صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة من سنة عشر بالمدينة، ثم خرج منها بمن معه من …
المسلمين من أهل المدينة ومن تجمع من الأعراب، فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وبات بها.
وأتاه آت من ربه عز وجل في ذلك الموضع ـ وهو وادي العقيق ـ يأمره عن ربه عز وجل أن يقول في حجته هذه: حجة في عمرة.
ومعنى هذا أن الله أمره أن يقرن الحج مع العمرة، فأصبح صلى الله عليه وسلم فأخبر الناس بذلك، فطاف على نسائه يومئذ بغسل واحد، وهن تسع، وقيل: إحدى عشرة.
ثم اغتسل وصلى في المسجد ركعتين، وأهل بحجة وعمرة معاً.
هذا الذي رواه بلفظه ومعناه عنه صلى الله عليه وسلم ستة عشر صحابياً، منهم خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد رواه عنه صلى الله عليه وسلم ستة عشر تابعياً، وهو صريح لا يحتمل التأويل، إلا أن يكون بعيداً، وما عدا ذلك مما جاء من الأحاديث الموهمة التمتع أو ما يدل على الإفراد، فلها محل غير هذا تذكر فيه.
والقران في الحج عند أبي حنيفة هو الأفضل، وروي فيه عن الإمام أحمد بن حنبل قول، وعن الإمام أبي عبد الله الشافعي، وقد نصره جماعة من محققي أصحابه، وهو الذي يحصل به الجمع بين الأحاديث كلها.
ومن العلماء من أوجبه، والله أعلم.
وساق صلى الله عليه وسلم الهدي من ذي الحليفة، وأمر من كان معه هدي أن يهل كما أهل صلى الله عليه وسلم.
وسار صلى الله عليه وسلم والناس بين يديه وخلفه، وعن يمينه وشماله أمماً لا يحصون كثرة، كلهم قدم ليأتم به صلى الله عليه وسلم.
فلما قدم صلى الله عليه وسلم مكة طاف للقدوم، ثم سعى بين الصفا والمروة، وأمر الذين لم يسوقوا هدياً أن يفسخوا حجهم إلى عمرة ويتحللوا حلاً تاماً، ثم يهلوا بالحج وقت خروجهمم إلى منى، ثم قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» فدلك هذا أنه لم يكن متمتعاً قطعاً، خلافاً لزاعمي ذلك من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم وقدم علي رضي الله عنه من اليمن فقال صلى الله عليه وسلم: «بم أهللت؟» قال: بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إني سقت الهدي وقرنت» .
روى هذا اللفظ أبو داود وغيره من الأئمة بإسناد صحيح، فهذا صريح في القران، وقدم علي رضي الله عنه من اليمن هدياً، وأشركه صلى الله عليه وسلم في هديه أيضاً، وكان حاصلها مائة بدنة.
ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى منى فبات بها وكانت ليلة الجمعة التاسع من ذي الحجة.
ثم أصبح فسار إلى عرفة وخطب تحت سمرة خطبة عظيمة، شهدها من أصحابه نحو من أربعين ألفاً رضي الله عنهم أجمعين، وجمع بين الظهر والعصر ثم وقف بعرفة.
ثم بات بالمزدلقة، وجمع بين المغرب والعشاء ليلتئذ، ثم أصبح فصلى الفجر في أول وقتها.
ثم سار قبل طلوع الشمس إلى منى، فرمى جمرة العقبة، ونحر، وحلق.
ثم أفاض فطاف بالبيت طواف الفرض وهو طواف الزيارة، واختلف أين صلى الظهر يومئذ، وقد أشكل ذلك على كثير من الحفاظ.
ثم حل من كل شيء حرم منه صلى الله عليه وسلم.
وخطب ثاني يوم النحر خطبة عظيمة أيضاً، ووصى وحذر وأنذر وأشهدهم على أنفسهم أنه بلغ الرسالة.
فنحن نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.
ثم أقبل صلى الله عليه وسلم منصرفاً إلى المدينة، وقد أكمل الله له دينه.