وقال بعضهم كان أهل إصطخر ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن كسرى بإصطخر، قد هرب به إليها حيث قتل شيرويه إخوته، فلما بلغ عظماء …
أهل إصطخر أن من بالمدائن خالفوا فرخزاذ خسروا، أتوا بيزدجرد بيت نار يدعى بيت نار أردشير، فتوجوه هنالك، وملكوه- وكان حدثا- ثم أقبلوا به إلى المدائن، وقتلوا فرخزاذ خسروا بحيل احتالوها لقتله بعد أن ملك سنة.
وساغ الملك ليزدجرد، غير أن ملكه كان عند ملك آبائه كالخيال والحلم، وكانت العظماء والوزراء يدبرون ملكه لحداثة سنه، وكان أشدهم نباهة في وزرائه وأذكاهم رئيس الخول وضعف أمر مملكة فارس، واجترأ عليه أعداؤه من كل وجه، وتطرفوا بلاده وأخربوا منها، وغزت العرب بلاده بعد أن مضت سنتان من ملكه وقيل بعد أن مضى أربع سنين من ملكه.
وكان عمره كله إلى أن قتل ثمانيا وعشرين سنة.
وقد بقي من أخبار يزدجرد هذا وولده أخبار سأذكرها إن شاء الله بعد في مواضعها من فتوح المسلمين وما فتحوا من بلاد العجم، وما آل إليه أمره وأمر ولده.
فجميع ما مضى من السنين من لدن أهبط آدم إلى الأرض، إلى وقت هجره النبي صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ- على ما يقوله أهل الكتاب من اليهود، وتزعم أنه في التوراة الصورة مثبت من أعمار الأنبياء والملوك- أربعة آلاف سنة وستمائه سنة واثنتان وأربعون سنة وأشهر وأما على ما تقوله النصارى مما تزعم أنه في توراة اليونانية، فإن ذلك خمسة آلاف سنة وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر.
وأما جميع ذلك على قول المجوس من الفرس، فإنه أربعة آلاف سنة ومائة سنة واثنتان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما، على أنه داخل في ذلك مدة ما بين وقت الهجرة ومقتل يزدجرد، وذلك ثلاثون سنة وشهران وخمسه عشر يوما، وعلى ان حسابهم ذلك وابتداء تأريخهم من عهد جيومرت، وجيومرت هو آدم أبو البشر، الذي إليه نسبة كل منتسب من الإنس، على ما قد بينت في كتابي هذا.
وأما علماء الإسلام فقد ذكرت قبل ما قال فيه بعضهم، وأذكر بعض من لم يمض ذكره منهم الآن، فإنهم قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ.
حدثني الحارث بْن محمد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: كَانَ بَيْنَ آدَمَ ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: الفتره بين محمد وعيسى ع ستمائه سَنَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ، قال: كان بين عيسى وموسى ستمائه سَنَةٍ.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ:
{يٰأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ:
كَذَبْتَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ فَهُوَ أَعْلَمُ وَأَخْبَرُ، وَإِلا فَإِنِّي أَجِدُ بينهما ستمائه سَنَةٍ قَالَ: فَسَكَتَتْ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعِيسَى بن مريم الف سنه وتسعمائة سَنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَتْرَةٌ، وَإِنَّهُ أُرْسِلَ بَيْنَهُمَا أَلْفُ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سِوَى مَنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ بَيْنَ مِيلادِ عيسى والنبي خمسمائة وَتِسْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةٍ، بُعِثَ فِي أَوَّلِهَا ثَلاثَةُ أَنْبِيَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 14]، وَالَّذِي عُزِّزَ بِهِ شَمْعُونُ، وَكَانَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، وَكَانَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ فِيهَا رسولا أربعمائة وَأَرْبَعًا وَثَلاثِينَ سَنَةٍ، وَإِنَّ عِيسَى حِينَ رُفِعَ كَانَ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ نُبُوَّتُهُ ثَلاثِينَ شَهْرًا، وَإِنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ بِجَسَدِهِ، وَإِنَّهُ حَيٌّ الآنَ.
حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبا يقول: قد خلا من الدنيا خمسه آلاف سنه وستمائه سنة.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بسر، قال: [قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَتُدْرِكَنَّ قَرْنًا»، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ] فهذا ما روي عن علماء الإسلام في ذلك، وفي ذلك من قولهم تفاوت شديد، وذلك أن الواقدي، حكى عن جماعة من أهل العلم أنهم قالوا ما ذكرت عنه أنه رواه عنهم وعلى ذلك من قوله، ينبغي أن يكون جميع سني الدنيا إلى مولد نبينا صلى الله عليه وسلم اربعه آلاف سنه وستمائه سنة، وعلى قول ابْنِ عَبَّاسٍ الذي رواه هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عنه، ينبغي أن يكون إلى مولد النبي صلى الله عليه وسلم خمسه آلاف سنه وخمسمائة سنة.
وأما وهب بن منبه فقد ذكر جملة من قوله من غير تفصيل، وأن ذلك الى زمنه خمسه آلاف سنه وستمائه سنة، وجميع مدة الدنيا عند وهب ستة آلاف سنة، وقد كان مضى عنده من ذلك الى زمانه خمسه آلاف سنه وستمائه سنة وكانت وفاة وهب بن منبه سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة، فكأن الباقي من الدنيا على قول وهب من وقتنا الذي نحن فيه، مائتا سنة وخمس عشرة سنة.
وهذا القول الذي قاله وهب بن منبه موافق لما رواه أبو صالح، عن ابْنِ عَبَّاسٍ.
وقال بعضهم: من وقت هبوط آدم ع الى ان بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ستة آلاف سنة ومائة وثلاث عشرة سنة، وذلك أن عنده من مهبط آدم إلى الأرض إلى الطوفان ألفي سنة ومائتي سنة وستا وخمسين سنة ومن الطوفان إلى مولد إبراهيم خليل الرحمن ألف سنة وتسعا وسبعين سنة، ومن مولد إبراهيم إلى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر خمسمائة سنة وخمسا وستين سنة، ومن خروج موسى ببني إسرائيل من مصر إلى بناء بيت المقدس- وذلك لأربع سنين من ملك سليمان بن داود- ستمائه سنة وستا وثلاثين سنة، ومن بناء بيت المقدس الى ملك الاسكندر سبعمائة سنة وسبع عشرة سنة، ومن ملك الإسكندر الى مولد عيسى بن مريم ع ثلاثمائة سنة وتسعا وستين سنة، ومن مولد عيسى الى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وإحدى وخمسين سنة، ومن مبعثه إلى هجرته من مكة إلى المدينة ثلاث عشرة سنة.
وَقَدْ حَدَّثَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنْ آدَمَ إِلَى نُوحٍ أَلْفَا سَنَةٍ وَمِائَتَا سَنَةٍ، وَمِنْ نُوحٍ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَلْفُ سَنَةٍ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَثَلاثٌ وَأَرْبَعُونَ سنه، ومن ابراهيم الى موسى خمسمائة سَنَةٍ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْ مُوسَى إِلَى دَاوُدَ مِائَةُ سَنَةٍ وَتِسْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى عِيسَى أَلْفُ سَنَةٍ وَثَلاثٌ وَخَمْسُونَ سنه، ومن عيسى الى محمد ستمائه سَنَةٍ.
وَحَدَّثَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيِّ عَنْ بَعْضِ اهل الكتب أَنَّهُ قَالَ: مِنْ آدَمَ إِلَى الطُّوفَانِ أَلْفَا سَنَةٍ وَمِائَتَا سَنَةٍ وَسِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَمِنَ الطُّوفَانِ إِلَى وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ أَلْفُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَمِنْ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِصْرَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْ دُخُولِ يعقوب مصر الى خروج موسى منها أربعمائة سَنَةٍ وَثَلاثُونَ سَنَةً، وَمِنْ خُرُوجِ مُوسَى مِنْ مصر الى بناء بيت المقدس خمسمائة سَنَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَمِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الى ملك بختنصر وخراب بيت المقدس أربعمائة سَنَةٍ وَسِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَمِنْ مُلْكِ بُخْتَنَصَّرَ الى ملك الاسكندر أربعمائة سَنَةٍ وَسِتٌّ وَثَلاثُونَ سَنَةً، وَمِنْ مُلْكِ الإِسْكَنْدَرِ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ أَلْفُ سنه ومائتان وخمس واربعون سنه.