وفي ليلته أمسى النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم بقُباَء …
في ضواحي المدينة المنورة عند منازل بني عمرو بن عوف، واستمرت
إقامته عند كلثوم بن الهدم، وهي الليلة الثالثة من دخوله قبُاء من رحلة الهجرة الشريفة، واستمر يستقبل الناس من الأنصار وأخواله من بني النجّار ومن جاء يسُلم عليه، فصلىّى المغرب والعشاء وانتقل لبيت كلثوم ابن هدم للمبيت، وبات حتى طلوع الفجر، فصلى الصبح بالناس جماعة في مسجد قبُاَء، وأكملوا العمل على بناء المسجد وجلس النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم يستقبل الناس في بيت سعد بن خيثمة.
وفيه لحق عليّ بن أبي طالب رضي اللهّٰ عنه بالنبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلمّ حتى نزل معه على كلثوم بن هدم، وكان قد بقي في مكّة بعد النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ثلاث ليال يردّ الأمانات المودعة عند النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم لأهلها ثم لحق بالنبي مسرعاً في سيره، فلحقه بقباء اليوم على الراجح مما قطع من وقت في مكة ثم في الطر يق والله أعلم.
وفيه أيضًا لحق صهيب بن سنان الرومي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان قد نوى الهجرة مع النبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وأبي بكر ثم تأخر عنهما، واستوقفته قريش وهو خارج من مكة وأرادوا منعه من الهجرة، فقال لهم: تعلمون أنَيّ أمهركم بالرماية بالسهام، فلو تبعني أحد منكم أفرغت سهامي فيكم، فقالوا: تتركنا وقد جئتنا صعلوكًا لا مال لك، ثم صرت بيننا غنياً!، قال: فإن أعطيتم مالي تتركونني؟، قالوا: نعم!، فأرشدهم لماله الذي خبأه بمنزله فتركوه، ولحق بالنبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم بقباء فلماّ رآه النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم قال: “ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى!” -وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كنَاّه أبا يحيى-، فقال صهُيب: يا رسول الله ما سبقني أحد إليك فيخبرك بقصتي وما حدث معي من قرُيش!، فهو وحي من اللهّٰ تعالى، وجلس صهُيب عند رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وكان أُهدي إليه صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم تمراً ورطُباً وكان صهيب جائعاً جدًا لم يأكل منذ أيَّام، قال يا رسول اللهّٰ لم آكل إلا بعض الدقيق عجنته في الأبواء! -على بعُد حوالي 6 أيام من السير، وهي 270 كم تقريباً-، وأصابه مرض الرمَد في إحدى عينيه في طر يق هجرته، فأكل مع النَبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم من التمر والرطب، وكان سلمان رجلاً ظر يفًا يُحب المزُاح، فمازحه النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم قائلاً: “تأكلُ الرطُب أو التمر وأنت أرمد-عينك مريضة-؟”، فقال صهُيب بداهة: “إنما آكل بعيني الصحيحة يا رسول اللهّٰ!”، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه -أسنانه-، ونزل في صهُيب قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ} [البقرة: 207]، ونزل صهُيب في بيت سعد بن خيثمة أيضا.