[أخبار]
في صفر لحقت المطيع لله سكنه، استرخى فيها جانبه الأيمن، وثقل لسانه، وفيه توفى ابو الفضل محمد بن الحسين بن العميد، كاتب ركن الدولة، …
فاستكتب مكانه أبا الفتح، ووالده ابو عبد الله العميد، كان يكتب لمرداويج بن زيار، ولأخيه وشمكير.
ورتب ركن الدولة أبا الفضل بن العميد، مع عضد الدولة، فهذبه وأدبه، ثم تغير عليه، فحلف الا يقيم بفارس، ومضى الى ركن الدولة، ومات بالري، وقدم عليه المتنبى وهو بارجان فمدحه بقصيدته التي أولها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا *** وبكاك ان لم تجر دمعك او جرى
ومنها:
فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا *** ودعاك خالقك الرئيس الاكبرا
خلفت صفاتك في العيون كلامه *** كالخط يملا مسمعى من أبصرا
– قال ابن جنى: اى، فكما ان الخط يقوم لقارئه مقام ما تسمعه اذنه، فكذلك ما يشاهد من فضلك، يقوم مقام خالقك
من مبلغ الاعراب انى بعدها *** شاهدت رسطاليس والاسكندرا
ومللت نحر عشارها فاضافنى *** من ينحر البدر النضار إذا قرى
وسمعت بطليموس دارس كتبه *** متملكا متبديا متحضرا
اى جمع الملوكيه والبدوية والحضريه، ونصب دارس على الحال.
ولقيت كل الفاضلين كأنما *** رد الإله نفوسهم والاعصرا
اى اجتمع في زمانه الفضلاء المتقدمون
نسقوا لنا نسق الحساب مقدما *** واتى فذلك إذ اتيت مؤخرا
– اى مضوا مثل الحساب الذى يذكر تفاصيله، ثم يقال في الأخير: والجميع كذا، فلما جئت أنت آخرهم، كنت كأنك جمله التفصيل
يا ليت باكيه شجاني دمعها *** نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
شجاني أحزنني، يقول: ليت من بكى لفراقك، نظر إليك فيعذرنى، ونصب فتعذر على التمنى.
وترى الفضيلة لا ترد فضيله *** الشمس تشرق والسحاب كنهورا
الكنهور: القطع من السحاب، اى وترى الفضيلة فيك مشرقه، غير مشكوك فيها، كما ترى الشمس إذا اشرقت، والسحاب إذا كثر، ونصب الشمس والسحاب بفعل مضمر تقديره: ترى برؤية فضائلك الشمس والسحاب، ونصب فضيله على الحال
انا من جميع الناس اطيب منزلا *** واسر راحله واربح متجرا
ووصله ابن العميد لهذه القصيده، بثلاثة آلاف دينار.
وقال يودعه من قصيده:
تفضلت الأيام بالجمع بيننا *** فلما حمدنا لم تدمنا على الحمد
– اى لم تدم على حمدنا، وجعل الحمد منها جميعا، لان كل واحد منا أحب لقاء صاحبه وكره فراقه-
جعلن وداعي واحدا لثلاثة *** جمالك والعلم المبرح والمجد
المبرح: الذى يكشف حقائق الأمور من قولهم: برح الخفاء، اى انكشف الأمر-
وقد كنت أدركت المنى غير اننى *** يعيرني اهل بإدراكها وحدي
اى كل من يشاركني في السرور بقدومى يرى ما افدتنيه.
فجد لي بقلب ان رحلت فاننى *** مخلف قلبي عند من فضله عندي
قال ابن الصابى: قيل ان مما نفق به ابن العميد على ركن الدولة، ان ركن الدولة اراد ان يحدث بناء بالري، واختار له موضعا، وكانت فيه شجره، ذات استداره عظيمه، وعروق نازله متشعبه، فقدر لقلعها واخراج عروقها جمله كثيره، ولم تقع ثقته بأنها تستأصل استئصالا قاطعا، فقال ابن العميد: انا اكفى الأمير هذه الكلفه، واقطع هذه الشجرة بعروقها بأهون شيء، في اقرب أمد، واقل عدد.
فاستبعد ذلك ركن الدولة، وقال من طريق الإزراء: افعل، فاستدعى حبالا وأوتادا وسلك هذا السلك المعروق في جر الثقيل، فلما رتب ما رتبه، ونصب ما نصبه، اقام نفرا قليلا حتى مدوا، ومنع ان يقف احد على جربان كثيره من الشجرة، بحسب ما قدره من وشوج أصولها ورسوخ عروقها.
ووقف ركن الدولة في موكبه ينظر، فما راعهم الا تزعزع الارض وانفتاحها وانقلاب قطعه كبيره منها، وسقوط الشجرة منسله بجميع عروقها، فتعجب ركن الدولة من ذلك، واستظرفه واستعظمه، ونظر الى ابى الفضل بعين الجلاله.
وهذا امر لا يعظم عند من يعرف الحيله فيه، والطريق المقصود اليه.
ومن شعر ابن العميد يذكر حال حبيب له بعد:
هبيه كما قال العذول هبيه *** اما آن ان تغضى العواذل فيه
دعيه ولا ترضى لإتلاف جسمه *** أفانين ان لم تفنه ستريه
إذ اعتلقت كفى خليلا تعرضت *** له نوب الأيام تسلبنيه
وفي شهر ربيع الاول وصل ابو الحسن على بن عمرو بن ميمون، وقد ثبتت وكالته عند القاضى ابى محمد بن معروف بن ابى تغلب، وتزوج له بنت عز الدولة بختيار، ومنها ثلاث سنين على صداق مائه الف دينار، وكناه الخليفة أبا تغلب، وجدد له ضمان الموصل، وسائر اعماله بديار ربيعه ومضر في كل سنه بألف الف ومائتي الف درهم.
ووصل ابن عمرو الى المطيع لله مع ابى عمر محمد بن فسانحس الخازن، حتى سلم اليه الخلع لصاحبه والسيف.
وانحدر الوزير ابو الفرج الى الاهواز، فشرع ابو الفضل الشيرازى في الوزارة، فتم ذلك له.
وانفذ عز الدولة بمن قبض على ابى الفرج بالاهواز، وقبض على أخيه ابى محمد الخازن ببغداد، واطلق أبا الفضل من اعتقاله بدار ابى الفرج، فكانت وزارة ابى الفرج ثلاثة عشر شهرا وثلاثة ايام.
وزارة ابى الفضل العباس ابن الحسن الشيرازى الثانيه
قال التنوخي: كنا جلوسا في دار ابى الفضل الثانيه، ننتظر خروجه حتى يخلع عليه، وكان معنا ابن الحجاج، صاحب السفه في شعره، فانشدنا مديحا لأبي الفضل منه:
يا سيدا طلعته لم تزل *** أشهى الى عيني من النوم
لم تظلم القوم وحاشاك ان *** تنسب في الظلم الى القوم
جازيتهم مثل الذى اسلفوا *** في الدار والمجلس واليوم
وكان معنا ابن زنجى حاضرا، فانشدنا ابيات ابن رزيق:
انا لقينا حجابا منك أعرضنا *** فلا يكن ذلنا فيه لك الغرضا
فاسمع مقالي ولا تغضب على فما *** ابغى بنصحك لا مالا ولا عرضا
الشكر يبقى ويفنى ما سواه فكم *** سواك قد نال ملكا فانقضى ومضى
في هذه الدار في هذا الرواق على *** هذى الوساده كان العز فانقرضا
وهذه الأبيات قالها ابو محمد بن زريق، وقد اتى الى باب الكوفى، وقد استكتبه بجكم، وعزل ابن شيرزاد، وانزل الكوفى دار ابن طومار بخان ابى زياده، وكانت من قبل ديوانا لابن شيرزاد، فجاء ابن زريق فحجب عن الكوفى، فقال لحاجبه حين انشده الأبيات: ويلك! اما كان له أسوة بمن دخل، ولكنك اردت ان يمزق عرضي، ويواجهنى به، ورفق بابن زريق، ولم يزل به حتى جلس ورضى.
وفي رجب، تقلد ابن معروف قضاء القضاه.
وانحدر عز الدولة والوزير ابو الفضل لمحاربه عمران، واقام ابو الفضل لحربه.
ولابن الحجاج في ذلك، وقد كسر عمران عسكر الوزير غير مره، انشدنى ذلك شرف المعالى ابن أيوب، وكان احسن الرؤساء محاضره، واجملهم معاشره، وكم له من مكارم أجزلها وكم لبيته من مناقب اثلها:
ان عمران مذ نشا النصر فينا *** قد صفعنا قفاه حتى عمينا
قال قوم حرم من صفعوه *** قلت لا بل حرم من يعنينا
في ابيات.
وقام ابو الفضل يحارب عمران سنه، حتى ملك تله، فانتقل عمران الى هوكولان.
وفي هذه السنه قبض على ابى قره بالجامده، وحمل الى جنديسابور، فمات تحت المطالبه، وكان قد نقل القبه التي على قبر الوزير القاسم بن عبيد الله، وهي قبة مشهوره بالشؤم، ونصبها على مجلس في داره، وكان القاسم قد تنوق في عملها، ودفن تحتها حين تمت.