هذا، ولنبيّن لك مجمل ما دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام بمكة من أصول الدين وذلك أمران: …
الأول: الاعتقاد بوحدانية الله وأن لا يُشرك معه في العبادة غيره، سواء كان ذلك الغير صنماً كما يفعل مُشرِكو مكة، أو أباً أو زوجةً أو بنتاً كما عليه بعض الطوائف الأخرى كالنصارى، ولولا الاعتقاد بوحدانية الله ما كَلَّف أحد نفسه تكاليف الحياة من آداب الأخلاق بل كان يسير فيما تأمره به نفسه من شهواتها وملذاتها ما دام ذلك خافياً عن الناس.
الثاني: الاعتقاد بالبعث والنشور وأن هناك يوماً ثانياً للإنسان يُجازى فيه على ما صنعه في الدنيا إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر، وعلى هذين الأمرين جاء غالب الآي المكيّة، فقلّما نرى سورة من سور مكة إلا مشحونة بالاستدلال عليهما وتوبيخ من تركهما، وكل ذلك بأساليب تأخذ بالعقل، وبراهين لا تحتاج لفلسفة الذين يشغلون أنفسهم بما لا طائل تحته ممّا يضيع الوقت سدًى. ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من القرآن معظمه، وهو ما عدا ثلاثاً وعشرين سورة منه، وهي: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنفال، التوبة، الحج، النور، الأحزاب، القتال، الفتح، الحجرات، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحنة، الصف، الجمعة، المنافقون، التغابن، الطلاق، التحريم، النصر، هذه كلها مدنية وباقي القرآن مكّي.
ولما نزل عليه الصلاة والسلام بقُباء، نزل على شيخ بني عمرو كُلثوم بن الهدم، وكان يجلس للناس ويتحدث لهم في بيت سعدبن خَيثمة لأَنَه كان عزباً. ونزل أبو بكر بالسُّنْح (محلة بالمدينة) على خارجة بن زيد من بني حارث من الخزرج.