فيها قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي بن الأدبر ومعه محرر بن شهاب وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة القيسي وصيفي بن بسيل …
من ربيعة.
وفيها مات كعب بن عجرة.
وفيها أخذ معاوية الناس بالبيعة ليزيد.
حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثني أبي قال: نا النعمان بن راشد عن الزهري عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد، حج فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحق بهذا الأمر منه، ثم ارتحل فقدم مكة فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: (أما بعد يا بن عمر فإنك قد كنت تحد ثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم)، فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (أما بعد فإنه قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث عملوا الخيار، وأنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم)، فقال: (يرحمك الله)، فخرج ابن عمر.
وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فتشهد وأخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه فقال: (إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أولنفرنها عليك جذعة) ثم وثب فقام.
فقال معاوية: (اللهم اكفنيه بم شئت)، ثم قال: (على رسلك أيها الرجل لا تشرفن بأهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك).
ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: (يا بن الزبير إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما)، فتكلم ابن الزبير فقال: (إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أ رأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع ؟ لأيكما نطيع ؟ لا نجمع البيعة لكما والله أبدا، ثم قام.
فراح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عوار، زعموا أن ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا يزيد قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له) فقال أهل الشام لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: (مه سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء، لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم)، ثم نزل.
فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر، ويقولون: لا والله ما بايعنا.
ويقول الناس: بلى لقد بايعتم، وارتحل معاوية فلحق بالشام.
وحدثنا وهب قال: حدثني أبي عن أيوب عن نافع قال: خطب معاوية فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لأقتلنه، فخرج عبد الله بن عبد الله بن عمر إلى أبيه فأخبره، وسار إلى مكة ثلاثا، فلما أخبره بكى ابن عمر، فبلغ الخبر عبد الله بن صفوان فد خل على ابن عمر فقال: أخطب هذا بكذا ؟ قال: نعم.
فقال: ما تريد ؟ أ تريد قتاله ؟ فقال: يا بن صفوان الصبر خير من ذلك.
فقال ابن صفوان: والله لئن أراد ذلك لأقاتلنه.
فقدم معاوية مكة، فنزل ذا طوى، فخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل ابن عمر إن لم يبايع لابنك ؟ فقال: أنا أقتل ابن عمر ؟ ! إني والله لا أقتله.
وهب بن جرير قال: حدثني جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما كان قريبا من مكة، فلما راح من مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته أنا.
فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك لقيه الحسين بن علي، فوقف وقال: (مرحبا وأهلا يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد شباب المسلمين، دابة لأبي عبد الله يركبها)، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (مرحبا وأهلا بشيخ قريش وسيدها وابن صديق هذه الأمة، دابة لأبي محمد)، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر فقال: (مرحبا وأهلا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن الفاروق وسيد المسلمين) ودعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير فقال له: (مرحبا وأهلا يا بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن الصديق وابن عمة رسول الله)، ثم دعا له بدابة فركبها.
ثم أقبل يسير بينهم، لا يسايره غيرهم حتى د خل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج، ليس في الأرض صباح إلا لهم فيه حباء وكرامة، لا يعرض لهم بذكر شئ مما هو فيه حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله، وقرب مسيرة إلى الكعبة وأنيخت رواحله، فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: أيها القوم لا تخدعوا إنه والله ما صنع بكم لحبكم و لا كرامتكم، وما صنعه إلا لما يريد فأعدوا له جوابا.
وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله ؟ قال:(وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام).
فقالوا: أنت يا أبا محمد ؟ لعبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (لست هناك وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن سيد المسلمين) – يعني ابن عمر -.
فقالوا لابن عمر: أنت ؟ قال: (لست بصاحبكم ولكن ولوا الكلام ابن الزبير يكفيكم).
قالوا: أنت يا بن الزبير، قال: (نعم إن أعطيتموني عهودكم ومواثيقكم ألا تخالفوني كفيتكم الرجل) فقالوا: فلك ذلك.
فخرج الإذن فأذن لهم، فدخلوا، فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وصفحي عنكم وحملي لما يكون منكم، ويزيد بن أمير المؤمنين أخوكم وابن عمكم وأحسن الناس فيكم رأيا، وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة وتكونون أنتم الذين تنزعون وتؤمرون، وتجبون وتقسمون، لا يدخل عليكم في شئ من ذلك)، فسكت القوم فقال: (ألا تجيبوني ؟ فسكتوا.
فأقبل على بن الزبير فقال: (هات يا بن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم.
قال: نعم يا أمير المؤمنين نخيرك بين ثلاث خصال أيها ما أخذت فهو لك رغبة) قال: (لله أبوك اعرضهن) قال: (إن شئت صنعت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر).
قال: (لله أبوك وما صنعوا ؟) قال: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعهد ولم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم) فقال: (إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف).
قال: (صدقت والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة).
قال (فاصنع ما صنع أبو بكر).
قال: (لله أبوك قال: وما صنع أبو بكر ؟) قال: (عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به) قال: (لله بوك الثالثة ما هي ؟) قال: (تصنع ما صنع عمر).
قال: (وما صنع عمر ؟) قال: (جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه ولا من رهطه).
قال: (فهل عندك غير هذا) ؟ قال: (لا) قال: (فأنتم ؟) قالوا: ونحن أيضا).
قال: (إما لا فإني أحببت أن أتقدم إليكم أنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم منكم القائم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك وأصفح عنه.
وإني قائم بمقالة إن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم لكم بالله لئن رد علي منكم إنسان كلمة في مقامي مذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه)، ثم دعا صاحب حرسه فقال: (أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي هذا بصدق أو كذب فليضرباه بسيفيهما)، ثم خرج وخرجوا معه حتى إذا رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا نستبد بأمر دونهم ولا نقضي أمرا إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد بن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله)، فضربوا على يديه ثم جلس على راحلته وانصرف فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم فلا أرضيتم وحبيتم فعلتم قالوا: إنا والله ما فعلنا قالوا: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب ؟ ثم بايع أهل المدينة والناس ثم خرج إلى الشام.
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: نا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية: إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا.
وحدثنا عبد الرحمن قال: نا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال: د خلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: أ تقولون أن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه فيها فقها ولا أعظمها فيها شرفا ؟ قلنا: نعم. قال: وأنا أقول ذلك، ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق.
أرأيتم بابا لو د خل فيه أمة محمد وسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه ؟ قلنا: لا.
قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم ؟ قلنا: نعم.
قال: فذ لك ما أقول لكم.
ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتيك من الحياء إلا خير».
إسماعيل بن سنان قال: نا حماد بن سلمة عن يعلى بن عن عمه قال: كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير قال: فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لابن الزبير: (تعلم أني وجدت في الكتاب أنك ستعني وتعنى، وتدعى الخليفة ولست بخليفة، وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية).
أشهل قال: نا ابن عون عن محمد عن عقبة بن أوس السدوسي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: ملك الأرض المقدسة معاوية وابنه.
وأقام الحج سنة إحدى وخمسين معاوية بن أبي سفيان.
وفيها شتا فضالة بن عبيد الأنصاري بأرض الروم في البحر.
وفيها مات عمرو بن حزم الأنصاري، وجرير بن عبد الله البجلي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكعب بن عجرة الأنصاري وفيها ولد الزهري.