ولما دخلوا المدينة استشار عليه الصلاة والسلام أصحابه فيما يفعل بالأسرى، …
فقال عمربن الخطاب: يا رسول الله قد كذّبوك وقاتلوك وأخرجوك فأرى أن تمكِّنني من فلان ــــ لقريب له ــــ فأضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخيه العباس، وعليّاً من أخيه عقيل. وهكذا حتى يعلم الناس أنه ليس في قلوبنا مودّة للمشركين، ما أرى أن تكون لك أسرى، فاضرب أعناقهم، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. ووافقه على ذلك سعد بن معاذ وعبد الله بن رواحة، وقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء أهلك وقومك قد أعطاك الله الظفر والنصر عليهم، أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم بك فيكونوا لك عضداً. فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليُلِّين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشدّ من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح: 26]» ورأى عليه الصلاة والسلام رأي أبي بكر بعد أن مدح كلاًّ من الصاحبين لأن الوجهة واحدة وهي إعزاز الدين، وخذلان المشركين، ثم قال لأصحابه: «أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد من أسراكم إلا بفداء» وقد بلغ قريشاً ما عزم عليه رسول الله في أمر الأسرى، فناحت على القتلى شهراً، ثم أشير عليهم من كبارهم ألاّ يفعلوا كيلا يبلغ محمداً وأصحابه جزعهم فيشمتوا بهم، فسكتوا وصمّموا على ألا يبكوا قتلاهم حتى يأخذوا بثأرهم، وتواصوا فيما بينهم ألاّ يعجلوا في طلب الفداء لئلا يتغالى المسلمون فيه.