فَلَمَّا هَلَكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَثَبَتْ بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ …
يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ عَقْلَ الْوَلِيدِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ- وَكَانَ لِبَنِي كَعْبٍ حِلْفٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ، حَتَّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا، وَغَلُظَ بَيْنَهُمْ الْأَمْرُ- وَكَانَ الَّذِي أَصَابَ الْوَلِيدَ سَهْمُهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بْنِ مَخْزُومٍ:
إنِّي زَعِيمٌ أَنْ تَسِيرُوا فَتَهْرُبُوا … وَأَنْ تَتْرُكُوا الظَّهْرَانَ تَعْوِي ثَعَالِبُهُ
وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ أَطْرِقَا … وَأَنْ تَسْأَلُوا: أَيُّ الْأَرَاكِ أَطَايِبُهُ؟
فَإِنَّا أَنَاسٌ لَا تُطَلُّ دِمَاؤُنَا … وَلَا يَتَعَالَى صَاعِدًا مَنْ نُحَارِبُهُ
وَكَانَتْ الظَّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ مَنَازِلَ بَنِي كَعْبٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. فَأَجَابَهُ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ، أَخُو بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ، فَقَالَ:
وَاَللَّهِ لَا نُؤْتِي الْوَلِيدَ ظُلَامَةً … وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ
وَيُصْرَعُ مِنْكُمْ مُسْمِنٌ بَعْدَ مُسْمِنٍ … وَتُفْتَحُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ
إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ وَخَزِيرَكُمْ … فَكُلُّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ وَنَادِبُهْ
ثُمَّ إنَّ النَّاسَ تَرَادُّوا وَعَرَفُوا أَنَّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السُّبَّةَ، فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ، وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمَّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:
وَقَائِلَةٍ لَمَّا اصْطَلَحْنَا تَعَجُّبًا … لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ
أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً … وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ
فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسِّلْمِ فَاسْتَوَتْ … فَأَمَّ هَوَاهُ آمِنًا كُلُّ رَاحِلِ
ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ حَتَّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فَلَحِقَ بِالْوَلِيدِ (وَ) بِوَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذَّرَهُ، فَقَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:
أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّ كَعْبًا … بِمَكَّةَ مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ
فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ تَرَاهَا … بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ
بِهَا آبَاؤُنَا وَبِهَا وُلِدْنَا … كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ
وَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ ذَاكَ إلَّا … لِيَعْلَمَ شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ
فَإِنَّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلُّ إنَّا … نَطُلُّ دِمَاءً أَنْتَ بِهَا خَبِيرُ
كَسَاهُ الْفَاتِكُ الْمَيْمُونُ سَهْمًا … زُعَافًا وَهْوَ مُمْتَلِئٌ بَهِيرُ
فَخَرَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مُسْلَحِبًّا … كَأَنَّهُ عِنْدَ وَجْبَتِهِ بَعِيرُ
سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ … صِغَارٌ جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أُقْذِعَ فِيهِ.