قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ فِيهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ إلَى النَّاسِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ، فَرَفَعَ السِّتْرَ، وَفَتَحَ الْبَابَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ، فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ، وَتَفَرَّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرُورًا لَمَّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السَّاعَةَ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ: “أَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ“. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، لَمْ يَشُكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتَّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصُّبْحِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّجَ النَّاسُ، فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ عَنْ مُصَلَّاهُ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَهْرِهِ، وَقَالَ: “صَلِّ بِالنَّاسِ“، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَكَلَّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، يَقُولُ: “أَيُّهَا النَّاسُ، سُعِّرَتْ النَّارُ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا تَمَسَّكُونِ عَلَيَّ بِشَيْءِ، إنِّي لَمْ أُحِلَّ إلَّا مَا أَحَلَّ الْقُرْآنُ، وَلَمْ أُحَرِّمْ إلَّا مَا حَرَّمَ الْقُرْآنُ“.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي أَرَاكَ قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبُّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ، أَفَآتِيهَا؟ قَالَ: “نَعَمْ“، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ.