وبعد ذلك بشهر عقد على عائشة بنت صديقه أبي بكر وهي لا تتجاوز السابعة من عمرها، …
ولم يتزوج عليه الصلاة والسلام بكراً غيرها، ودخل عليها بالمدينة، أما سَودةُ فدخل عليها بمكة.
وبعد وفاة خديجة بنحو شهر، توفي عمه أبو طالب، الذي كان يمنعه من أذى أعدائه، ومع أنه كان لا يُكَذِّب رسول الله فيما جاء به بل يعتقد صدقه لم ينطق بالشهادتين حتى آخر لحظة من حياته، وفيه نزل في سورة القصص: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] ولكن لأعماله العظيمة التي عملها مع رسول الله نرجو أن يخفف عنه وعدم إسلامه هو وغالب أقارب الرسول فيه من الحكمة ما لا يخفى، فإنهم لو بادروا باتباعه لقيل: قوم يطلبون سيادة وفخراً ليسا لهم فجاؤوا بهذا الأمر المفترى، ولكن لما راى المعاندون أن متبعيه هم الغرباء عنها الذين ليسوا من عشيرته بل من أعدائها أحياناً كعثمان بن عفان من بني أمية، لم يكن عندهم أدنى حجة يقيمونها، اللهمّ إلا دعاويهم الكاذبة التي كانوا يتمسكون بها حينما تصدعهم الحجة من قولهم: ساحر يُفَرِّقَ بين المرء وزوجه وكاهن يتكهن بالغيب.
وقد سمى رسول الله هذا العام الذي فقد فيه زوجه وعمه عام الحزن. ولما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله ما لم يمكنها نيله في حياة أبي طالب، واشتد الأمر عليه حتى كانوا ينثرون التراب على رأسه وهو سائر، ويضعون أوساخ الشاة عليه في صلاته، وتعلقت به كفار قريش مرة يتجاذبونه ويقولون له: أنت الذي تريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ فما تقدم أحد من المسلمين حتى يخلصه منهم لما هم عليه من الضعف إلا أبو بكر فإنه تقدم، وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ اللَّهُ} [غافر: 28].