وأما تواضعه عليه الصلاة والسلام، …
على علو منصبه ورفعة رتبته، فكان أشدّ الناس تواضعا، وأقلّهم كبرا، وحسبك أنه خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا أو نبيّا عبدا فاختار أن يكون نبيّا عبدا، وخرج عليه الصلاة والسلام مرة على أصحابه متوكئا على عصا، فقاموا له فقال: “لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضا“، وقال: “إنما أنا عبد اكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد“. وكان يركب الحمار، ويردف خلفه، ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس. وقال عليه الصلاة والسلام: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله” وحجّ عليه الصلاة والسلام على رحل رثّ، وعليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم؛ فقال: “اللهم اجعله حجّا لا رياء فيه ولا سمعة“. هذا وقد فتحت عليه الأرض، وأهدى في حجّه ذلك مائة بدنة، ولما فتحت عليه مكّة، ودخلها بجيوش المسلمين، طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمسّ قادمته تواضعا لله تعالى. وعن أبي هريرة رضى الله عنه: دخلت السوق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فاشترى سراويل، وقال للوزّان: “زن وأرجح“، ثم قال: فوثب إلى يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلها، فجذب يده، وقال: “هذا تفعله الأعاجم بملوكها، ولست بملك، إنما أنا رجل منكم“، ثم أخذ السراويل، فذهبت لأحمله قال: “صاحب الشيء أحقّ بشيئه أن يحمله“.