إذا تأمل المتأمل ما قدّمناه من جميل أثر هذا السيد الكريم وحميد سيره، وبراعة علمه، ورجاحة عقله وحلمه، وجملة كماله، وجميع خصاله، وشاهد حاله، …
وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوّته، وصدق دعوته، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه، والإيمان به، كعبد الله بن سلام. فإنه قال: لما قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة جئته لأنظر إليه؛ فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وروى مسلم أن ضمادا لما وفد عليه، قال له صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله واحده لا شريك له، وأن محمّدا عبده ورسوله” فقال له ضماد: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فلقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك. ولما بلغ ملك عمان أن رسول الله عليه الصلاة والسلام يدعوه إلى الإسلام قال: والله لقد دلّني على هذا النبيّ الأمي أنه لا يأمر بخير إلّا كان أول اخذ به، ولا ينهى عن شيء إلّا كان أول تارك له، وإنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي. قال ابن رواحة:
لو لم تكن فيه ايات مبيّنة *** لكان منظره ينبيك بالخبر
كيف وقد أظهر الله على يده تصديقا لدعوته من المعجزات ما لا يفي به العدّ فهو أكثر الأنبياء اية، وأظهرهم برهانا، وسنذكر لك في هذا الفصل من الايات ما تقرّبه عينك، ويزداد به يقينك مما رواه الجمّ الغفير من الصحابة رضوان الله عليهم، وأثبته المحدّثون في صحاحهم، ونبدأ منها بأظهرها شأنا، وأوضحها بيانا، وهو القران الشريف وإعجازه.