فلما كان العام المقبل قدم اثنا عشر رجلاً، منهم عَشَرة من الخزرج، واثنان من الأوس، وهم: …
أسعد بن زرارة، وعوف ومعاذ ابنا الحارث، ورافع بن مالك، وذكوان بن قيس، وعُبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة، والعباس بن عبادة، وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر، وهؤلاء من الخزرج، وأبو الهيثمبن التَّيِّهان، وعُوَيم بن ساعدة وهما من الأوس، فاجتمعوا به عند العقبة، وأسلموا وبايعوا رسول الله على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على ألا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف، فإن وَفَوا فلهم الجنة، وإن غَشوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله عز وجل، إن شاء غفر وإن شاء عذب، وهذه هي العقبة الأولى.
فأرسل لهم عليه الصلاة والسلام مصعب بن عمير العبدري وعبد الله ابن أُم مكتوم ــــ وهو ابن خالة خديجة ــــ يُقرآنهم القرآن، ويفقهانهم في الدين، ونزل مصعب على أحد المبايعين أبي أُمامة أسعد بن زرارة، وصار يدعو بقية الأوس والخزرج للإسلام. وبينما هو في بستان مع أسعد بن زرارة إذ قال سعد بن معاذ ــــ رئيس قبيلة الأوس ــــ لأُسَيْد بن حُضير ابن عم سعد: ألا تقوم إلى هذين الرجلين اللذين أتيا يُسَفِّهان ضعفاءنا لتزجرهما؟ فقام لهما أسيد بحربته، فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيد قومه، وقد جاءك فاصدق الله فيه، فلما وقف عليهما قال: ما جاء بكما تُسَفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلا إن كان لكما بأنفسكما حاجة. فقال مصعب: أوَ تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، فقرأ عليه مصعب القرآن فاستحسن دينَ الإسلام، وهداه الله له فتشهد ورجع إلى سعد، فسأله عمّا فعل، فقال: والله ما رأيتُ بالرجلين بأساً، فغضب سعد وقام لهما مغيظاً، ففعل معه مصعب كسابقه فهداه الله للإسلام، ورجع لرجال بني عبد الأشهل، وهم بطن من الأوس، فقال لهم: ما تعدُّونني فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا. قال: كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تُسلموا، فلم يبق بيت من بيوت بني عبد الأشهل إلا أجابه، وقد انتشر الإسلام في دور يثرب حتى لم يكن بينهم حديث إلا أمر الإسلام.