منح الله سبحانه نبينا صلّى الله عليه وسلّم من كمالات الدنيا والاخرة …
ما لم يمنحه غيره ممن قبله أو بعده، ولا بدّ أن نأتي لك في هذا الباب بنبذة يسيرة من محاسن صفاته وأحاسن ادابه، لتكون لك نموذجا تسير عليه، حتى تكون على قدم نبيّك صلّى الله عليه وسلّم، فتستحق الحمد في الدنيا والذخر في الاخرى. فاعلم أرشدني الله وإيّاك وهدانا للصراط السوي أنّ خصال الجلال والكمال في البشر نوعان: ضروري دنيوي اقتضته الجبلّة وضرورة الحياة، ومكتسب ديني، وهو ما يحمد فاعله ويقرّب إلى الله زلفى. فأما الضروري فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب مثل ما كان في جبلّته عليه الصلاة والسلام من كمال الخلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل، وصحّة الفهم، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس والأعضاء، واعتدال الحركات وشرف النسب، وعزّة القوم، وكرم الأرض، ويلحق به ما تدعو ضرورة الحياة إليه من الغذاء والنوم والملبس والمسكن والمال والجاه. أما المكتسبة الاخروية:
فسائر الأخلاق العليّة والاداب الشرعية من: الدين، والعلم، والحلم، والصبر، والشكر، والعدل، والزهد، والتواضع، والعفو، والعفّة، والجود، والشجاعة، والحياء، والمروءة، والصمت، والتؤدة، والوقار، والرحمة، وحسن الأدب، والمعاشرة وأخواتها، وهي التي يجمعها حسن الخلق.
فإذا نظرت- رعاك الله- إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة وفي جبلّة الخلقة، وجدته عليه الصلاة والسلام حائزا لجميعها، محيطا بشتات محاسنها.
فأما الصورة وجمالها، وتناسب أعضائه في حسنها، فقد جاءت الاثار الصحيحة والمشهورة الكثيرة بذلك. من أنه صلّى الله عليه وسلّم كان أزهر اللون، أدعج، أنجل، أشكل، أهدب الأشفار، أبلج، أزجّ، أقنى، أفلج، مدوّر الوجه، واسع الجبين، كثّ اللحية تملأ صدره، سواء البطن والصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، عبل العضدين والذراعين، والأسافل، رحب الكفّين والقدمين، سائل الأطراف، أنور المتجرّد، دقيق المسربة، ربعة القدّ، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردّد، ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلّى الله عليه وسلّم، رجل الشعر، إذا افترّ ضاحكا افترّ عن مثل سنا البرق، وعن مثل حبّ الغمام، إذا تكلم رئي كالنّور يخرج من بين ثناياه، أحسن الناس عنقا، ليس بمطهّم ولا مكلثم متماسك البدن، ضرب اللّحم. قال البراء بن عازب: ما رأيت من ذي لمّة سوداء في حلّة حمراء، أحسن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر. وفي حديث ابن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر. وقال علي رضي الله عنه في اخر وصفه له: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله، ولا بعده مثله صلّى الله عليه وسلّم.