ففي هذه السنة كان فتح قاليقلا، حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي ابن مُحَمَّد، قال: أغزى عبد الملك سنة إحدى وثمانين ابنه عبيد الله …
بن عبد الملك، ففتح قاليقلا.
ذكر الخبر عن مقتل بحير بن ورقاء بخراسان
وفي هذه السنة قتل بحير بن ورقاء الصريمي بخراسان.
ذكر الخبر عن مقتله:
وكان سبب قتله أن بحيرا كان هو الذي تولى قتل بكير بن وشاح بأمر أمية بن عبد الله إياه بذلك، فقال عثمان بن رجاء بن جابر بن شداد أحد بني عوف بن سعد من الأبناء يحض رجلا من الأبناء من آل بكير بالوتر:
لعمري لقد أغضيت عينا على القذى *** وبت بطينا من رحيق مروق
وخليت ثأرا طل واخترت نومة *** ومن شرب الصهباء بالوتر يسبق
فلو كنت من عوف بن سعد ذؤابة *** تركت بحيرا في دم مترقرق
فقل لبحير نم ولا تخش ثائرا *** بعوف فعوف أهل شاة حبلق
دع الضأن يوما قد سبقتم بوتركم *** وصرتم حديثا بين غرب ومشرق
وهبوا فلو أمسى بكير كعهده *** صحيحا لغاداهم بجأواء فيلق
وقال أيضا:
فلو كان بكر بارزا في أداته *** وذي العرش لم يقدم عليه بحير
ففي الدهر إن أبقاني الدهر مطلب *** وفي الله طلاب بذاك جدير
وبلغ بحيرا أن الأبناء يتوعدونه، فقال:
توعدني الأبناء جهلا كأنما *** يرون فنائي مقفرا من بني كعب
رفعت له كفي بحد مهند *** حسام كلون الملح ذي رونق عضب
فذكر علي بن مُحَمَّد، عن المفضل بن مُحَمَّد، أن سبعة عشر رجلا من بني عوف بن كعب بن سعد تعاقدوا على الطلب بدم بكير، فخرج فتى منهم يقال له الشمردل من البادية حتى قدم خراسان، فنظر إلى بحير واقفا، فشد عليه فطعنه فصرعه، فظن أنه قد قتله، وقال الناس: خارجي، فراكضهم، فعثر فرسه فندر عنه فقتل ثم خرج صعصعة بن حرب العوفي، ثم أحد بني جندب، من البادية وقد باع غنيمات له، واشترى حمارا، ومضى إلى سجستان فجاور قرابة لبحير هناك ولاطفهم، وقال: أنا رجل من بني حنيفة من أهل اليمامة، فلم يزل يأتيهم ويجالسهم حتى أنسوا به، فقال لهم: إن لي بخراسان ميراثا قد غلبت عليه، وبلغني أن بحيرا عظيم القدر بخراسان، فاكتبوا لي إليه كتابا يعينني على طلب حقي، فكتبوا إليه، فخرج فقدم مرو والمهلب غاز قال: فلقي قوما من بني عوف، فأخبرهم أمره، فقام إليه مولى لبكير صيقل، فقبل رأسه، فقال له صعصعة: اتخذ لي خنجرا، فعمل له خنجرا واحماه وغمسه لبن أتان مرارا ثم شخص من مرو فقطع النهر حتى أتى عسكر المهلب وهو بآخرون يومئذ، فلقي بحيرا بالكتاب، وقال:
إني رجل من بني حنيفة، كنت من أصحاب ابن أبي بكرة، وقد ذهب مالي بسجستان، ولي ميراث بمرو، فقدمت لأبيعه، وأرجع إلى اليمامة.
قال: فأمر له بنفقة وأنزله معه، وقال له: استعن بي على ما أحببت، قال: أقيم عندك حتى يقفل الناس، فأقام شهرا أو نحوا من شهر يحضر معه باب المهلب ومجلسه حتى عرف به قال: وكان بحير يخاف الفتك به، ولا يأمن أحدا، فلما قدم صعصعة بكتاب أصحابه قال: هو رجل من بكر بن وائل، فأمنه، فجاء يوما وبحير جالس في مجلس المهلب، عليه قميص ورداء ونعلان، فقعد خلفه، ثم دنا منه، فأكب عليه كأنه بكلمة، فوجأه بخنجره في خاصرته، فغيبه في جوفه، فقال الناس: خارجي!، فنادى:
يا لثأرات بكير، انا ثائر ببكير! فقال الناس: خارجي! فنادى:
يا لثأرات بكير، أنا ثائر ببكير! فأخذه أبو العجفاء بن أبي الخرقاء، وهو يومئذ على شرط المهلب، فأتى به المهلب فقال له: بؤسا لك! ما أدركت بثأرك، وقتلت نفسك، وما على بحير بأس، فقال: لقد طعنته طعنة لو قسمت بين الناس لماتوا، ولقد وجدت ريح بطنه في يدي، فحبسه فدخل عليه السجن قوم من الأبناء فقبلوا رأسه قال: ومات بحير من غد عند ارتفاع النهار، فقيل لصعصعة: مات بحير، فقال: اصنعوا بي الآن ما شئتم، وما بدا لكم، أليس قد حلت نذور نساء بني عوف، وأدركت بثأري! لا أبالي ما لقيت، أما والله لقد أمكنني ما صنعت خاليا غير مرة، فكرهت أن أقتله سرا، فقال المهلب: ما رأيت رجلا أسخى نفسا بالموت صبرا من هذا، وأمر بقتله أبا سويقة ابن عم لبحير، فقال له أنس بن طلق ويحك! قتل بحير فلا تقتلوا هذا، فأبى وقتله، فشتمه أنس.
وقال آخرون: بعث به المهلب إلى بحير قبل ان يموت، فقال له انس ابن طلق العبشمي: يا بحير، إنك قتلت بكيرا، فاستحى هذا، فقال بحير: أدنوه مني، لا والله لا أموت وأنت حي، فأدنوه منه، فوضع رأسه بين رجليه وقال: اصبر عفاق، إنه شر باق، فقال ابن طلحة لبحير:
لعنك الله! أكلمك فيه وتقتله بين يدي! فطعنه بحير بسيفه حتى قتله ومات بحير، فقال المهلب: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، غزوة أصيب فيها بحير، فغضب عوف بن كعب والأنباء وقالوا: علام قتل صاحبنا، وإنما طلب بثأره! فنازعتهم مقاعس والبطون حتى خاف الناس أن يعظم البأس، فقال أهل الحجى: احملوا دم صعصعة، واجعلوا دم بحير بواء ببكير فودوا صعصعة، فقال رجل من الأبناء يمدح صعصعة:
لله در فتى تجاوز همه *** دون العراق مفاوزا وبحورا
ما زال يدأب نفسه ويكدها *** حتى تناول في خرون بحيرا
قال: وخرج عبد ربه الكبير أبو وكيع، وهو من رهط صعصعة إلى البادية، فقال لرهط بكير: قتل صعصعة بطلبه بدم صاحبكم، فودوه، فاخذ لصعصعة ديتين.
ذكر الخبر عن خلاف ابن الاشعث على الحجاج
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة خالف عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن الأشعث الحجاج ومن معه من جند العراق، وأقبلوا إليه لحربه في قول أبي مخنف وروايته لذلك عن أبي المخارق الراسبي، وأما الواقدي فإنه زعم أن ذلك كان في سنة اثنتين وثمانين.
ذكر الخبر عن السبب الذي دعا عبد الرحمن بن مُحَمَّد إلى ما فعل من ذلك وما كان من صنيعه بعد خلافه الحجاج في هذه السنة:
قد ذكرنا فيما مضى قبل ما كان من عبد الرحمن بن مُحَمَّد في بلاد رتبيل، وكتابه إلى الحجاج بما كان منه هناك، وبما عرض عليه من الرأي فيما يستقبل من أيامه في سنة ثمانين، ونذكر الآن مَا كَانَ من أمره فِي سنة إحدى وثمانين في رواية أبي مخنف، عن أبي المخارق.
ذكر هشام عن أبي مخنف قال: قال أبو المخارق الراسبي: كتب الحجاج إلى عبد الرحمن بن مُحَمَّد جواب كتابه:
أما بعد، فإن كتابك أتاني، وفهمت ما ذكرت فيه، وكتابك كتاب امرئ يحب الهدنة، ويستريح إلى الموادعة، قد صانع عدوا قليلا ذليلا، قد أصابوا من المسلمين جندا كان بلاؤهم حسنا، وغناؤهم في الاسلام عظيما.
لعمرك يا بن أم عبد الرحمن، إنك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخي النفس عمن أصيب من المسلمين إني لم أعدد رأيك الذي زعمت أنك رأيته رأي مكيدة، ولكني رأيت أنه لم يحملك عليه إلا ضعفك، والتياث رأيك، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، والهدم لحصونهم، وقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم.
ثم أردفه كتابا فيه أما بعد، فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا، فإنها دارهم حتى يفتحها الله عليهم.
ثم أردفه كتابا آخر فيه:
أما بعد، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، وإلا فإن إسحاق ابن مُحَمَّد أخاك أمير الناس، فخله وما وليته.
فقال حين قرأ كتابه: أنا أحمل ثقل إسحاق، فعرض له، فقال:
لا تفعل، فقال: ورب هذا- يعني المصحف- لئن ذكرته لأحد لأقتلنك فظن أنه يريد السيف، فوضع يده على قائم السيف، ثم دعا الناس إليه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس، إني لكم ناصح، ولصلاحكم محب، ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر، وقد كان من رأيي فيما بينكم وبين عدوكم رأي استشرت فيه ذوي أحلامكم، وأولي التجربة للحرب منكم، فرضوه لكم رأيا، ورأوه لكم في العاجل والآجل صلاحا، وقد كتبت إلى أميركم الحجاج، فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني، ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك إخوانكم فيها بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وآبي إذا أبيتم فثار إليه الناس فقالوا: لا، بل نأبى على عدو الله، ولا نسمع له ولا نطيع.
قال أبو مخنف: فحدثني مطرف بن عامر بن واثلة الكناني أن أباه كان أول متكلم يومئذ، وكان شاعرا خطيبا، فَقَالَ بعد أن حمد الله وأثنى عَلَيْهِ:
أما بعد، فإن الحجاج والله ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول إذ قال لأخيه: احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن نجا فلك إن الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلادا كثيرة اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد وحاز المال، وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذي لا يبالي عنتهم، ولا يبقي عليهم، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن، فإني أشهدكم أني أول خالع فنادى الناس من كل جانب، فعلنا فعلنا، قد خلعنا عدو الله، وقام عبد المؤمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانيا- وكان على شرطته حين أقبل- فقال: عباد الله، إنكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم ما بقيتم، وجمركم تجمير فرعون الجنود، فإنه بلغني أنه أول من جمر البعوث، ولن تعاينوا الأحبة فيما أرى أو يموت أكثركم بايعوا أميركم، وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه، فقال:
تبايعوني على خلع الحجاج عدو الله وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق، فبايعه الناس، ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء.
قال أبو مخنف: حدثني عمر بن ذر القاص أن أباه كان معه هنالك، وأن ابن مُحَمَّد كان ضربه وحبسه لانقطاعه كان إلى أخيه القاسم بن مُحَمَّد، فلما كان من أمره الذي كان من الخلاف دعاه فحمله وكساه واوطاه، فأقبل معه فيمن أقبل، وكان قاصا خطيبا.
قال أبو مخنف: حدثني سيف بن بشر العجلي، عن المنخل بن حابس العبدي أن ابن مُحَمَّد لما أقبل من سجستان أمر على بست عياض ابن هميان البكري، من بني سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وعلى زرنج عبد الله بن عامر التميمي ثم الدارمي، ثم بعث إلى رتبيل، فصالحه على أن ابن الأشعث إن ظهر فلا خراج عليه أبدا ما بقي، وإن هزم فأراده ألجأه عنده قال أبو مخنف: حدثني خشينة بن الوليد العبسي أن عبد الرحمن لما خرج من سجستان مقبلا إلى العراق سار بين يديه الأعشى على فرس، وهو يقول:
شطت نوى من داره بالإيوان *** إيوان كسرى ذي القرى والريحان
من عاشق أمسى بزابلستان *** إن ثقيفا منهمُ الكذابان
كذابها الماضي وكذاب ثان *** أمكن ربي من ثقيف همدان
يوما إلى الليل يسلى ما كان *** إنا سمونا للكفور الفتان
حين طغى في الكفر بعد الإيمان *** بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالدبى من قحطان *** ومن معد قد أتى ابن عدنان
بجحفل جم شديد الإرنان *** فقل لحجاج ولي الشيطان
يثبت لجمع مذحج وهمدان *** فإنهم ساقوه كأس الذيفان
وملحقوه بقرى ابن مروان
قال: وبعث على مقدمته عطية بن عمرو العنبري، وبعث الحجاج إليه الخيل، فجعل لا يلقى خيلا إلا هزمها، فقال الحجاج: من هذا؟ فقيل له:
عطية، فذلك قول الأعشى:
فإذا جعلت دروب فارس *** خلفهم دربا فدربا
فابعث عطية في الخيول *** يكبهن عليك كبا
ثم إن عبد الرحمن أقبل يسير بالناس، فسأل عن أبي إسحاق السبيعي، وكان قد كتبه في أصحابه، وكان يقول: أنت خالي، فقيل له: ألا تأتيه فقد سأل عنك! فكره أن يأتيه، ثم أقبل حتى مر بكرمان فبعث عليهم خرشه ابن عمرو التميمي، ونزل أبو إسحاق بها، فلم يدخل في فتنته حتى كانت الجماجم، ولما دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا:
إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن، فكان أول الناس.
قال أبو مخنف فيما حدثني أبو الصلت التيمي: خلع عبد الملك بن مروان تيحان بن أبجر من بني تيم الله بن ثعلبة، فقام فقال: أيها الناس، إني خلعت أبا ذبان كخلعي قميصي، فخلعه الناس إلا قليلا منهم، ووثبوا إلى ابن مُحَمَّد فبايعوه، وكانت بيعته: تبايعون على كتاب الله وسنة نبيه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، فإذا قالوا: نعم بايع فلما بلغ الحجاج خلعه كتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن الأشعث، ويسأله أن يعجل بعثة الجنود إليه، وبعث كتابه إلى عبد الملك يتمثل في آخره بهذه الأبيات، وهي للحارث بن وعلة:
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم *** حربا تفرق بين الجيرة الخلط
وهل سموت بجرار له لجب *** جم الصواهل بين الجم والفرط
وهل تركت نساء الحي ضاحية *** في ساحة الدار يستوقدن بالغبط
وجاء حتى نزل البصرة وقد كان بلغ المهلب شقاق عبد الرحمن وهو بسجستان، فكتب إليه:
أما بعد، فإنك وضعت رجلك يا بن مُحَمَّد في غرز طويل الغي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الله الله فانظر لنفسك لا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت: أخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه عليها من الناس، فلا تعرضها لله في سفك دم، ولا استحلال محرم والسلام عليك وكتب المهلب إلى الحجاج:
أما بعد فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل، وليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم، ويشموا أولادهم، ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله فلما قرأ كتابه قال: فعل الله.
به وفعل، لا والله ما لي نظر ولكن لابن عمه نصح لما وقع كتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله ثم نزل عن سريره وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية، ودعاه فأقرأه الكتاب، ورأى ما به من الجزع، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان هذا الحدث من قبل سجستان، فلا تخفه، وإن كان من قبل خراسان تخوفته قال: فخرج إلى الناس فقام فيهم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
إن أهل العراق طال عليهم عمري فاستعجلوا قدري اللهم سلط عليهم سيوف أهل الشام حتى يبلغوا رضاك، فإذا بلغوا رضاك لم يجاوزوا إلى سخطك.
ثم نزل.
وأقام الحجاج بالبصرة وتجهز ليلقى ابن مُحَمَّد، وترك رأي المهلب وفرسان الشام يسقطون إلى الحجاج، في كل يوم مائة وخمسون وعشرة وأقل على البرد من قبل عبد الملك، وهو في كل يوم تسقط إلى عبد الملك كتبه ورسله بخبر ابن مُحَمَّد أي كورة نزل، ومن اى كوره يرتحل، وأي الناس إليه أسرع.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي فضيل بن خديج أن مكتبه كان بكرمان، وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة، فلما مر بهم ابن مُحَمَّد بن الأشعث، انجفلوا معه، وعزم الحجاج رأيه على استقبال ابن الأشعث، فسار بأهل الشام حتى نزل تستر، وقدم بين يديه مطهر بن حر العكي- أو الجذامي- وعبد الله بن رميثة الطائي، ومطهر على الفريقين، فجاءوا حتى انتهوا إلى دجيل، وقد قطع عبد الرحمن بن مُحَمَّد خيلا له، عليها عبد الله بن أبان الحارثي في ثلاثمائة فارس- وكانت مسلحة له وللجند- فلما انتهى إليه مطهر بن حر أمر عبد الله بن رميثة الطائي فأقدم عليهم، فهزمت خيل عبد الله حتى انتهت إليه، وجرح أصحابه.
قال أبو مخنف: فحدثني أبو الزبير الهمداني، قال: كنت في أصحاب ابن مُحَمَّد إذ دعا الناس وجمعهم إليه ثم قال: اعبروا إليه من هذا المكان، فأقحم الناس خيولهم دجيل من ذلك المكان الذي أمرهم به، فو الله ما كان بأسرع من أن عبر عظم خيولنا، فما تكاملت حتى حملنا على مطهر بن حر والطائي فهزمناهما يوم الأضحى في سنة إحدى وثمانين وقتلناهم قتلا ذريعا، وأصبنا عسكرهم، وأتت الحجاج الهزيمة وهو يخطب، فصعد إليه أبو كعب بن عبيد بن سرجس فاخبره بهزيمه الناس، فقال:
أيها الناس، ارتحلوا إلى البصرة إلى معسكر ومقاتل وطعام ومادة، فإن هذا المكان الذي نحن به لا يحمل الجند ثم انصرف راجعا وتبعته خيول أهل العراق، فكلما أدركوا منهم شاذا قتلوه، وأصابوا ثقلا حووه، ومضى الحجاج لا يلوي على شيء حتى نزل الزاوية، وبعث إلى طعام التجار بالكلا فأخذه فحمله إليه، وخلى البصرة لأهل العراق وكان عامله عليها الحكم ابن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي وجاء أهل العراق حتى دخلوا البصرة وقد كان الحجاج حين صدم تلك الصدمة وأقبل راجعا دعا بكتاب المهلب، فقرأه ثم قال: لله أبوه! أي صاحب حرب هو! أشار علينا بالرأي، ولكنا لم نقبل.
وقال غير أبي مخنف: كان عامل البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة، وعبد الله بن عامر بن مسمع على الشرط، فسار الحجاج في جيشه حتى نزل رستقباذ وهي من دستوى من كور الأهواز، فعسكر بها، وأقبل ابن الأشعث فنزل تستر، وبينهما نهر، فوجه الحجاج مطهر ابن حر العكي في ألفي رجل، فأوقعوا بمسلحة لابن الأشعث، وسار ابن الأشعث مبادرا، فواقعهم، وهي عشية عرفة من سنة إحدى، وثمانين فيقال: إنهم قتلوا من اهل الشام ألفا وخمسمائة، وجاءه الباقون منهزمين، ومعه يومئذ مائة وخمسون ألف ألف، ففرقها في قواده، وضمنهم إياها، وأقبل منهزما إلى البصرة وخطب ابن الأشعث أصحابه فقال: أما الحجاج فليس بشيء، ولكنا نريد غزو عبد الملك، وبلغ أهل البصرة هزيمة الحجاج، فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه، فرشاه الحكم ابن أيوب مائة ألف، فكف عنه ودخل الحجاج البصرة، فأرسل إلى ابن عامر فانتزع المائة الألف منه.
رجع الحديث إِلَى حديث أبي مخنف عَنْ أبي الزبير الهمداني.
فلما دخل عبد الرحمن بن مُحَمَّد البصرة بايعه على حرب الحجاج، وخلع عبد الملك جميع أهلها من قرائها وكهولها، وكان رجل من الأزد من الجهاضم يقال له عقبة بن عبد الغافر له صحابة، فنزا فبايع عبد الرحمن مستبصرا في قتال الحجاج، وخندق الحجاج عليه، وخندق عبد الرحمن على البصرة وكان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة من سنة إحدى وثمانين.
وحج بالناس في هذه السنة سُلَيْمَان بْن عبد الملك، كذا حدثنى احمد ابن ثَابِت، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي، وقال: وفي هذه السنة ولد ابن أبي ذئب.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة عَلَى الْمَدِينَة أبان بن عثمان، وعلى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف، وعلى حرب خراسان المهلب، وعلى خراجها المغيرة بن مهلب من قبل الحجاج، وعلى قضاء الكوفة أبو بردة بن أبي موسى، وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة.