وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا،…
وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ، فَقَالَ:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ … أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دونه الْأَجَل
فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ … أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ
وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرُ أَوْبَةٌ … فَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ
تُذَكِّرْنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا … وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إذَا غَرْبُهَا أَفَلْ
وَإِنْ هَبَّتْ الْأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ … فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا … وَلَا أُسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ
حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي … فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلُ
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيكَ، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ فَصَدَّقَهُ وَأَسْلَمَ، وَصَلَّى مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ} [الأحزاب: 5]. قَالَ: أَنَا زَيْدُ ابْن حَارِثَةَ.