كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: وقصد ساريه بن زنيم، فسا ودارابجرد، …
حتى انتهى إلى عسكرهم، فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء اللَّه ثم إنهم استمدوا، فتجمعوا وتجمعت إليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمر عظيم، وجمع كثير، فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعة من النهار، فنادى من الغد: الصلاة جامعة! حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم، وكان أريهم والمسلمون بصحراء، إن أقاموا فيها أحيط بهم، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ثم قام فقال: يأيها الناس، إني رأيت هذين الجمعين- وأخبر بحالهما- ثم قال: يا سارية، الجبل، الجبل! ثم أقبل عليهم، وقال: إن لله جنودا، ولعل بعضها أن يبلغهم، ولما كانت تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الإسناد إلى الجبل، ففعلوا وقاتلوا القوم من وجه واحد، فهزمهم اللَّه لهم، وكتبوا بذلك إلى عمر واستيلائهم على البلد ودعاء أهله وتسكينهم.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُمَرَ دِثَارِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بنى مازن، قال: كَانَ عُمَرُ قَدْ بَعَثَ سَارِيَةَ بْنَ زُنَيْمٍ الدؤلى إِلَى فَسَا وَدَارَابَجِرْدَ، فَحَاصَرَهُمْ ثُمَّ إِنَّهُمْ تَدَاعَوْا فَأَصْحَرُوا لَهُ، وَكَثَرُوهُ فَأَتَوْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةَ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ، الْجَبَلَ! وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَإِلَى جَنْبِ الْمُسْلِمِينَ جَبَلٌ، إِنْ لَجَئُوا إِلَيْهِ لَمْ يُؤْتَوْا إِلا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَلَجَئُوا إِلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ، فَأَصَابَ مَغَانِمَهُمْ، وَأَصَابَ فِي الْمَغَانِمِ سَفَطًا فِيهِ جَوْهَرٌ، فَاسْتَوْهَبَهُ الْمُسْلِمِينَ لِعُمَرَ، فَوَهَبُوهُ لَهُ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَجُلٍ، وَبِالْفَتْحِ وَكَانَ الرُّسُلُ وَالْوَفْدُ يُجَازُونَ وَتُقْضَى لَهُمْ حَوَائِجُهُمْ، فَقَالَ لَهُ سَارِيَةُ: اسْتَقْرِضْ مَا تَبْلُغُ بِهِ وَمَا تُخْلِفُهَ لأَهْلِكَ عَلَى جَائِزَتِكَ فَقَدِمَ الرَّجُلُ الْبَصْرَةَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَوَجَدَهُ يُطْعِمُ النَّاسَ، وَمَعَهُ عَصَاهُ الَّتِي يَزْجَرُ بِهَا بَعِيرَهُ، فَقَصَدَ لَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِهَا، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ حَتَّى إِذَا أَكَلَ الْقَوْمُ انْصَرَفَ عُمَرُ، وَقَامَ فَأَتْبَعَهُ، فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَشْبَعْ، فَقَالَ حِينَ انْتَهَى إِلَى بَابِ دَارِهِ: ادْخُلْ- وَقَدْ أَمَرَ الْخَبَّازَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْخُوَانِ إِلَى مَطْبَخِ الْمُسْلِمِينَ- فَلَمَّا جَلَسَ فِي الْبَيْتِ أُتِيَ بِغَدَائِهِ خُبْزٍ وَزَيْتٍ وَمِلْحِ جَرِيشٍ، فَوُضِعَ وَقَالَ:
أَلا تَخْرُجِينَ يَا هَذِهِ فَتَأْكُلِينَ؟ قَالَتْ: إِنِّي لأَسْمَعُ حِسَّ رَجُلٍ، فَقَالَ: أَجَلْ، فَقَالَتْ: لَوْ أَرَدْتَ أَنْ أَبْرُزَ لِلرِّجَالِ اشْتَرَيْتَ لِي غَيْرَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ، فَقَالَ:
أَوَمَا تَرْضِينَ أَنْ يُقَالَ: أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَامْرَأَةُ عُمَرَ! فَقَالَتْ: مَا أَقَلَّ غِنَاءَ ذَلِكَ عَنِّي! ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ادْنُ فَكُلْ، فَلَوْ كَانَتْ رَاضِيَةً لَكَانَ أَطْيَبَ مِمَّا تَرَى، فَأَكَلا حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: رَسُولُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلا، ثُمَّ أَدْنَاهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتُهُ رُكْبَتَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ، فاخبره، ثم اخبره بقصة الدرج، فنظر إِلَيْهِ ثُمَّ صَاحَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: لا وَلا كَرَامَةَ حَتَّى تَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْجُنْدِ فَتُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ فَطَرَدَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ أَنْضَيْتُ إِبِلِي وَاسْتُقْرِضْتُ فِي جَائِزَتِي، فَأَعْطِنِي مَا أَتَبَلَّغُ بِهِ، فَمَا زَالَ عَنْهُ حَتَّى أَبْدَلَهُ بَعِيرًا بِبَعِيرِهِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ فَأَدْخَلَهُ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ مَحْرُومًا حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَنَفَذَ لأَمْرِ عُمَرَ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ سَارِيَةَ، وَعَنِ الْفَتْحِ وَهَلْ سَمِعُوا شَيْئًا يَوْمَ الْوَقْعَةِ؟ فَقَالَ:نَعَمْ، سَمِعْنَا: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ، وَقَدْ كِدْنَا نَهْلَكُ، فَلَجَأْنَا إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَ حَدِيثِ عَمْرٍو.