وفي جمادى الاخرة بلغه عليه الصلاة والسلام أن جمعا من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى ليغيروا على المدينة، …
فأرسل لهم عمرو بن العاص في ثلاثمائة رجل من سراة المهاجرين، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتي من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر، فلحقوا عمرا قبل أن يصل إلى القوم، وقد أراد رجال من الجيش إيقاد نار فمنعهم عمرو، فأنكر عليه عمر بن الخطاب، فقال أبو بكر: إنما بعثه رسول الله علينا رئيسا لمعرفته بالحرب أكثر منا فلا تعصه، فامتثل، ولما حلوا بساحة القوم حملوا عليهم فلم يكن أكثر من ساعة حتى تفرّق الأعداء منهزمين، فجمعوا غنائمهم وأرادوا اتباع أثرهم فمنعهم قائدهم، ثم رجعوا إلى المدينة ظافرين، وبينما هم في الطريق أدركت عمرو بن العاص جنابة في ليلة باردة فلمّا أصبح قال: إن أنا اغتسلت هلكت والله يقول {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ثم تيمم وصلّى، ثم أمر بالسير حتى إذا وصلوا إلى المدينة قام رسول الله عليه الصلاة والسلام يسأل عن أنباء سفرهم كما هي عادته، فأخبروه بما نقموه من عمرو بن العاص من نهيهم عن إيقاد النار ونهيهم عن اتّباع العدو وصلاته جنبا، فسأله عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال: منعتهم من إيقاد النار لئلا يرى العدو قلتهم فيطمع فيهم، ونهيتهم عن اتّباع العدو لئلا يكون له كمين، وصليت جنبا لأن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وإن أنا اغتسلت هلكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام وأثنى على عمرو خيرا.