سريّة زيد بن حارثة إلى الفَرْدَة وهي سريّة القَرَدَة
كان مُشركي قُريش يحذرون طريق الشَّام، ويخافون المرور به حتى لا يتعرض لقوافلهم المسلمين بالمُصادرة كما حاول المُسلمون في بدر،…
وازداد الأمر عليهم صعوبة يومًا بعد يوم، فقد تأثَّرَت تجارتهم ولا يستطيعون إيقافها أكثر من ذلك وإلا أكلوا رؤوس أموالهم فهلكوا، فاجتمعوا يتشاورون.
قال صفوان بن أُميّة: “إن محمدًا وأصحابه قد آذونا في تجارتنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه لا يبرحون السّاحل، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامّتهم معه، فما ندري أين نسلُك؟، وإن أقمنا نأكل رؤوس أموال ونحن في دارنا هذه لن نجد ما ننفق!”، قال الأسود بن المُطَّلِب: “اترُك طريق السَّاحِل وخُذ طريق العِراق”، قال صفوان: “لستُ بها عارفًا!”، قال أبو زمعة: “فأنا أدُلُّك على أمهر دليل بها، يسلُكها وهو مُغمض العينين، إن شاء الله”، قال صفوان: “من هو؟”، قال زمعة: “فُرات بن حيّان العِجلي، قد دوّخها وسَلَكَها”، قال صفوان: “فليكُن”، وأرسل إلى فُرات بن حيّان، فجاءه فقال له صفوان: “إنّي أُريد الشّام، وقد آذانا مُحمد في تجارتنا لأنّ طريق الشام الذي اعتدناه يمُرّ عليه، فأردت أن أسلك بتجارتي طريق العِراق”، قال فُرات: “فأنا أسلُك بك في طريق العِراق!، ليس يطؤها أحد من أصحاب مُحمّد، إنما هي أرض نجدٍ وفيافٍ -صحراء قاحلة منبسطة قليلة الماء-”، قال صفوان: “هذا هو المطلوب، أمّا الفيافي فنحن شاتُون [^1]، وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل.
وتجهّز صفوان بن أُميَّة، وأرسل معه أبو زمعة ثلاثمائة مثقال ذهب -حوالي 1275 كجم من الذهب-، وقطع من الفضّة، وبعث معه بعض قُريش بضائع، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن بعد العُزّى في مجموعة من تُجّار قُريش، وخرج صفوان ومعه أموال كثيرة، قطع من الفضّة وعدّة آنية من الفضّة وزنها ثلاثين ألف درهم -حوالي 90 كجم من الفضّة-، فسلكوا طريق #~~~ذات عِرق~~~# حتى يخرجوا على نجد، ثم طريق العِراق حتى الشَّام.
وجاء نُعيم بن مسعود الأشجعي -ولم يدخل الإسلام بعد-، فنزل عند كنانة بن أبي الحُقيق في بني النضير فشرب معه الخمر، وشرب معهما سليط بن النُّعمان بن أسلم -وهو مُسلِم، ولم تُحرَّم الخمر بعد-، فذكر نُعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال، فخرج سليط مُسرعًا فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة أن يتجهّز ومعه سريّة من مائة راكب، يسيروا حتى يعترضوا تلك القافلة على طريق العِراق ليُصادِروها، وهي أول سريّة يخرج فيها زيد أميرًا.
وفي ليلته صلى المُسلمون المغرب والعشاء وأقاموا أوّل الليل، ثم خرج زيد رضي الله عنه ومن معه فساروا شرقًا حوالي 19 كم في أربع ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~العاقول~~~# وقت صلاة الصبح فصلوه به أو قريبًا منه، ووقفوا للاستراحة، ثم حوالي 24 كم في خمس ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~ذا القصّة~~~#، فوقفوا للاستراحة وغربت الشمس وهم هناك.
[^1]: والرّواية تُوافق تحديد التاريخ وتؤكد دقّته، إذ المُعتاد في رحلة الشّام عند العرب أنّها صيفًا، وتأريخ هذه السريّة أنها خرجت في جُمادى الآخرة وموافقة ذلك لآخر شهر نوفمبر يوافق الرواية المذكورة عن صفوان، أنهم ذهبوا للشام أوّل الشتاء، والشتاء العربي يبدأ أوّل ديسمبر تقريبًا -انظر مُلخّص كتاب الأنواء بالملاحق العلميّة-.