وقبل الدخول في موضوع هذا الجهاد …
أرى من الأحسن أن أستطرد إلى بيان أقسام الوحي ومراتبه. قال ابن القيم: وهو يذكر تلك المراتب:
إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم.
الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس؛ حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته».
الثالثة: إنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلًا فيخاطبه حتى يَعِىَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.
الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتفصَّد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.
الخامسة: إنه يرى الملك في صورته التي خُلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم.
السادسة: ما أوحاه الله إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك، كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن. وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء.
وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف. انتهى مع تلخيص يسير في بيان المرتبة الأولى والثامنة(1).