لبيد بن ربيعه لامه.
قدوم زيد الخيل في وفد طيّئ
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْدُ طَيِّئٍ، فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَهُوَ سَيِّدُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ كَلَّمُوهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ الإِسْلامَ فَأَسْلَمُوا فَحَسُنَ إِسْلامُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم – كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ طَيِّئٍ: «مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ جَاءَنِي إِلا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ زَيْدِ الْخَيْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فِيهِ كُلُّ مَا فِيهِ».
ثُمَّ سَمَّاهُ زَيْدُ الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرْضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ!» سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ بِاسْمٍ غَيْرِ الْحُمَّى وَغَيْرِ أُمِّ مِلْدَمٍ فَلْم يُثَبِّتْهُ- فَلَمَّا انْتَهَى مِنْ بِلادِ نَجْدٍ إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ يُقَالُ لَهُ فَرْدَةُ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى، فَمَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَحَسَّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غَدْوَةً *** وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرْدَةَ مُنْجِدُ
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي *** عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يَبَرَّ مِنْهُنَّ يَجْهَدُ
فَلَمَّا مَاتَ عَمِدَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَا كَانَ مَعَهَا مِنْ كُتُبِهِ الَّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار.
كتاب مسيلمه الى رسول الله والجواب عنه
وفي هذه السنة كتب مسيلمة إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدعي أنه أشرك معه فِي النُّبُوَّةُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قَالَ: كان مسيلمة بْن حبيب الكذاب كتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رَسُول اللَّهِ إلى محمد رَسُول اللَّهِ سلام عليك، فإني قد أُشركت فِي الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون.
فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن شَيْخٍ مِنْ أَشْجَعَ قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: أَمَّا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ فَيَقُولُ: عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ-قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرءا كِتَابَ مُسَيْلِمَةَ: «فَمَا تَقُولانِ أَنْتُمَا؟» قَالا: نَقُولُ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا».
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمد رسول الله إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ دَعْوَى مُسَيْلِمَةَ وَمَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنَ الكذابين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّبِيِّ مِنْ حَجِّهِ الْمُسَمَّى حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَمَرضَتِهِ الَّتِي مَرِضَهَا الَّتِي كانت منها وفاته صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري، قال: حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قَالَ: حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ عُمَرَ- وَكَتَبَ بِذَلِكَ الى السرى يقول: حدثنا شعيب ابن إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ الأُسَيْدِيِّ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بن ثابت بن الجذع الأنصاري، عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة بعد ما قَضَى حَجَّةُ التَّمَامِ، فَتَحَلَّلَ بِهِ السَّيْرُ، وَطَارَتْ به الاخبار لتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَدِ اشْتَكَى، فَوَثَبَ الأَسْوَدُ بِالْيَمَنِ وَمُسَيْلَمَةُ باليمامة، وجاء الخبر عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَثَبَ طُلَيْحَةُ فِي بِلادِ بَنِي أَسَدٍ بعد ما أَفَاقَ النَّبِيُّ، ثُمَّ اشْتَكَى فِي الْمُحَرَّمِ وَجَعَهُ الذى توفاه الله فيه.
خروج الأمراء والعمال على الصدقات
قال ابو جعفر: وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ الْبِلادِ الَّتِي دَخَلَهَا الإِسْلامُ عُمَّالا عَلَى الصَّدَقَاتِ، عَلَى كُلِّ مَا أَوْطَأَ الإِسْلامُ مِنَ الْبِلْدَانِ، فَبَعَث الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ إِلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْعَنْسِيُّ وَهُوَ بِهَا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ الأَنْصَارِيَّ إِلَى حَضْرَمَوْتَ عَلَى صَدَقَتِهَا، وَبَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، صَدَقَةِ طَيِّئٍ وَأَسَدٍ، وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرَّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، وَبَعَثَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى نَجْرَانَ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ، وَيُقْدِمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ.
حجه الوداع
فَلَمَّا دَخَلَ ذُو الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ – أَعْنِي سَنَةَ عَشْرٍ- تَجَهَّزَ النَّبِيُّ إِلَى الْحَجِّ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ لَهُ فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحَجِّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، لا يَذْكُرُ وَلا يَذْكُرُ النَّاسُ إِلا الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرِفَ، وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَحِلُّوا بِعُمْرَةٍ إِلا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَحِضْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَدَخَلَ على وانا ابكى، فقال: «مالك يَا عَائِشَةُ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ!» فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي هَذَا فِي هذا السَّفَرِ، قَالَ: «لا تَفْعَلِي، لا تَقُولِنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّكِ تَقْضِينَ كُلَّ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، إِلا أَنَّكِ لا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ» قَالَتْ: وَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، فَحَلَّ كُلُّ مَنْ كَانَ لا هَدْيَ مَعَهُ، وَحَلَّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ، فَطُرِحَ فِي بَيْتِي، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، لأَقْضِيَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي فَاتَتْنِي.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى نَجْرَانَ، فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَحْرَمَ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فوجدها قد حلت وتهيأت، فقال: مالك يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَحْلَلْنَا، قَالَ: ثُمَّ اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَحِلَّ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهْلَلْتَ بِهِ، قَالَ: «ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُكَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قُلْتُ حِينَ أَحْرَمْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، قَالَ: «فَهَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟» قَالَ: قلت: لا، قال: فاشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَدْيِهِ وَثَبَتَ عَلَى إِحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى فَرَغَا مِنَ الْحَجِّ، وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ الْهَدْيَ عَنْهُمَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى ابن عبد الله بْن عبد الرحمن بْن أبي عَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ بِمَكَّةَ تَعَجَّلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَعَمَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَكَسَا رِجَالا مِنَ الْقَوْمِ حُلَلا مِنَ الْبَزِّ الَّذِي كَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا دَنَا جَيْشُهُ، خَرَجَ عَلِيٌّ ليلقاهم، فَإِذَا هُمْ عَلَيْهِمُ الْحُلَلَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذَا! قَالَ: كَسَوْتُ الْقَوْمَ لِيَتَجَمَّلُوا بِهِ إِذَا قَدِمُوا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ! انْزَعْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنَ النَّاسِ، وَرَدَّهَا فِي الْبَزِّ، وَأَظْهَرَ الْجَيْشُ شِكَايَةً لِمَا صُنِعَ بِهِمْ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن محمد بن كعب ابن عجزه، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ- وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: شَكَا النَّاسُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْتُهُ يقول: «يا ايها الناس، لا تشكوا عليا، فوالله انه لأخشى فِي ذَاتِ اللَّهِ- أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- من ان يشكى».
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَجِّهِ، فَأَرَى النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ حَجِّهِمْ، وَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَهُ الَّتِي بَيَّنَ لِلنَّاسِ فِيهَا مَا بَيَّنَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَقَدْ بَلَّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لا رِبًا وَإِنَّ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ بَنُو هُذَيْلٍ- فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ: {إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ} [التوبة: 37]، وَيُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَ {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا، لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنَّ أَلا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ، وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنِ انْتَهَيْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لا يَمْلِكْنَ لأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، فَاعْقِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَاسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ وَتَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ.أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ، وَاعْقِلُوهُ تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِخْوَةٌ، فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إِلا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَلا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ!» قَالَ: فَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ».
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: كَانَ الذى يصرخ في الناس بقول رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى عَرَفَةَ، رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَالَ: يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «قُلْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ شَهْرٍ هَذَا!» فَيَقُولُونَ: الشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَيَقُولُ: «قُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا» ثُمَّ قَالَ: «قُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ بَلَدٍ هَذَا؟» قَالَ: فَيَصْرُخُ بِهِ، فَيَقُولُونَ: الْبَلَدُ الْحَرَامُ، قَالَ: فَيَقُولُ: «قُلْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا» ثُمَّ قَالَ: «قُلْ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ: «قُلْ:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا».
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: «هَذَا الْمَوْقِفُ – لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ- وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ» وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحِ صَبِيحَةِ الْمُزْدَلِفَةِ: «هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ» ثُمَّ لَمَّا نَحَرَ بِالْمَنْحَرِ، قَالَ:
«هَذَا الْمَنْحَرُ، وَكُلُّ منى منحر»، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي حَجِّهِمْ فِي الْمَوَاقِفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَمَا أُحِلَّ لَهُمْ فِي حَجِّهِمْ وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَحَجَّةَ الْبَلاغِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَحُجَّ بعدها.
ذكر جمله الغزوات
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَتْ غَزَوَاتُهُ بِنَفْسِهِ سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُنَّ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، فَمَنْ قَالَ: هِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ، جَعَلَ غزوه النبي صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَغَزْوَتُهُ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى غَزْوَةً وَاحِدَةً، لأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ خَيْبَرَ حِينَ فَرَغَ مِنْ أَمْرِهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَضَى مِنْهَا إِلَى وَادِي الْقُرَى، فَجَعَلَ ذَلِكَ غَزْوَةً وَاحِدَةً وَمَنْ قَالَ: هِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، جَعَلَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ غَزْوَةً، وَغَزْوَةَ وَادِي الْقُرَى غَزْوَةً أُخْرَى، فَيَجْعَلُ الْعَدَدَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَدَّانُ، وَهِيَ غَزْوَةُ الأَبْوَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بُوَاطٍ إِلَى نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولَى يَطْلُبُ كُرَزَ بْنِ جَابِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى الَّتِي قَتَلَ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافَهُمْ، وَأَسَرَ فِيهَا مَنْ أَسَرَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ الْكُدَرَ، مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ السَّوِيقِ يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدَرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ إِلَى نَجْدٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍّ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ، مَعْدِن بِالْحِجَازِ مِنْ فَوْقِ الْفُرعُ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الأَسَدِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرقاع من نخل، ثم غزوه بدر الآخرة، ثُمَّ غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ -لا يُرِيدُ قِتَالا، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ- ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ، فَتَحِ مَكَّةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ الطَّائِفِ، ثُمَّ غَزْوَةُ تَبُوكَ قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، وَقُرَيْظَةُ، وَالْمُصْطَلِقُ، وَخَيْبَرُ، وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَالطَّائِفُ.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ مَعْرُوفَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا، لَيْسَ فِيهَا اخْتِلافٌ بَيْنَ أَحَدٍ فِي عَدَدِهَا، وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَغْزَاةٍ قَبْلَ مَغْزَاةٍ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ كَمْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، أَوَّلُهَا الْخَنْدَقُ، وَفَاتَنِي سِتُّ غَزَوَاتٍ، وَقَدْ كُنْتُ حريصا، قد عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم، كُلَّ ذَلِكَ يَرُدُّنِي فَلا يُجِيزُنِي حَتَّى أَجَازَنِي فِي الْخَنْدَقِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى عَشْرَةَ، ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ التِّسْعَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَعَدَّ مَعَهَا غَزْوَةَ وَادِي الْقُرَى، وَأَنَّهُ قَاتَلَ فِيهَا فَقُتِلَ غُلامُهُ مِدْعَمٌ، رُمِيَ بِسَهْمٍ قَالَ: وَقَاتَلَ يَوْمَ الْغَابَةِ، فَقَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقُتِلَ مُحْرِزُ بْنُ نضله يومئذ.
ذكر جمله السرايا والبعوث
واختلف في عدد سراياه صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَت سَرَايَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَبُعُوثُهُ- فِيمَا بَيْنَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبَيْنَ أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ- خَمْسًا وَثَلاثِينَ بَعْثًا وَسَرِيَّةً:
سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إِلَى أَحْيَاءٍ مِنْ تثنيه الْمَرَةِ، وَهُوَ مَاءٌ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ- وَبَعْضُ النَّاسِ يُقَدِّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ- وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخَرَّارِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زيد ابن حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ، وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ الرَّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي عبيده بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرَبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ- كَلْبَ لَيْثٍ- الْكَدِيدَ، وَأَصَابَ بِلْمُلَوِّحِ، وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ فَدَكٍ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ قَطَنًا، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ قُتِلَ فِيهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ إِلَى الْقُرَطَاءِ مِنْ هَوَازِنَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكٍ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى يُمْنٍ وَجِنَابٍ، بَلَدٌ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ- وَقِيلَ يَمَنٌ وَجُبَارٌ، أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ، مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا جُذَامَ مِنْ أَرْضِ حِسْمَى- وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ خَبَرِهَا قَبْلُ- وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِي الْقُرَى، لَقِيَ بَنِي فَزَارَةَ.
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الَّتِي أَصَابَ اللَّهُ فِيهَا يَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ- وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ يَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ أَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فبعث اليه رسول الله عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلَّمُوهُ وَوَاعَدُوهُ وَقَرَّبُوا لَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ قَدِمْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اسْتَعْمَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ وَرَدَفَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ يَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى سَيْرِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَفَطِنَ له عبد الله ابن أُنَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ السَّيْفَ، فَاقْتَحَمَ بِهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ يَسِيرٌ بِمِخْرَشٍ فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ، فَأَمَّهُ فِي رَأْسِهِ، وَقَتَلَ اللَّهُ يَسِيرًا، وَمَالَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إِلا رَجُلا وَاحِدًا أَفْلَتَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الله ابن انيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم تَفِلَ عَلَى شُجَّتِهِ فَلَمْ تُقْحَ وَلَمْ تُؤْذِهِ.
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعٍ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابَهُ- فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ- إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَقَتَلُوهُ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ- وَهُوَ بِنَخْلَةٍ أَوْ بِعُرَنَةَ- يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ لِيَغْزُوَهُ، فَقَتَلَهُ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي- وَهُوَ بِنَخْلَةٍ أَوْ بَعُرْنَةَ- فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ»، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ! إِنَّهُ آيَةٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ قَشْعَرِيرَةً» قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي حَتَّى دَفَعْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلا حَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْقَشْعَرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي إِيمَاءً، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ، قَالَ: أَجَلْ، أَنَا فِي ذَلِكَ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَرَآنِي، قَالَ: «أَفْلَحَ الْوَجْهُ!» قَالَ: قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ قَالَ: «صَدَقْتَ!» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: «أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ» قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسِكَهَا عِنْدِي، قَالُوا: أَفَلا تَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: «آيَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ يَوْمَئِذٍ»، فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّت مَعَهُ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا ثم رجع الحديث إلى حديث عبد اللَّه بْن أبي بكر قَالَ: وغزوة زيد بْن حارثة وجعفر بْن أبي طالب وعبد الله بْن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، وغزوة كعب بْن عمير الغفاري بذات أطلاح من أرض الشام، فأصيب بِهَا هو وأصحابه، وغزوة عيينة بْن حصن بني العنبر من بني تميم، وَكَانَ من حديثهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعثه إِلَيْهِم، فأغار عليهم، فأصاب منهم ناسا، وسبى منهم سبيا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، [أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: «هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الآنَ فَنُعْطِيكِ إِنْسَانًا فَتَعْتِقِينَهُ» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ سَبْيُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، حَتَّى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ، وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ، وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ وَكَانَ مِمَّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَسْمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَكَأْسُ بِنْتُ أَرِيٍّ، وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ- كَلْبُ لَيْثٍ- أَرْض بَنِي مُرَّةَ، فأصاب بها مرداس بن نهيك، حليفا لهم مِنَ الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأُسَامَةَ: «مَنْ لَكَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهِ!».
وَغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السَّلاسِلِ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَى بَطْنِ إِضَمٍ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ إِلَى الغابة، وغزوه عبد الرحمن ابن عَوْفٍ.
وَبَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، وَعَلَيْهِمْ ابو عبيده بن الجراح، وهي غزوه الحبط.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سعد، قَالَ: قَالَ محمد ابن عمر: كانت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيا وأربعين سرية.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فِي هذه السنة قدم جرير بْن عبد الله البجلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما فِي رمضان، فبعثه رَسُول اللَّهِ إلى ذي الخلصة فهدمها.
قَالَ: وفيها قدم وبر بْن يحنس على الأبناء باليمن، يدعوهم إلى الإسلام فنزل على بنات النعمان بْن بُزُرْج فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، وإلى مركبود وعطاء ابنه، ووهب بْن منبه، وَكَانَ أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بْن مركبود ووهب بْن منبه.
قَالَ: وفيها اسلم باذان، وبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.
قَالَ أبو جعفر: وقد خالف فِي ذلك عبد الله بن ابى بكر من قال: كانت مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين غزوة، من أنا ذاكره:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غَزَا تِسْعَ عشره غزوه، وحج بعد ما هَاجَرَ حَجَّةً، لَمْ يَحُجَّ غَيْرَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَجَّةً بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ؟
قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، قال: فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَسْقَى قَالَ: فَلَقِيتُ يَوْمَئِذٍ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ غَيْرُ رَجُلٍ- أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلٌ- قَالَ: فقلت: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟
قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعَسِيرِ- أَوِ الْعَشِيرِ.
وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ خَطَأٌ، حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: لِزَيْدِ بن أرقم: كم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قُلْتُ: كَمْ غَزَا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ الْحَارِثُ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: هَذَا إِسْنَادُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، يَقُولُونَ هَكَذَا، وَأَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا زَيْدُ بْنُ الأَرْقَمِ الْمُرَيْسِيعُ، وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ، وَشَهِدَ مُؤْتَةَ رَدِيفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وما غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إِلا ثَلاثَ غَزَوَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: غَزَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي ثَمَانِ غَزَوَاتٍ أَوَّلُهُنَّ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالأَحْزَابُ وَقُرَيْظَةُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الأَرْقَمِ، وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ جَمِيعًا غَلَطٌ.
ذكر الخبر عن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابيه، عن جابر، ان النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ، مَعَهَا عُمْرَةٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اعْتَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتِ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْبَعَ عُمَرٍ، قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، مِنْهُنَّ عُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عمر يقول: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ عُمَرٍ فَبَلَغَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، مِنْهَا عُمْرَتُهُ الَّتِي قَرَنَ مَعَهَا الْحَجَّةَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا ابْنُ عُمَرَ جَالِسٌ عِنْدَ حُجْرَةِ عائشة، فقلنا: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ وَنَرُدَّ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا أُمَّهْ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ! فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يقول: ان النبي صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ: إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ عُمْرَةً إِلا وَهُوَ شَاهِدٌ، وَما اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ.
ذكر الخبر عن أزواج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
ومن منهن عاش بعده ومن منهن فارقه فِي حياته، والسبب الذي فارقه من أجله، ومن منهن مات قبله.
فَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تزوج خمس عَشْرَةَ امْرَأَةً، دَخَلَ بِثَلاثَ عَشْرَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ.
تَزَوَّجَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عتيق بن عابد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجْرِ بْن مَعِيصِ بْنِ لُؤَيٍّ فَوَلَدَتَ لِعَتِيقٍ جَارِيَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْهَا وَخَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو هَالَةَ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ نُبَاشِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سَلامَةَ بْنِ غَذِيِّ بْنِ جِرْوَةَ بْن أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ فِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ.
فَوَلَدَتْ لأَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْهَا فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَعِنْدَهَا ابْنُ أَبِي هَالَةَ هِنْدٌ، فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ثَمَانِيَةً: الْقَاسِمُ، وَالطَّيِّبُ، وَالطَّاهِرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَزَيْنَبُ، وَرُقَيَّةُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةُ.
قَالَ ابو جعفر: ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهَا عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَضَتْ لِسَبِيلِهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَهَا، فَاخْتُلِفَ فِيمَنْ بَدَأَ بِنِكَاحِهَا مِنْهُنَّ بَعْدَ خَدِيجَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتِ الَّتِي بَدَأَ بِنِكَاحِهَا بَعْدَ خَدِيجَةَ قَبْلَ غَيْرِهَا عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
بَلْ كَانَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرٍ فَأَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً لا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ، وَأَمَّا سَوْدَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ امْرَأَةً ثَيِّبًا، قَدْ كَانَ لها قبل النبي صلى الله عليه وسلم زَوْجٌ، وَكَانَ زَوْجَهَا قَبْلَ النَّبِيِّ السَّكْرَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ السَّكْرَانُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ فَتَنَصَّرَ وَمَاتَ بِهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلا خِلافَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بَنَى بِسَوْدَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ.
ذكر السبب الذي كان في خطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسودة والرواية الواردة بأولاهما كان عقد عليها رَسُول اللَّهِ عقدة النكاح
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ، قَالَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَوْقَصِ، امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: «وَمَنْ؟»فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا، قَالَ: «فَمَنِ الْبِكْرُ؟» قَالَتِ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «وَمَنِ الثَّيِّبُ؟» قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ: «فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ» فَجَاءَتْ فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَوَجَدَتْ أُمَّ رُومَانَ، أُمَّ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّ رُومَانَ؟ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَدِدْتُ! انْتَظِرِي أَبَا بكر، فانه آت، فجاء ابو بكر، قالت: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ، إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ! فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَقُولِي لَهُ: أَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ، وَأَنَا أَخُوكَ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي؟» فَأَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: انْتَظِرِينِي حَتَّى أَرْجِعَ، فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، وَلا وَاللَّهِ مَا وَعَدَ شَيْئًا قَطُّ فَأَخْلَفَ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مُطْعِمٍ، وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ ابْنِهِ الَّذِي كَانَ ذكرها عليه، فقالت العجوز: يا بن أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّنَا إِنْ زَوَّجْنَا ابْنَنَا ابْنَتَكَ أَنْ تَصْبِئَهُ وَتُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ! فَأْقَبَلَ عَلَى زَوْجِهَا الْمُطْعِمِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ ذَاكَ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ الْعِدَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ الَّتِي وَعَدَهَا إِيَّاهُ، وَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ اللَّهِ، فَدَعَتْهُ فَجَاءَ فَأَنْكَحَهُ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى سَوْدَةَ فَقُلْتُ: أَيْ سَوْدَةُ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قالت: أرسلني رسول الله يخطبك عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَقَالَتْ: وَدِدْتُ! ادْخُلِي عَلَى أَبِي فَاذْكُرِي لَهُ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْحَجِّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَحَيَّيْتُهُ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَنِي أَخْطُبُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ، قَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ، فَمَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُهُ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: ادْعِيهَا إِلَيَّ، فَدَعَيْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَيْ سَوْدَةُ، زَعَمَتْ هَذِهِ أَنَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ وَهُوَ كُفْءٌ كَرِيمٌ، أَفَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَادْعِيهِ لِي، فَدَعَتْهُ، فَجَاءَ فَزَوَّجَهُ، فَجَاءَ أَخُوهَا مِنَ الْحَجِّ، عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثِي فِي رَأْسِي التُّرَابَ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ! قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّنْحَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَل بَيْتَنَا، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ، فَجَاءَتْنِي أُمِّي وَأَنَا فِي أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عدقين يُرْجَحُ بِي، فَأَنْزَلَتْنِي ثُمَّ وَفَتْ جُمَيْمَة كَانَتْ لِي، وَمَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَقُودُنِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ الْبَابِ وَقَفَتْ بِي حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ ادخلت ورسول الله جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ فِي بَيْتِنَا قَالَتْ: فَأَجْلَسَتْنِي فِي حِجْرِهِ، فَقَالَتْ: هَؤُلاءِ أَهْلُكَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِنَّ وَبَارَكَ لَهُنَّ فِيكَ! وَوَثَبَ الْقَوْمُ وَالنِّسَاءُ، فَخَرَجُوا، فَبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ فِي بَيْتِي، مَا نُحِرَتْ جَزُورٌ وَلا ذُبِحَتْ عَلَيَّ شَاةٌ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ كَانَ يرسل بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الملك ابن مَرْوَانَ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ فِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ تَسْأَلُنِي: مَتَى تُوُفِّيَتْ؟
وَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ قَبْلَ مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بِثَلاثِ سِنِينَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَى عَائِشَةَ مَرَّتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ.
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة بعد ما قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ يَوْمَ بَنَى بِهَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ رجع الخبر إلى خبر هشام بن محمد ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر- واسمه عتيق بْن أبي قحافة، وهو عثمان- ويقال عبد الرحمن بن عثمان- بن عامر بن عَمْرو بن كعب بن سَعْدِ بْنِ تيم بن مرة تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي ابنة سبع سنين، وجمع إليها بعد أن هاجر إلى الْمَدِينَةِ وهي ابنة تسع سنين فِي شوال، فتوفى عنها وهي ابنه ثمان عشره، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ابن نفيل بْن عبد العزى بْن رياح بْن عبد الله بْن قرط بْن كعب- وكانت قبله عِنْد خنيس بْن حذافة بْن قيس بن عدى ابن سعد بْن سهم.
وَكَانَ بدريا، شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – فلم تلد لَهُ شيئا، ولم يشهد من بني سهم بدرا غيره.
ثُمَّ تزوج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بْن مخزوم، وكانت قبله عِنْد أبي سلمة ابن عبد الأسد بْن هلال بْن عبد الله بْن عمر بْن مخزوم، وشهد بدرا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ فارس القوم، فأصابته جراحة يوم أحد فمات منها، وَكَانَ ابن عمة رَسُول اللَّهِ ورضيعه، وأمه برة بنت عبد المطلب ولدت لَهُ عمر، وسلمة، وزينب، ودرة، فلما مات كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة تسع تكبيرات، فلما قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أسهوت أم نسيت؟ قَالَ: «لم أسه ولم أنس، ولو كبرت على أبي سلمة ألفا كان أهلا لذلك»، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة بخلفه فِي أهله فتزوجها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأحزاب سنة ثلاث، وزوج سلمة بْن أبي سلمة ابنة حمزة بْن عبد المطلب، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام المريسيع جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار بْن حبيب بْن مالك بْن جذيمة- وهو المصطلق بْن سعد بْن عمرو- سنة خمس، وكانت قبله عِنْد مالك بْن صفوان ذي الشفر بْن أبي سرح بْن مالك بْن المصطلق، لم تلد لَهُ شيئا، فكانت صفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع، فأعتقها وتزوجها، وسألت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عتق ما فِي يده من قومها، فأعتقهم لها.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بْن حرب، وكانت عِنْد عبيد الله بْن جحش بْن رئاب بن يعمر بن صبره بْن مرة بْن كبير بْن غنم بْن دودان بْن أسد- وكانت من مهاجرات الحبشة هي وزوجها، فتنصر زوجها وحاولها أن تتابعه فأبت وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فيها، فَقَالَ النجاشي لأصحابه: من أولاكم بِهَا؟ قالوا: خالد بْن سعيد بْن العاص، قَالَ: فزوجها من نبيكم، ففعل وأمهرها أربعمائة دينار ويقال: بل خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بْن عفان، فلما زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها، فساق عنه النجاشي، وبعث بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب ابن يعمر بْن صبرة، وكانت قبله عِنْد زيد بْن حارثة بْن شراحيل مولى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلم تلد لَهُ شيئا، وفيها أنزل الله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] إلى آخر الآية، فزوجها الله عز وجل إياه، وبعث فِي ذَلِكَ جبريل، وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: أنا أكرمكن وليا، وأكرمكن سفيرا.
ثُمَّ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بْن أخطب بْن سعية بْن ثعلبة بْن عبيد بْن كعب بْن الخزرج بْن أبي حبيب بْن النضير، وكانت قبله تحت سلام بْن مشكم بْن الحكم بْن حارثة بْن الخزرج بْن كعب بْن الخزرج، وتوفي عنها وخلف عليها كنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، فقتله محمد بن مسلمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب عنقه صبرا، فلما تصفح النبي صلى الله عليه وسلم السبي يوم خيبر، ألقى رداءه على صفية، فكانت صفية يوم خيبر، ثُمَّ عرض عليها الإسلام فأسلمت، فأعتقها، وذلك سنة ست.
ثُمَّ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونه بنت الحارث بن حزن ابن بجير بْن الهزم بْن رويبة بْن عبد الله بْن هلال، وكانت قبله عِنْد عمير ابن عمرو، من بني عقدة بْن غيرة بْن عوف بن قسي- وهو ثقيف- لم تلد لَهُ شيئا، وهي أخت أم الفضل امرأة العباس بْن عبد المطلب، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف فِي عمرة القضاء، زوجها إياه العباس ابن عبد المطلب، فتزوجها رَسُول اللَّهِ.
وكل هؤلاء اللواتي ذكرنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجهن إلى هذا الموضع، توفي رَسُول اللَّهِ وهن أحياء، غير خديجة بنت خويلد.
ثُمَّ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني كلاب بْن ربيعة، يقال لَهَا النشاة بنت رفاعة، وكانوا حلفاء لبني رفاعة من قريظة وقد اختلف فيها، وَكَانَ بعضهم يسمي هذه سنا وينسبها، فيقول: سنا بنت أسماء بْن الصلت السلمية وقال بعضهم: هي سبا بنت أسماء بْن الصلت من بني حرام من بني سليم وقالوا: توفيت قبل ان يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبها بعضهم فَقَالَ: هي سنا بنت الصلت بْن حبيب بْن حارثة بْن هلال بْن حرام بْن سمال بْن عوف السلمي.
ثُمَّ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم الشنباء بنت عمرو الغفارية.
وكانوا أيضا حلفاء لبني قريظة، وبعضهم يزعم أنها قرظية، وقد جهل نسبها لهلاك بني قريظة، وقيل أيضا إنها كنانية، فعركت حين دخلت عليه، ومات إبراهيم قبل أن تطهر، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس اليه، فسرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم غزية بنت جابر من بني أبي بكر بْن كلاب، بلغ رَسُول اللَّهِ عنها جمال وبسطة، فبعث أبا أُسَيْدٍ الأنصاري، ثُمَّ الساعدي، فخطبها عليه فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم – وكانت حديثة عهد بالكفر فقالت: إني لم أستأمر فِي نفسي، إني أعوذ بالله منك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «امتنع عائذ الله» وردها الى أهلها، يقال: إنها من كندة.
ثُمَّ تزوج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان بن الأسود ابن شراحيل بْن الجون بْن حجر بْن معاوية الكندي، فلما دخل بِهَا وجد بِهَا بياضا فمتعها وجهزها وردها إلى أهلها، ويقال: بل كان النعمان بعث بِهَا إلى رَسُول اللَّهِ فسرحته، فلما دخلت عليه استعاذت منه أيضا، فبعث إلى أبيها، فَقَالَ لَهُ: «أليست ابنتك؟» قَالَ: بلى، قَالَ لَهَا: «ألست ابنته؟» قالت: بلى، قَالَ النعمان: عليكها يَا رَسُولَ اللَّهِ، فإنها وإنها وأطنب فِي الثناء فَقَالَ: «إنها لم تيجع قط»، ففعل بِهَا ما فعل بالعامرية، فلا يدرى: ألقولها أم لقول أبيها: إنها لم تيجع قط.
وأفاء الله عز وجل على رسوله ريحانة بنت زيد، من بني قريظة.
وأهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، أهداها لَهُ المقوقس صاحب الإسكندرية، فولدت له ابراهيم بن رسول الله.
فهؤلاء ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهن ست قرشيات.
قَالَ أبو جعفر: وممن لم يذكر هشام فِي خبره هذا ممن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوجه من النساء: زينب بنت خزيمة- وهي التي يقال لَهَا أم المساكين- من بني عامر بْن صعصعة، وهي زينب بنت خزيمة بن الحارث ابن عبد الله بْن عمرو بْن عبد مناف بْن هلال بْن عامر بْن صعصعة، وكانت قبل رَسُول اللَّهِ عِنْد الطفيل بْن الحارث بْن المطلب، أخي عبيدة بْن الحارث، توفيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وقيل انه لم يمت عِنْد رَسُول اللَّهِ فِي حياته من أزواجه غيرها وغير خديجة وشراف بنت خليفة، أخت دحية بْن خليفة الكلبي، والعالية بنت ظبيان.
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَالِيَةَ، امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلابٍ فَمَتَّعَهَا، ثُمَّ فَارَقَهَا، وَقُتَيْلَةَ بِنْتَ قَيْسِ ابن معديكرب أُخْتَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلامِ مَعَ أَخِيهَا، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ شُرَيْحٍ.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: غَزِيَّةَ بِنْتِ جَابِرٍ، هِيَ أم شريك، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ زَوْجٍ كَانَ لَهَا قَبْلَهُ، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ شَرِيكٌ، فَكُنِّيَتْ بِهِ، فلما دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وَجَدَهَا مُسِنَّةً، فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ، وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَتَدْعُوهُنَّ إِلَى الإِسْلامِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ تَزَوَّجَ خَوْلَةَ بِنْتَ الْهُذَيْلِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ الْحَارِثِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ لَيْلَى بِنْتَ الْخُطَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ ظفر ابن الحارث بن الخزرج، اقبلت الى النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ الشَّمْسَ، فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قَالَتْ: أَنَا ابْنَةُ مُبَارِي الرِّيحَ، أَنَا لَيْلَى بِنْتُ الْخُطَيْمِ، جِئْتُكَ أَعْرِضُ عَلَيْكَ نَفْسِي فَتَزَوَّجْنِي، قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ»، فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا، فَقَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: بِئْسَمَا صَنَعْتِ! أَنْتِ امْرَأَةٌ غَيْرَى، وَالنَّبِيُّ صَاحِبُ نِسَاءٍ، اسْتَقِيلِيهِ نَفْسَكِ، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: أَقِلْنِي، قَالَ: «قَدْ أَقَلْتُكِ».
وَبِغَيْرِ هَذَا الاسناد ان النبي صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ يَزِيدَ، امْرَأَةً مِنْ بَنِي رُؤَاسِ بْنِ كِلابٍ.
ذكر من خطب النبي صلى الله عليه وسلم من النساء ثُمَّ لم ينكحهن
منهن أم هانئ بنت أبي طالب، واسمها هند، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوجها، لأنها ذكرت أنها ذات ولد.
وخطب ضباعة بنت عامر بْن قرط بْن سلمة بْن قشير بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة إلى ابنها سلمة بْن هشام بْن المغيرة، فَقَالَ: حَتَّى أستأمرها، فأتاها فقال: ان النبي صلى الله عليه وسلم خطبك، فقالت:
ما قلت لَهُ؟ قَالَ: قلت لَهُ حَتَّى أستأمرها! قالت: وفي النبي يستأمر! ارجع فزوجه، فرجع فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه أخبر أنها قد كبرت.
وخطب- فيما ذكر- صفية بنت بشامة أخت الأعور العنبري، وَكَانَ أصابها سباء، فخيرها، فَقَالَ: «إن شئت أنا وإن شئت زوجك»، قالت: بل زوجي، فأرسلها.
وخطب أم حبيب بنت العباس بْن عبد المطلب، فوجد العباس أخاه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة.
وخطب جمرة بنت الحارث بْن أبي حارثة، فَقَالَ أبوها- فيما ذكر:
بِهَا شيء، ولم يكن بِهَا شيء، فرجع فوجدها قد برصت.
ذكر سراري رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وهي مارية بنت شمعون القبطية، وريحانة بنت زيد القرظية وقيل:
هي من بني النضير وقد مضى ذكر أخبارهما قبل.
ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمنهم زيد بْن حارثة وابنه أسامة بْن زيد، وقد ذكرنا خبره فيما مضى.
وثوبان- مولى رَسُول اللَّهِ، فأعتقه، ولم يزل معه حَتَّى قبض، ثُمَّ نزل حمص وله بِهَا دار وقف، ذكر أنه توفي سنة أربع وخمسين فِي خلافة معاوية.
وقال بعضهم: بل كان سكن الرملة، ولا عقب لَهُ.
وشقران- وَكَانَ من الحبشة، اسمه صالح بن عدى، اختلف في امره قد ذكر عن عبد الله بْن داود الخريبي انه قال: شقران ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه وقال بعضهم: شقران من الفرس، ونسبه فقال: هو صالح بن حول ابن مهر بود.
نسب شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي قول من نسبه إلى عجم الفرس زعم أنه صالح بْن حول بْن مهربوذ بْن آذر جشنس بْن مهربان بْن فيران بْن رستم بْن فيروز بْن ماي بْن بهرام بْن رشتهري، وزعم أنهم كانوا من دهاقين الري.
وذكر عن مصعب الزبيري أنه قَالَ: كان شقران لعبد الرحمن بْن عوف.
فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وانه اعقب، وان آخرهم مئوبا، رجل كان بالمدينة من ولده، كان لَهُ بالبصرة بقية.
ورويفع- وهو أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه أسلم وقال بعضهم: اسمه إبراهيم واختلفوا فِي أمره، فَقَالَ بعضهم: كان للعباس بْن عبد المطلب، فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه رَسُول اللَّهِ.
وقال بعضهم: كان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بْن العاص الأكبر فورثه بنوه، فأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم منه، وقتلوا يوم بدر جميعا، وشهد أبو رافع معهم بدرا، ووهب خالد بْن سعيد نصيبه منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رَسُول اللَّهِ.
وابنه البهي- اسمه رافع.
وأخو البهي عبيد الله بْن أبي رافع- وَكَانَ يكتب لعلي بْن أبي طالب، فلما ولي عمرو بْن سعيد الْمَدِينَةَ دعا البهي، فَقَالَ: من مولاك؟ فَقَالَ: رَسُول اللَّهِ، فضربه مائة سوط، وقال: مولى من أنت! قَالَ: مولى رَسُول اللَّهِ، فضربه مائة سوط، فلم يزل يفعل به ذَلِكَ كلما سأله: مولى من أنت؟ قَالَ:
مولى رسول الله، حتى ضربه خمسمائة سوط، ثُمَّ قَالَ: مولى من أنت؟
قَالَ: مولاكم، فلما قتل عبد الملك عمرو بْن سعيد قَالَ البهي بْن أبي رافع:
صحَّت ولا شلَّت وضرّت عدوها *** يمين هراقت مهجه ابن سعيد
هو ابن ابى العاصي مرارا وينتمي *** إلى أسرة طابت لَهُ وجدود
وسلمان الفارسي- وكنيته أبو عبد الله من أهل قرية إصبهان، ويقال:
إنه من قرية رامهرمز، فأصابه أسر من بعض كلب، فبيع من بعض اليهود بناحية وادي القرى، فكاتب اليهودي، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حَتَّى عتق وقال بعض نسابه الفرس: سلمان من كور سابور، واسمه ما به بْن بوذخشان بْن ده ديره وسفينة- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لأم سلمة فأعتقته، واشترطت عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، قيل: إنه أسود، واختلف فِي اسمه، فَقَالَ بعضهم: اسمه مهران، وقال بعضهم: اسمه رباح، وقال بعضهم: هو من عجم الفرس، واسمه سبيه بْن مارقيه، وأنسة يكنى أبا مسرح، وقيل: أبا مسروح كان من مولدي السراة، وكان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: أصله من عجم الفرس، كانت أمه حبشية وأبوه فارسيا قَالَ: واسم أبيه بالفارسيه كردوى ابن أشرنيده بْن أدوهر بْن مهرادر بْن كحنكان من بني مهجوار بْن يوماست.
وأبو كبشة- واسمه سليم، قيل إنه كان من مولدي مكة، وقيل: من مولدي أرض دوس، ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، فشهد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بدرا وأحدا والمشاهد توفى في أول يوم استخلف فيه عمر بْن الْخَطَّاب، سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وأبو مويهبة- قيل: إنه كان من مولدي مزينة، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
ورباح الأسود- كان يأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفضالة- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل- فيما ذكر- الشام.
ومدعم- مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كان عبدا لرفاعة ابن زيد الجذامي، فوهبه لرسول الله، فقتل بوادي القرى، يوم نزل بهم رَسُول اللَّهِ، أتاه سهم غرب فقتله.
وأبو ضميرة- كان بعض نسابة الفرس زعم أنه من عجم الفرس، من ولد كشتاسب الملك، وأن اسمه واح بن شيرز بن بيرويس بن تاريشمه ابن ماهوش بن باكمهيز وذكر بعضهم أنه كان ممن صار فِي قسم رَسُول اللَّهِ فِي بعض وقائعه، فأعتقه، وكتب له كتابا بالوصية، وهو جد حسين بن عبد الله بْن أبي ضميرة، وأن ذَلِكَ الكتاب فِي أيدي ولد ولده وأهل بيته، وأن حسين بْن عبد الله هذا قدم على المهدي ومعه ذَلِكَ الكتاب، فأخذه المهدي فوضعه على عينيه، ووصله بثلاثمائة دينار.
ويسار- وَكَانَ فيما ذكر نوبيا، كان فيما وقع في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي بعض غزواته فأعتقه، وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح رَسُول اللَّهِ.
ومهران- حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان له خصى يقال له مابور- كان المقوقس أهداه إليه مَعَ الجاريتين اللتين يقال لإحداهما مارية، وهي التي تسري بِهَا والأخرى سيرين وهي التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بْن ثابت، لما كان من جناية صفوان بْن المعطل عليه، فولدت لحسان ابنه عبد الرحمن بْن حسان وَكَانَ المقوقس بعث بهذا الخصي مَعَ الجاريتين اللتين أهداهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليوصلهما اليه، ويحفظهما من الطريق حتى متصلا إليه وقيل:
إنه الذي قذفت مارية به، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأمره بقتله، فلما رأى عليا وما يريد به تكشف حَتَّى تبين لعلي أنه أجب لا شيء معه مما يكون مَعَ الرجال، فكف عنه علي وخرج إليه من الطَّائِف- وهو محاصر أهلها- أعبد لهم أربعة، فاعتقهم صلى الله عليه وسلم، منهم ابو بكر.
ذكر من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر أن عثمان بْن عفان كان يكتب لَهُ أحيانا، وأحيانا علي بْن أبي طالب، وخالد بْن سعيد، وأبان بْن سعيد، والعلاء بن الحضرمى.
قيل: أول من كتب لَهُ أبي بْن كعب، وَكَانَ إذا غاب أبي كتب لَهُ زيد بْن ثابت.
وكتب لَهُ عبد الله بْن سعد بْن أبي سرح، ثُمَّ ارتد عن الإسلام، ثُمَّ راجع الإسلام يوم فتح مكة.
وكتب لَهُ معاوية بْن أبي سفيان، وحنظلة الأسيدي.
أسماء خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرَسٌ ابْتَاعَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ بِعَشْرِ أَوَاقٍ، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَ الأَعْرَابِيَّ الضَّرِسَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ السَّكْبَ، وَكَانَ أَوَّلَ ما غزا عليه أحدا، لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فَرَسٌ غَيْرُهُ، وَفَرَسٌ لأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، يُقَالُ لَهُ مُلاوِحٌ.
حدثني الحارث، قَالَ: أخبرنا ابن سعد، قَالَ: أخبرنا محمد بْن عمر، قَالَ: سألت محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن المرتجز، فَقَالَ: هو الفرس الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد لَهُ فيه خزيمة بْن ثابت، وَكَانَ الأعرابي من بني مرة.
حدثني الحارث قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة افراس: لزاز، والظرب، واللخيف، فاما لزاز فاهداه له المقوقس، واما اللخيف فَأَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي الْبَرَاءِ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ فَرَائِضَ مِنْ نِعَمِ بَنِي كِلابٍ، وَأَمَّا الظرب فاهداه له فروه ابن عَمْرٍو الْجُذَامِيُّ وَأَهْدَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ فَرَسًا يُقَالُ لَهُ: الْوَرْدُ، فَأَعْطَاهُ عُمَرَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يَنْبَاع.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْخَيْلِ فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اليعسوب.
ذكر أسماء بغال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كانت دلدل بغله النبي صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ بَغْلَةٍ رُئِيَتْ فِي الإِسْلامِ، أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَأَهْدَى لَهُ مَعَهَا حِمَارًا يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَكَانَتِ الْبَغْلَةُ قَدْ بَقِيَتْ حَتَّى كَانَ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ.
حدثني الحارث، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال:
أخبرنا معمر، عن الزهري، قَالَ: دلدل أهداها لَهُ فروة بْن عمرو الجذامي.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ زَامِلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَهْدَى فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الى النبي صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً يُقَالُ لَهَا فِضَّةٌ، فَوَهَبَهَا لأَبِي بَكْرٍ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ، فَنَفَقَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ذكر أسماء ابله صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: كانت الْقَصْوَاءُ مِنْ نَعَمِ بَنِي الْحُرَيْشِ، ابْتَاعَهَا أَبُو بكر واخرى معها بثمانمائه درهم، وأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعمائة، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى نَفَقَتْ، وَهِيَ الَّتِي هَاجَرَ عليها، وكانت حين قدم رسول الله الْمَدِينَةَ ربَاعِيَّةً، وَكَانَ اسْمُهَا الْقَصْوَاءَ وَالْجَدْعَاءَ وَالْعَضْبَاءَ.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذئب، عن يحيى بْن يعلى، عن ابن المسيب، قَالَ:
كان اسمها العضباء، وَكَانَ فِي طرف أذنها جدع.
ذكر أسماء لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ابى رافع، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لِقَاحٌ، وَهِيَ الَّتِي أَغَارَ عَلَيْهَا الْقَوْمَ بِالْغَابَةِ، وَهِيَ عِشْرُونَ لُقْحَةً، وَكَانَتِ الَّتِي يَعِيشُ بِهَا اهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَاحُ إِلَيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ بَقِرْبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ لَبَنٍ فِيهَا لِقَاحٌ غِزَارٌ: الْحَنَّاءُ، وَالسَّمُرَاءُ، وَالْعِرِّيسُ، وَالسَّعْدِيَّةُ، وَالْبَغُومُ، وَالْيَسِيرَةُ، وَالرَّيَّا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُوَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ عَيْشُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ اللَّبَنَ- أَوْ قَالَتْ أَكْثَرَ عَيْشِنَا- كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ لِقَاحٌ بِالْغَابَةِ كَانَ قَدْ فَرَّقَهَا عَلَى نِسَائِهِ، فَكَانَتْ فِيهَا لِقْحَةٌ تُدْعَى الْعِرِّيسَ، وَكُنَّا مِنْهَا فِيمَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَتْ لِعَائِشَةَ لِقْحَةٌ تُدْعَى السَّمُرَاءَ غَزِيرَةٌ، لَمْ تَكُنْ كَلِقْحَتِي، فَقَرَّبَ رَاعِيهِنَّ اللِّقَاحَ إِلَى مَرْعًى بِنَاحِيَةِ الْجَوَّانِيَّةِ، فَكَانَتْ تَرُوحُ عَلَى أَبْيَاتِنَا فَنُؤْتَى بِهِمَا فَتُحْلَبَانِ، فَتُوجَدُ لِقْحَتُهُ أَغْزَرَ مِنْهُمَا بِمِثْلِ لَبَنِهِمَا أَوْ أَكْثَرَ.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَائِحُ تَكُونُ بِذِي الْجَدْرِ، وَتَكُونُ بِالْجَمَّاءِ، فَكَانَ لبنها يؤوب إِلَيْنَا، لِقْحَةٌ تُدْعَى مُهْرَةً، أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ نَعَمِ بَنِي عُقَيْلٍ وَكَانَتْ غَزِيرَةً، وَكَانَتِ الرَّيَّا وَالشَّقْرَاءُ ابْتَاعَهُمَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَكَانَتْ بُرْدَةُ، وَالسَّمُرَاءُ، وَالعِرِّيسُ، وَالْيَسِيرَةُ، وَالْحَنَّاءُ، يُحْلَبْنَ وَيُرَاحُ إِلَيْهِ بِلَبَنِهِنَّ كُلَّ ليله، وكان فيها غلام للنبي صلى الله عليه وسلم اسْمُهُ يَسَارٌ، فَقَتَلُوهُ.
ذكر أسماء منائح رَسُول الله صلى الله عليه سلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنى زكرياء بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ وَلَدِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، قَالَ: كَانَتْ منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم سَبْعًا: عَجْوَةُ، وَزَمْزَمُ، وَسُقْيَا، وَبَرَكَةُ، وَوَرَسَةُ، وَأَطْلالُ، وَأَطْرَافُ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قال: أخبرنا محمد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم سَبْعَ أَعْنُزِ مَنَائِح، يَرْعَاهُنَّ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ.
ذكر أسماء سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: أَصَابَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سِلاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثَلاثَةَ أَسْيَافٍ: سَيْفًا قَلَعِيًّا، وَسَيْفًا يُدْعَى بَتَّارًا، وَسَيْفًا يُدْعَى الْحَتْفَ، وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُخَذِّمُ وَرَسُوبٌ، أَصَابَهُمَا من الفلس وقيل انه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومعه سيفان، يقال لأحدهما: القضيب، شَهِدَ بِهِ بَدْرًا، وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، كَانَ لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ.
ذكر أسماء قسيه ورماحه صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سِلاحِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ ثَلاثَةَ أَرْمَاحٍ وَثَلاثَ قِسِيٍّ: قَوْسُ الرَّوْحَاءِ، وَقَوْسُ شَوْحَطٍ، تُدْعَى الْبَيْضَاءَ، وقوس صفراء تدعى الصفراء من نبع.
ذكر أسماء دروعه صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سِلاحِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ دِرْعَينِ، دِرْعٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدِيَّةُ، وَدِرْعٌ يُقَالُ لَهَا فِضَّةٌ.
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حدثني ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: رايت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَيْنِ: دِرْعَهُ ذَاتُ الْفُضُولِ وَدِرْعَهُ فِضَّةُ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ خَيْبَرَ دِرْعَيْنِ: ذَاتَ الْفُضُولِ وَالسَّعْدِيَّةَ.
ذكر ترسه صلى الله عليه وسلم
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يزيد ابن جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَكْحُولا يَقُولُ: كَانَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تُرْسٌ فِيهِ تِمْثَالُ رَأْسِ كَبْشٍ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَانَهُ، فَأَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ أَذْهَبَهُ اللَّهُ عز وجل.
ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي الْمَسْعُودِيَّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَا.
قَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَالْمَلْحَمَةِ.
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ- عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْعَاقِبُ، والماحى».
قال الزهري: العاقب: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَالْمَاحِي: الَّذِي يَمْحُو الله به الكفر.
حدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ، أَخْبَرَنَا سفيان ابن حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمَاحِي، وَالْعَاقِبُ، وَالْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» قَالَ يَزِيدُ: فَسَأَلْتُ سُفْيَانَ: مَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: آخر الأنبياء.
ذكر صفه النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنى ابن المثنى، قال: حدثنى ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نافع بن جبير، عن على ابن ابى طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ الْحُمْرَةَ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ- لَمْ يُسَمِّهِ- أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مُحْتَبٍ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ، فَقَالَ: انْعَتْ لِي نَعْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ سَبْطَ الشَّعَرِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، ذَا وَفْرَةٍ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، كَانَ لَهُ شَعَرٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَمْ يَكُنْ فِي إِبْطِهِ وَلا صَدْرِهِ شَعَرٌ غَيْرُهُ، شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْقَلِعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ، وَلا الْعَاجِزِ وَلا اللَّئِيمِ، كَأَنَّ الْعَرَقَ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، لَمْ أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُقَدَّمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَبُو زُكَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَذْكُرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ، لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ، وَلَمْ يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلا الْقَصِيرِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلا الآدَمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلا السَّبْطِ.
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا بقي احد راى رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرِي، قَالَ: وَقُلْتُ: أَرَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ صِفَتُهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا.
ذكر خاتم النبوة التي كانت به صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ، قَالَ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا زَيْدٍ، ادْنُ مِنِّي امْسَحْ ظَهْرِي» – وَكَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ- قَالَ: فَمَسَسْتُ ظَهْرَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ إِصْبَعِي عَلَى الْخَاتَمِ فَغَمَزْتُهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْخَاتَمُ؟ قَالَ: شَعْرٌ مُجَمَّعٌ كَانَ عَلَى كَتِفَيْهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَضَّاحِ أَبُو الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنِ الْخَاتَمِ الَّتِي كَانَتْ للنبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ كَانَتْ بَضْعَةٌ نَاشِزَةً.
ذكر شجاعته وجوده صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ نبى الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، وَأَسْمَحِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ، لَقَدْ كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَإِذَا هُمْ قَدْ تَلَقُّوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ لأَبِي طَلْحَةَ، مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، وَعَلَيْهِ السَّيْفُ: قَالَ: وَقَدْ كَانَ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا الناس، لم تراعوا، لم تُرَاعُوا!» مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا طَلْحَةَ، وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، وَقَدْ كَانَ الْفَرَسُ يبطَّأ»، فَمَا سَبَقَهُ فَرَسٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ انس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَخَرَجَ النَّاس قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَبْرَأَ الْفَزَعَ عَلَى فرس لأبي طلحه عرى، ما عليه سرج، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» – أَوْ قال: «وانه لبحر».
ذكر صفه شعره صلى الله عليه وسلم وهل كان يخضب أم لا
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ مُعَاذٌ: وَمَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أُفَضِّلُهُ عَلَيْه، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ من بين اصحابى: ارايت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أَشَيْخًا كَانَ؟ قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَنْفَقَتِهِ، وَقَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعْرٌ أَبْيَضُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جحيفه، قال: رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْفَقَتُهُ بَيْضَاءُ، قِيلَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ يَا أَبَا جُحَيْفَةَ؟ قَالَ: أَبْرِي النَّبْلَ وَأَرِيشُهَا حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: أَخَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: لَمْ يشتد برسول الله الشَّيْبُ، وَلَكِنْ خَضَّبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وخضب عمر بالحناء.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سئل انس: هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَمْ يُرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلا نَحْوٌ مِنْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدِّمِ لِحْيَتِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُشَنْ بِالشَّيْبِ، فَقِيلَ لأَنَسٍ: وَشَيْنٌ هُوَ! قَالَ: كُلُّكُمْ يَكْرَهُهُ، وَلَكِنْ خَضَّبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وخضب عمر بالحناء.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنِ الشيب الذى بالنبي صلى الله عليه وسلم عِشْرِينَ شَعْرَةً.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: مَا كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّيْبِ إِلا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَهَنَهُ غَطَّاهُنَّ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: دَخَلَتْ زوج النبي صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرِ بْنِ الْكُرْدِيِّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ حُمْرَةَ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رمثه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَكَانَ يَبْلُغُ شَعْرُهُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ- الشَّكُّ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ.
حدثنا ابن الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ نَافِعٍ- عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أم هاني، قالت: رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَهُ ضَفَائِرُ أَرْبَعٌ.
ذكر الخبر عن بدء مرض رسول الله الذي توفي فيه وما كان منه قبيل ذلك لما نعيت اليه نفسه صلى الله عليه وسلم
قَالَ أبو جعفر: يقول الله عز وجل: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر: 1-3] قد مضى ذكرنا قبل ما كان من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه- فِي حجته التي حجها المسماة حجة الوداع، وحجة التمام، وحجة البلاغ- مناسكهم ووصيته إياهم، بما قد ذكرت قبل فِي خطبته التي خطبها بهم فيها.
ثُمَّ إن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من سفره ذَلِكَ بعد فراغه من حجه إلى منزله بالمدينة فِي بقية ذي الحجة، فأقام بِهَا ما بقي من ذي الحجة والمحرم والصفر.