خبر هارون الشاري والظفر به، فمن ذلك ما كان من شخوص المعتضد لثلاث عشره بقيت من المحرم منها- بسبب الشاري هارون- الى ناحيه …
الموصل، فظفر به، وورد كتاب المعتضد بظفره به الى مدينه السلام يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الاول وكان سبب ظفره به انه وجه الحسين بن حمدان بن حمدون في جماعه من الفرسان والرجاله من اهل بيته وغيرهم من اصحابه اليه، وذكر ان الحسين بن حمدان قال للمعتضد: ان انا جئت به الى امير المؤمنين فلي ثلاث حوائج الى امير المؤمنين، فقال: اذكرها، قال: أولها اطلاق ابى، وحاجتان اساله إياهما بعد مجيئي به اليه فقال له المعتضد: لك ذلك فامض، فقال الحسين: احتاج الى ثلاثمائه فارس انتخبهم، فوجه المعتضد معه ثلاثمائه فارس مع موشكير، فقال: اريد ان يأمره امير المؤمنين الا يخالفني فيما آمره به، فامر المعتضد موشكير بذلك.
فمضى الحسين حتى انتهى الى مخاضه دجلة، فتقدم الى وصيف ومن معه بالوقوف على المخاضة، وقال له: ليس لهارون طريق ان هرب غير هذا، فلا تبرحن من هذا الموضع حتى يمر بك هارون، فتمنعه العبور، وأجيئك انا، او يبلغك انى قد قتلت ومضى حسين في طلب هارون فلقيه وواقعه، وكانت بينهما قتلى، وانهزم الشاري هارون، واقام وصيف على المخاضة ثلاثة ايام، فقال له اصحابه: قد طال مقامنا بهذا المكان القفر، وقد أضر ذلك بنا، ولسنا نامن ان يأخذ حسين الشاري فيكون الفتح له دوننا، والصواب ان نمضي في آثارهم، فاطاعهم ومضى وجاء هارون الشاري منهزما الى موضع المخاضة، فعبر، وجاء حسين في اثره، فلم ير وصيفا واصحابه بالموضع الذى تركهم فيه، ولا عرف لهارون خبرا، ولا راى له أثرا، وجعل يسأل عن خبر هارون حتى وقف على عبوره، فعبر في اثره، وجاء الى حي من احياء العرب، فسألهم عنه فكتموه امره، فاراد ان يوقع بهم، واعلمهم ان المعتضد في اثره، فاعلموه انه اجتاز بهم، فاخذ بعض دوابهم، وترك دوابه عندهم- وكانت قد كلت واعيت- واتبع اثره، فلحقه بعد ايام والشاري في نحو من مائه، فناشده الشاري، وتوعده، فأبى الا محاربته، فحاربه، فذكر ان حسين ابن حمدان رمى بنفسه عليه، فابتدره اصحاب حسين فاخذوه، وجاء به الى المعتضد سلما بغير عقد ولا عهد، فامر المعتضد بحل قيود حمدان بن حمدون، والتوسعه عليه والاحسان اليه ان يقدم فيطلقه ويخلع عليه، فلما اسر الشاري، وصار في يد المعتضد، انصرف راجعا الى مدينه السلام، فوافاها لثمان بقين من شهر ربيع الاول، فنزل باب الشماسيه، وعبا الجيش هنالك، وخلع المعتضد على الحسين بن حمدان، وطوقه بطوق من ذهب، وخلع على جماعه من رؤساء اهله، وزين الفيل بثياب الديباج، واتخذ للشارى على الفيل كالمحفة، واقعد فيها، والبس دراعه ديباج، وجعل على راسه برنس حرير طويل.
ولعشر بقين من جمادى الاولى منها، امر المعتضد بالكتاب الى جميع النواحي برد الفاضل من سهام المواريث على ذوى الارحام، وابطال ديوان المواريث، وصرف عمالها، فنفذت الكتب بذلك، وقرئت على المنابر وفيها خرج عمرو بن الليث الصفار من نيسابور، فخالفه رافع بن هرثمة إليها، فدخلها وخطب بها لمحمد بن زيد الطالبي وابيه، فقال: اللهم اصلح الداعي الى الحق، فرجع عمرو الى نيسابور، فعسكر خارج المدينة، وخندق على عسكره لعشر خلون من شهر ربيع الآخر، فأقام محاصرا اهل نيسابور.
وفي يوم الاثنين لاربع خلون من جمادى الآخرة منها، وافى بغداد محمد ابن إسحاق بن كنداجيق وخاقان المفلحى ومحمد بن كمشجور المعروف ببندقه وبدر بن جف أخو طغج وابن حسنج في جماعه من القواد من مصر في الامان.
وذكر ان سبب مجيئهم الى المعتضد في الامان كان انهم أرادوا ان يفتكوا بجيش بن خمارويه بن احمد بن طولون، فسعى بهم اليه، وكان راكبا، وكانوا في موكبه، وعلموا انه قد وقف على امرهم، فخرجوا من يومهم وسلكوا البريه، وتركوا أموالهم وأهاليهم، فتاهوا أياما، ومات منهم جماعه من العطش، وخرجوا على طريق مكة فوق الكوفه بمرحلتين او ثلاثة ووجه السلطان محمد بن سليمان صاحب الجيش الى الكوفه حتى كتب اسماءهم، وأقيمت لهم الوظائف من الكوفه، فلما قربوا من بغداد، خرجت اليهم الوظائف والخيم والطعام، ووصلوا الى المعتضد يوم دخلوا، فخلع عليهم، وحمل كل قائد منهم على دابه بسرجه ولجامه، وخلع على الباقين، وكان عددهم ستين رجلا.
وفي يوم السبت لاربع عشره بقيت منها شخص الوزير عبيد الله بن سليمان الى الجبل لحرب ابن ابى دلف بأصبهان.
خبر حصر الصقالبه القسطنطينية
وفيها- فيما ذكر- ورد كتاب من طرسوس ان الصقالبه غزت الروم في خلق كثير، فقتلوا منهم وخربوا لهم قرى كثيره حتى وصلوا الى قسطنطينيه والجئوا الروم إليها، واغلقت أبواب مدينتهم، ثم وجه طاغيه الروم الى ملك الصقالبه ان ديننا ودينكم واحد، فعلام نقتل الرجال بيننا! فأجابه ملك الصقالبه ان هذا ملك آبائى، ولست منصرفا عنك الا بغلبه أحدنا صاحبه، فلما لم بحد ملك الروم خلاصا من صاحب الصقالبه، جمع من عنده من المسلمين، فأعطاهم السلاح، وسألهم معونته على الصقالبه، ففعلوا، وكشفوا الصقالبه، فلما راى ذلك ملك الروم خافهم على نفسه، فبعث اليهم فردهم، وأخذ منهم السلاح، وفرقهم في البلدان، حذرا من ان يجنوا عليه.
خلاف جند جيش بن خمارويه عليه
وللنصف من رجب من هذه السنه ورد الخبر من مصر ان الجند من المغاربه والبربر وثبوا على جيش بن خمارويه، وقالوا: لا نرضى بك أميرا علنيا فتنح عنا حتى نولي عمك، فكلمهم كاتبه على بن احمد الماذرائى، وسألهم ان ينصرفوا عنه يومهم ذلك، فانصرفوا وعادوا من غد، فعدا جيش على عمه الذى ذكروا انهم يؤمرونه، فضرب عنقه وعنق عم له آخر، ورمى بارؤسهما اليهم، فهجم الجند على جيش بن خمارويه، فقتلوه وقتلوا أمه وانتهبوا داره، وانتهبوا مصر وأحرقوها، واقعدوا هارون بن خمارويه مكان أخيه.
وفي رجب منها امر المعتضد بكرى دجيل والاستقصاء عليه، وقلع صخر في فوهته كان يمنع الماء، فجبى لذلك من ارباب الضياع والاقطاعات اربعه آلاف دينار، وكسر- فيما ذكر- وانفق عليه، وولى ذلك كاتب زيرك وخادم من خدم المعتضد.
ذكر الفداء بين المسلمين والروم
وفي شعبان منها، كان الفداء بين المسلمين والروم على يدي احمد بن طغان.
وذكر ان الكتاب الوارد بذلك من طرسوس كان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم:
اعلمك ان احمد بن طغان نادى في الناس يحضرون الفداء يوم الخميس لاربع خلون من شعبان سنه ثلاث وثمانين ومائتين، وانه قد خرج الى لامس- وهو معسكر المسلمين- يوم الجمعه لخمس خلون من شعبان، وامر الناس بالخروج معه في هذا اليوم، فصلى الجمعه، وركب من مسجد الجامع ومعه راغب ومواليه، وخرج معه وجوه البلد والموالي والقواد والمطوعة باحسن زي، فلم يزل الناس خارجين الى لامس الى يوم الاثنين لثمان خلون من شعبان، فجرى الفداء بين الفريقين اثنى عشر يوما، وكانت جمله من فودى به من المسلمين من الرجال والنساء والصبيان الفين وخمسمائة واربعه انفس، واطلق المسلمون يوم الثلاثاء لسبع بقين من شعبان سميون رسول ملك الروم، واطلق الروم فيه يحيى بن عبد الباقى رسول المسلمين المتوجه في الفداء، وانصرف الأمير ومن معه.
وخرج- فيما ذكر- احمد بن طغان بعد انصرافه من هذا الفداء في هذا الشهر في البحر، او خلف دميانه على عمله على طرسوس، ثم وجه بعده يوسف ابن الباغمردى على طرسوس ولم يرجع هو إليها.
ذكر امر المعتضد مع عمر بن عبد العزيز بن ابى دلف وأخيه بكر
وفي يوم الجمعه لعشر خلون من شهر رمضان من هذه السنه قرئ كتاب على المنبر بمدينه السلام في مسجد جامعها، بان عمر بن عبد العزيز بن ابى دلف صار الى بدر وعبيد الله بن سليمان في الامان يوم السبت لثلاث بقين من شعبان سامعا مطيعا منقادا لأمير المؤمنين، مذعنا بالطاعة والمصير معهما الى بابه، وان عبيد الله بن سليمان خرج اليه فتلقاه، وصار به الى مضرب بدر، فاخذ عليه وعلى اهل بيته واصحابه البيعه لأمير المؤمنين، وخلع عليه بدر وعلى الرؤساء من اهل بيته، وانصرفوا الى مضرب قد اعد لهم، وكان قبل ذلك قد دخل بكر بن عبد العزيز في الامان على بدر وعبيد الله بن سليمان، فولياه عمل أخيه عمر، على ان يخرج اليه ويحاربه، فلما دخل عمر في الامان قالا لبكر: ان اخاك قد دخل في طاعه السلطان، وانما كنا وليناك عمله على انه عاص، والان فأمير المؤمنين اعلى عينا فيما يرى من أمركما، فامضيا الى بابه.
وولى عيسى النوشرى أصبهان، واظهر انه من قبل عمر بن عبد العزيز، فهرب بكر بن عبد العزيز في اصحابه، فكتب بذلك الى المعتضد، فكتب الى بدر يأمره بالمقام بموضعه الى ان يعرف خبر بكر وما اليه يصير امره، فأقام وخرج الوزير عبيد الله بن سليمان الى ابى محمد على بن المعتضد بالري، ولحق بكر بن عبد العزيز بن ابى دلف بالاهواز، فوجه المعتضد في طلبه وصيفا موشكير، فخرج من بغداد في طلبه حتى بلغ حدود فارس، وقد كان لحقه- فيما ذكر- ولم يواقعه، وباتا، كل واحد منهما قريب من صاحبه، فارتحل بكر بالليل فلم يتبعه وصيف، ومضى بكر الى أصبهان، ورجع وصيف الى بغداد، فكتب المعتضد الى بدر يأمره بطلب بكر وعربه، فتقدم بدر الى عيسى النوشرى بذلك، فقال بكر بن عبد العزيز:
عنى ملامك ليس حين ملام *** هيهات احدث زائدا للوام
طارت غيايات الصبا عن مفرفى *** ومضى أوان شراستى وعرامى
القى الأحبة بالعراق عصيهم … وبقيت نصب حوادث الأيام
وتقاذفت بأخي النوى ورمت به *** مرمى البعيد قطيعه الارحام
وتشعب العرب الذين تصدعوا *** فذببت عن احسابهم بحسامى
فيه تماسك ما وهى من امرهم *** والسمر عند تصادم الأقوام
فلاقرعن صفاه دهر نابهم *** قرعا يهد رواسى الاعلام
ولاضربن الهام دون حريمهم *** ضرب القدار نقيعه القدام
ولاتركن الواردين حياضهم *** بقراره لمواطئ الاقدام
يا بدر انك لو شهدت مواقفى *** والموت يلحظ والصفاح دوامي
لذممت رأيك في اضاعه حرمتي *** ولضاق ذرعك في اطراح ذمامي
حركتنى بعد السكون وانما *** حركت من حصني جبال تهام
وعجمتنى فعجمت منى مرجما *** خشن المناكب كل يوم زحام
قل للأمير ابى محمد الذى *** يجلو بغرته دجى الاظلام
اسكنتنى ظل العلا فسكنته *** في عيشه رغد وعز نامى
حتى إذا حلئت عنه نابني *** ما نابني وتنكرت ايامى
فلأشكرن جميل ما أوليتني *** ما غردت في الأيك ورق حمام
هذا ابو حفص يدي وذخيرتي *** للنائبات وعدتى وسنامى
ناديته فأجابني، وهززته *** فهززت حد الصارم الصمصام
من رام ان يغضى الجفون على القذى *** او يستكين يروم غير مرام
ويخيم حين يرى الأسنة شرعا *** والبيض مصلته لضرب الهام
وقال بكر بن عبد العزيز يذكر هرب النوشرى من بين يديه ويعير وصيفا بالاحجام عنه ويتهدد بدرا:
قالت البيض قد تغير بكر *** وبدا بعد وصله منه هجر
ليس كالسيف مونس حين يعرو *** حادث معضل ويفدح امر
أوقدوا الحرب بيننا فاصطلوها *** ثم حاصوا، فأين منها المفر!
وبغوا شرنا فهذا أوان *** قد بدا شره ويتلوه شر
قد راى النوشرى لما التقينا *** من إذا اشرع الرماح يفر
جاء في قسطل لهام فصلنا *** صوله دونها الكماة تهر
ولواء الموشجير افضى إلينا *** رويت عند ذاك بيض وسمر
غر بدرا حلمي وفضل اناتى *** واحتمالي، وذاك مما يغر
سوف يأتينه شواذب قب *** لاحقات البطون جون وشقر
يتبارين كالسعالى عليها *** من بنى وائل اسود تكر
لست بكرا ان لم ادعهم حديثا *** ما سرى كوكب وماكر دهر
[أخبار متفرقة]
وفي يوم الجمعه لسبع خلون من شوال من هذه السنه مات على بن محمد ابن ابى الشوارب، فحمل الى سامرا من يومه في تابوت، وكانت ولايته للقضاء على مدينه ابى جعفر سته اشهر.
وفي يوم الاثنين لاربع بقين من شوال منها دخل بغداد عمر بن عبد العزيز بن ابى دلف قادما من أصبهان، فامر المعتضد- فيما ذكر- القواد باستقباله، فاستقبله القاسم بن عبيد الله والقواد، وقعد له المعتضد، فوصل اليه، وخلع عليه، وحمله على دابه بسرج ولجام محلى بذهب، وخلع معه على ابنين له وعلى ابن أخيه احمد بن عبد العزيز وعلى نفسين من قواده، وانزل في الدار التي كانت لعبيد الله بن عبد الله عند راس الجسر، وكانت قد فرشت له.
وفي هذه السنه قرئ على القواد في دار المعتضد كتاب ورد من عمرو بن الليث الصفار، بانه واقع رافع بن هرثمة وهزمه، وانه مر هاربا، وانه على أن يتبعه.
وكانت الوقعه لخمس بقين من شهر رمضان، وقرئ الكتاب يوم الثلاثاء لاثنتى عشره خلت من ذي القعده.
وفي يوم الأحد لثلاث عشره بقيت من ذي القعده، وردت خريطة- فيما ذكر- من عمرو بن الليث على المعتضد، وهو في الحلبه، فانصرف الى دار العامه، وقرئ الكتاب على القواد من عمرو بن الليث يخبر فيه انه وجه في اثر رافع بعد الهزيمة محمد بن عمرو البلخى مع قائد آخر من قواده، وقد كان رافع صار الى طوس فواقعوه، فانهزم واتبعوا اثره، فلحق بخوارزم، فقتل بخوارزم فأرسل بخاتمه مع الكتاب، وذكر انه قد حمل الرسول في امر الراس ما يخبر به السلطان.
وفي يوم الجمعه لثمان بقين من ذي القعده منها قرئت الكتب على المنابر بقتل رافع بن هرثمة.