فمن ذَلِكَ ما أصاب أهل الشام في هذه السنة من الطاعون حتى كادوا يفنون من شدته، فلم يغز في تلك السنة أحد- فيما قيل- للطاعون …
الذي كان بها، وكثرة الموت.
وفيها- فيما قيل-: أصابت الروم أهل أنطاكية.
ذكر الخبر عن غزو عبيد الله بن ابى بكره رتبيل
وفيها غزا عبيد الله بن أبي بكرة رتبيل.
ذكر الخبر عن غزوته إياه:
قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن أبي المخارق الراسبي، قال:
لما ولى الحجاج المهلب خراسان، وعبيد الله بن أبي بكرة سجستان، مضى المهلب إلى خراسان وعبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان، وذلك في سنة ثمان وسبعين، فمكث عبيد الله بن أبي بكرة بقية سنته ثم إنه غزا رتبيل وقد كان مصالحا، وقد كانت العرب قبل ذلك تأخذ منه خراجا، وربما امتنع فلم يفعل، فبعث الحجاج إلى عبيد الله بن أبي بكرة أن ناجزه بمن معك من المسلمين فلا ترجع حتى تستبيح أرضه، وتهدم قلاعه، وتقتل مقاتلته، وتسبي ذريته فخرج بمن معه من المسلمين من أهل الكوفة وأهل البصرة، وكان على أهل الكوفة شريح بن هانئ الحارثي ثم الضبابي، وكان من أصحاب علي، وكان عبيد الله على أهل البصرة، وهو أمير الجماعة، فمضى حتى وغل في بلاد رتبيل، فأصاب من البقر والغنم والأموال ما شاء وهدم قلاعا وحصونا، وغلب على أرض من أرضهم كثيرة، وأصحاب رتبيل من الترك يخلون لهم عن أرض بعد أرض، حتى أمعنوا في بلادهم ودنوا من مدينتهم، وكانوا منها ثمانية عشر فرسخا، فأخذوا على المسلمين العقاب والشعاب، وخلوهم والرساتيق، فسقط في أيدي المسلمين، وظنوا أن قد هلكوا، فبعث ابن أبي بكرة إلى شريح بن هانئ: أني مصالح القوم على أن أعطيهم مالا، ويخلوا بيني وبين الخروج، فأرسل اليهم فصالحهم على سبعمائة ألف درهم، فلقيه شريح فقال: إنك لا تصالح على شيء إلا حسبه السلطان عليكم في أعطياتكم، قال: لو منعنا العطاء ما حيينا كان أهون علينا من هلاكنا، قال شريح: والله لقد بلغت سنا، وقد هلكت لداتي، ما تأتي علي ساعة من ليل أو نهار فأظنها تمضي حتى أموت، ولقد كنت أطلب الشهادة منذ زمان، ولئن فاتتني اليوم ما أخالني مدركها حتى أموت، وقال: يا أهل الإسلام، تعاونوا على عدوكم، فقال له ابن أبي بكرة: إنك شيخ قد خرفت، فقال شريح: إنما حسبك أن يقال: بستان ابن أبي بكرة وحمام ابن أبي بكرة، يا أهل الإسلام، من أراد منكم الشهادة فإلي فاتبعه ناس من المتطوعة غير كثير، وفرسان الناس وأهل الحفاظ، فقاتلوا حتى أصيبوا إلا قليلا، فجعل شريح يرتجز يومئذ ويقول:
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا *** قد عشت بين المشركين أعصرا
ثمت أدركت النبي المنذرا *** وبعده صديقه وعمرا
ويوم مهران ويوم تسترا *** والجمع في صفينهم والنهرا
وباجميرات مع المشقرا *** هيهات ما أطول هذا عمرا
فقاتل حتى قتل في ناس من أصحابه، ونجا من نجا، فخرجوا من بلاد رتبيل حتى خرجوا منها، فاستقبلهم من خرجوا إليهم من المسلمين بالأطعمة، فإذا أكل أحدهم وشبع مات، فلما رأى ذلك الناس حذروا يطعمونهم، ثم جعلوا يطعمونهم السمن قليلا قليلا، حتى استمرءوا وبلغ ذلك الحجاج، فأخذه ما تقدم وما تأخر، وبلغ ذلك منه كل مبلغ، وكتب إلى عبد الملك:
أما بعد، فإن جند أمير المؤمنين الذين بسجستان أصيبوا فلم ينج منهم إلا القليل، وقد اجترأ العدو بالذي أصابه على أهل الإسلام فدخلوا بلادهم، وغلبوا على حصونهم وقصورهم، وقد أردت أن أوجه إليهم جندا كثيفا من أهل المصرين، فأحببت أن أستطلع رأي أمير المؤمنين في ذلك، فإن رأى لي بعثة ذلك الجند أمضيته، وإن لم ير ذلك فإن أمير المؤمنين أولى بجنده، مع أني أتخوف إن لم يأت رتبيل ومن معه من المشركين جند كثيف عاجلا أن يستولوا على ذلك الفرج كله.
وفي هذه السنة قدم المهلب خراسان أميرا، وانصرف عنها أمية بن عبد الله، وقيل استعفى شريح القاضي من القضاء في هذه السنة، وأشار بأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فأعفاه الحجاج وولى أبا بردة.
وحج بالناس في هذه السنة- فيما حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر- أبان بن عثمان، وكذلك قال الواقدي وغيره من أهل السير.
وكان أبان هذه السنة أميرا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وعلى العراق والمشرق كله الحجاج بن يوسف.
وكان على خراسان المهلب من قبل الحجاج.
وقيل: إن المهلب كان على حربها، وابنه المغيرة على خراجها، وعلى قضاء الكوفة أبو بردة بن أبي موسى، وعلى قضاء البصرة موسى بن انس.