الانتقال الشريف إلى الرفيق الأعلى
وفي صبيحته اجتمع أهل بيته الكرام لجهاز الجسد الشريف، وهم: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس،…
وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولاه، فقاموا إليه بعد صلاة الصُبح، يغسّلونه صلى الله عليه وآله وسلَّم، واختلفوا لا يدرون أيجرّدونه من يثابه أم يغسّلونه بها؟، فأُلْقِيَ عليهم النعاس في مكانهم، وسمعوا صوتًا من ناحية البيت يقول: “أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه”، فاتّفقوا أن يغسّلوه صلى الله عليه وآله وسلَّم في ثوبه، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم يقلّبونه معه، وكان أسامة بن زيد وشقران يصُبّان الماء، وعليّ يغسله بيده، يدلكه من فوق قميصه صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: “بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيًّا وميّتًا!”.
فلمّا انتهوا من غُسْلِه صلى الله عليه وآله وسلم كفّنوه في ثلاثة أثواب، ثوبين صُحَاريَّيْن، وبُردة حبرة [^1]، أدخلوا جسده الشريف فيها، واختلفوا أين يدفنوه؟، فقال بعضهم: “ندفنه في المسجد”، وقال آخر: “بل ندفنه مع أصحابه”، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “إني سمعت رسول الله صل الله عليه وآله وسلم يقول: ما قُبِضَ نبيّ إلا دُفن حيث قُبِض”، فرفعوا فراشه الذي تُوُفّي فيه ليحفروا تحته.
ثم اختلفوا كيف تكون حُفْرَته التي يدفن فيها أفي لحد أم في شِقّ؟[^2]، فأرسل العبّاس إلى رجلين أحدهما مختصّ بالشِّق كحفر أهل مكّة وهو أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وكان أبو طلحة زيد بن سهل من أهل المدينة يصنع اللحد، فقال العبّاس: “اللهم اختر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”، فلم يجدوا إلا أبا طلحة فجاءوا به فحفر لحدًا.
وجاء النّاس يصلّون عليه صلى الله عليه وآله وسلّم أرسالًا، رجالًا ونساءًا وأطفالًا، بالليل والنهار، تدخل مجموعات تصلّي عليه في حجرته الشريفة بغير إمام، ومجموعات تصلّي في المسجد، فصلّى عليه نحو عشرة آلاف إنسان في حجرته الشريفة، ونحوًا من عشرين ألف في المسجد.
[^1]: صُحاريين نسبة إلى صُحارى من قُرى اليمن، والبُرد الحَبَرة ثوب مخطط من القطن أو الكتان يمني الصُنع كذلك.
[^2]: اللحد يكون بعمل حُفرة بطول قامة الإنسان وعرض جسمه، ثم يتم عمل جيب على قدر جسده في جانب الحفرة يوضع فيها ولا يوضع في الحفرة نفسها، والشِّق أن يوضع في الحفرة نفسها.
—