وأما الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق …
فقد وصفه الله بها في قوله {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وقال: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
روي أنّ أعرابيا جاءه يطلب منه شيئا فأعطاه، ثم قال:”أأحسنت إليك؟” قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم: “أن كفّوا” ثم قام ودخل منزله، وأرسل إليه، وزاده شيئا، ثم قال: “أأحسنت إليك؟” قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال عليه الصلاة والسلام: “إنك قلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ، حتى يذهب ما في صدورهم عليك“، قال: نعم، فلما كان الغد- أو العشي- جاء فقال عليه الصلاة والسلام: “إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي، أكذلك؟“. قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال عليه الصلاة والسلام: “مثلي ومثل هذا، مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتّبعها الناس فلم يزيدوها إلّا نفورا، فناداهم صاحبها: خلّو بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجّه لها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردّها حتى جاءت واستناخت، وشدّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار“.
وقال عليه الصلاة والسلام: “لا يبلّغني أحد منكم عن أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر“. وكان يسمع بكاء الصبي فيتجوّز في صلاته. وعن ابن مسعود كان عليه الصلاة والسلام يتخوّلنا بالموعظة مخافة السامة علينا.