قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عَشْرٍ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ …
بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا، فَإِنِ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلْهُمْ.
فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرُّكْبَانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُونَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا.
فَأَسْلَمَ النَّاسُ وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إِلَيْهِ، فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلِّمُهُمُ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ الله إِنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا.
ثُمَّ كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لمُحَمد النَّبِي رَسُول الله مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَرْتَنِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ أَنْ لَا أُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا قَبِلْتُ مِنْهُمْ وَعَلَّمْتُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتُهُمْ.
وَإِنِّي قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّام كَمَا أمرنى رَسُول الله، وَبَعَثْتُ فِيهِمْ رُكْبَانًا قَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا.
فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، وَأُعَلِّمُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَسُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَكْتُبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ كِتَابَكَ جَاءَنِي مَعَ رَسُولِكَ يخبر أَنَّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ وَأَجَابُوا إِلَى مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُولُهُ، وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمُ اللَّهُ بِهُدَاهُ، فَبَشِّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ وَأَقْبِلْ، وَلْيُقْبِلْ مَعَكَ وَفْدُهُمْ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ ; مِنْهُمْ قَيْسُ بن الْحصين ذُو الْغُصَّةِ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجَّلِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرَادٍ الزِّيَادِيُّ، وَشَدَّادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَنَانِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضِّبَابِيُّ.
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُمْ.
قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَأَنَّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ»؟
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ».
ثُمَّ قَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ إِذَا زُجِرُوا اسْتَقْدَمُوا» فَسَكَتُوا فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَلم يُرَاجِعهُ مِنْهُم أحد.
ثمَّ أَعَادَهَا الرَّابِعَة.
قَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا زُجِرُوا اسْتَقْدَمُوا، قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إِلَيَّ أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا لَأَلْقَيْتُ رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ».
فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاللَّهِ مَا حَمِدْنَاكَ وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا .
قَالَ: «فَمَنْ حَمِدْتُمْ»؟ قَالُوا: حَمِدْنَا اللَّهَ الَّذِي هَدَانَا بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقْتُمْ».
ثُمَّ قَالَ: «بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»؟ قَالُوا: لَمْ نَكُ نَغْلِبُ أَحَدًا.
قَالَ: «بَلَى قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ».
قَالُوا: كُنَّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّا كُنَّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَتَفَرَّقُ وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ.
قَالَ: «صَدَقْتُمْ» ثُمَّ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيَّةِ شَوَّالٍ أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعْدَةِ.
قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلَّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ لِيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمَهُمُ السُّنَّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إِلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ وَأَمَرَهُ أَمْرَهُ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي وَفْدِ مُلُوكِ حِمْيَرَ مِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ نَظِيرَ مَا سَاقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِغَيْر إِسْنَاد.
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الامراء إِلَى أهل الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع يَدعُونَهُمْ إِلَى الله عزوجل قَالَ الْبُخَارِيُّ:
بَابُ بَعْثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيمن قبل بل حجَّة الْوَدَاع.
حَدثنَا مُوسَى، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، حَدثنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ.
قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ.
قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ.
ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا».
وَانْطَلق كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ.
قَالَ: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقد اجْتمع النَّاس إِلَيْهِ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ.
قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يقتل.
قَالَ: إِنَّمَا جئ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ.
قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.
ثُمَّ نَزَلَ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا.
قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قضيت جزئي من النّوم، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدثنَا إِسْحَاق، حَدثنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: «الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ».
فَقُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ.
فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حرَام».
وَرَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا حبَان، أخبرنَا عبد الله، عَن زَكَرِيَّا بن أَبى إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أهل كتاب، فَإذْ جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأخْبرهُم أَن الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».
وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَلَّا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وقبري».
فَبكى معَاذ خشعا لِفِرَاقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ الْتَفَتَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا».
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ ; أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكب وَرَسُول الله يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ ; فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَلَّا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي».
فَبكى معَاذ خشعا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا تَبْكِ يَا مُعَاذُ، لِلْبُكَاءِ أَوَانٌ، الْبُكَاءُ مِنَ الشَّيْطَانِ».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدثنَا أَبُو زِيَادٍ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطَيْبٍ، عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِقَبْرِي وَمَسْجِدِي، فَقَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى قَوْمٍ رَقِيقَةٍ قُلُوبُهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ مَرَّتَيْنِ ; فَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ مَنْ عَصَاكَ، ثُمَّ يَفِيئُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى تُبَادِرَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَالْوَلَدُ وَالِدَهُ والاح أَخَاهُ، فَانْزِلْ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ السَّكُونِ وَالسَّكَاسِكِ».
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ إِشَارَةٌ وَظُهُورٌ وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجْتَمِعُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ ; وَكَذَلِكَ وَقَعَ، فَإِنَّهُ أَقَامَ بِالْيَمَنِ حَتَّى كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاع،ثمَّ كَانَت وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْيَمَنِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ رِجَالًا بِالْيَمَنِ يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ: «لَو كنت آمُر بَشَرًا أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَقْبَلَ مُعَاذٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: يارسول اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ رِجَالًا.
فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
فَقَدْ دَارَ عَلَى رَجُلٍ مُبْهَمٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ، فَقَالُوا: لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ كَذَلِكَ.
رَوَاهُ أَحْمد.
وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مهدى، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا مُعَاذُ أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
قَالَ وَكِيعٌ: وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي ذَرٍ، وَهُوَ السَّمَاعُ الْأَوَّلُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً عَنْ مُعَاذٍ.
ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبى شبيب، عَن معَاذ، أَنه قَالَ: يارسول اللَّهِ أَوْصِنِي.
فَقَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ وَقَالَ: حَسَنٌ.
قَالَ شَيْخُنَا فِي الاطراف: وَتَابعه فُضَيْل بن سُلَيْمَان، عَن لَيْث بن أَبى سليم، عَن الاعمش عَن حبيب بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الحصرمي، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تخرج من مَالك وَأهْلك، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهُ رَأَسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ يَحِلُّ سَخَطُ اللَّهِ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا ترفع عَنْهُم عصاك أدبا، وأحبهم فِي الله عزوجل».
وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا يُونُس، حَدثنَا بَقِيَّة، عَن السرى بن ينعم، عَن شُرَيْح، عَن مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: «إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ الله لَيْسُوا بالمتنعمين».
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، حَدثنَا أَبُو بكر – يعْنى ابْن عَيَّاش – حَدثنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: بعثنى رَسُول الله صلى الله وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ،وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا حَوْلِيًّا، وَأَمَرَنِي فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفُ الْعُشْرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَمْرٍو وَهَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَا: حَدثنَا عبد الله ابْن وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ مُعَاذًا قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا.
قَالَ هَارُونُ: وَالتَّبِيعُ: الْجَذَعُ أَوِ الْجَذَعَةُ – وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً.
فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَمَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ وَمَا بَيْنَ الثَّمَانِينَ وَالتسْعين، فأبيت ذَلِك، وَقلت لَهُم: أسأَل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنَ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنَ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنَ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنَ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبَاعٍ، وَمِنَ الْمِائَةِ مُسِنَّةٍ وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنَ الْعَشَرَةِ وَمِائَةٍ مُسِنَّتَيْنِ وَتَبِيعًا، وَمِنَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَتْبَاعٍ.
قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِك شَيْئا إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا، وَزَعَمَ أَنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا.
وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ أَحْمَدَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدِمَ بَعْدَ مَصِيرِهِ إِلَى الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا سَمْحًا مِنْ خَيْرِ شَبَابِ قَوْمِهِ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَغْلَقَ مَالَهُ، فَكلم رَسُول الله فِي أَنْ يُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ فَفَعَلَ، فَلَمْ يَضَعُوا لَهُ شَيْئًا، فَلَوْ تُرِكَ لِأَحَدٍ بِكَلَامِ أَحَدٍ لَتُرِكَ لِمُعَاذٍ بِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَدَعَاهُ رَسُول الله فَلَمْ يَبْرَحْ أَنْ بَاعَ مَالَهُ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ.
قَالَ: فَقَامَ مُعَاذٌ وَلَا مَالَ لَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا حج رَسُول الله بعث معَاذًا إِلَى الْيمن، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَجَرَ فِي هَذَا الْمَالِ مُعَاذٌ.
قَالَ: فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنَ الْيَمَنِ وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ عمر فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُطِيعَنِي فَتَدْفَعَ هَذَا الْمَالَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَإِنْ أَعْطَاكَهُ فَاقْبَلْهُ؟ قَالَ: فَقَالَ معَاذ: لن أدفعه إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا بعثنى رَسُول الله لِيَجْبُرَنِي.
فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ انْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَرْسِلْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَخُذْ مِنْهُ وَدَعْ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ، إِنَّمَا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ليجبره، فلست آخذ مِنْهُ شَيْئا.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ مُعَاذٌ انْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا أَرَانِي إِلَّا فَاعِلَ الَّذِي قُلْتَ، إِنِّي رَأَيْتُنِي الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ – فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ – أُجَرُّ إِلَى النَّارِ وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي.
قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِكُل شئ جَاءَ بِهِ، حَتَّى جَاءَهُ بِسَوْطِهِ وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْهُ شَيْئًا.
قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ لَكَ لَا آخذ مِنْهُ شَيْئا.
وَقد رَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ فَتْحِ مَكَّةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْيَمَنِ أَمِيرًا، فَمَكَثَ حَتَّى قبض رَسُول الله، ثُمَّ قَدِمَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ بِمَكَّة مَعَ عتاب ابْن أُسَيْدٍ لِيُعَلِّمَ أَهْلَهَا، وَأَنَّهُ شَهِدَ غَزْوَةَ تَبُوكَ ; فَالْأَشْبَهُ أَنَّ بَعْثَهُ إِلَى الْيَمَنِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ لِقِصَّةِ مَنَامِ مُعَاذٍ شَاهِدًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ بِهِ عَبِيدٌ فَأَتَى بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمَّا رَدَّ الْجَمِيعَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقَامُوا كُلُّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَهُ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: لِمَنْ صَلَّيْتُمْ؟ قَالُوا: لِلَّهِ.
قَالَ: فَأَنْتُمْ لَهُ عُتَقَاءُ.
فَأَعْتَقَهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبى عون، عَن الْحَارِث ابْن عَمْرو ابْن أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ»؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كتاب الله.
قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ»؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُول الله»؟ قَالَ: أجتهد وإنى لَا آلو.
قَالَ: فَضرب رَسُول الله صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُول رَسُول الله لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ».
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَن وَكِيع، عَن عَفَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ من طَرِيق مُحَمَّد بن سعد بْنِ حَسَّانَ – وَهُوَ الْمَصْلُوبُ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ – عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذٍ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَيَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن عَمْرو ابْن أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ معمر، عَن أَبى الاسود الديلى قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ فَارْتَفَعُوا إِلَيْهِ فِي يَهُودِيٍّ مَاتَ وَتَرَكَ أَخًا مُسْلِمًا.
فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ» فَوَرَّثَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ بِهِ.
وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ مُعَاوِيَة بن أَبى سُفْيَان وَرَاوِيه يحيى بن معمر الْقَاضِي وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وأصحابهم، محتجين بِمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ».
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَاضِيًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمَنِ وَحَاكِمًا فِي الْحُرُوبِ، وَمُصَدِّقًا إِلَيْهِ تُدْفَعُ الصَّدَقَاتُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ.
وَقَدْ كَانَ بَارِزًا لِلنَّاسِ يُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، كَمَا قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا سُلَيْمَان ابْن حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، إِنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْح فَقَرَأَ: {وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء:125] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أم إِبْرَاهِيم! انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.