وفي صبيحته كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم باجتماع قبيلة هوازن -ومعها أفراد من قبيلة ثقيف- وتجييشها الجيوش بمنطقة …
#~~~أوطاس~~~# استعدادا للهجوم على المسلمين، وقد سارت جموعهم متوجهين ناحية مكّة المكرمة، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمع المسلمون ممن جاء معه في الفتح ومن لحق بهم ممن أسلم في مكّة وهم اثنا عشر ألف مقاتل، عشرة آلاف من أهل المدينة وألفين من أهل مكّة، ولمّا تحرّك الجيش قال رجل من الصحابة الكرام -قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه-: “لو لقينا بني شيبان -قبيلة كبيرة العدد- ما بالينا!، ولا يغلبنا اليوم أحدٌ من قِلَّة، وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة 25]، وخرج معهم جماعة من مشركي مكّة لأغراض مختلفة، منهم صفوان ابن أميّة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استعار منه مائة درع بأدواتها كاملة -كما تقدَّم-، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اكفنا حملها»، فحملها صفوان على قافلة خاصة به.
وساروا حوالي 14 كم في ثلاث ساعات تقريبًا حتى كانوا عند #~~~جبل المقطع~~~# مباشرة خارج حدود الحرم المكي الشماليّة [^1]، فرأى الناس شجرة عظيمة خضراء على جانب الطريق كانت قريش والعرب يعظّمونها في الجاهليّة فيأتون إليها يذبحون ويعكفون عليها يومًا، يعلقون عليها ملابسهم ويدخلون بغيرها إلى الحرم وقت الحجّ ويسمونها “ذات أنواط” -أي التي يُعلّق عليها الأمتعة-، الراجح أنّها أقرب ما يكون من جبل المقطع خارج حدّ الحرم، فلمّا رآها بعض أهل مكة حديثي عهد بالإسلام -قيل كان معهم الحارث بن مالك الأنصاري وليس حديث عهد بالإسلام-، فقالوا: “يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط!”، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: {ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]».
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أسرع السير إلى أرض هوازن، فلحقه رجل وقال: “يا رسول الله، قد تقطعوا من ورائك -يعني تباعدت المسافات بين الجيش يحاولون اللحاق بك من سرعتك-“، فنزل صلى الله عليه وآله وسلم في وسط الطريق فصلّى العصر وتجمّع الناس عنده صلى الله عليه وآله وسلم. وجاءه فارس فقال: “يا رسول الله انطلقت من بين أيديكم على جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن على بكرة أبيها بظُعنها ونسائها ونعمها في وادي حُنين”، فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله».
ونزل الجيش عند منطقة بها أشجار يستظلون بها، فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرة عظيمة وعلّق عليها سيفه وقوسه واستراح تحت ظلّها صلى الله عليه وآله وسلم. وكان أبو بُردة بن نِيار قريب من المكان الذي سيتريح فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعه يناديه: «يا أبا بُردة!»، ففُزع أبو بُردة وأسرع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلًا: “لبيك!”، فلمّا وقف عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجده جالسًا وعنده رجل جالس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن هذا الرجل جاء وأنا نائم فسلّ سيفي ثم قام به على رأسي ففزعت به، وهو يقول: يا محمد من يؤمنك مني اليوم؟، قُلتُ: الله»، فوثب أبو بُردة إلى سيفه فسلّه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أدخل سيفك إلى غمده يا أبا بردة”، قال أبو بُردة: “يا رسول الله دعني أضرب عُنق عدو الله، فإن هذا من عُيون المشركين -جاسوسًا لهم-“، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اسكت يا أبا بُردة»، يقول أبو بُردة: “فما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا ولا عاقبه!، وأخذ أبو بُردة يصيح في الجيش ليراه الناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نهى أبو بردة عن قتله، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أُلهُ عن الرجل يا أبا بُردة» -يعني لا تلفت الأنظار إليه واتركه يرحل!!-، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أبا بُردة إن الله مانعي وحافظي حتى يُظهر دينه على الدين كلّه» [^2].
وأكملوا المسير شرقًا حوالي 12 كم في ساعتين ونصف تقريبًا حتى نزلوا #~~~وادي حُنين~~~#، وغربت الشمس وهم عند أطراف وادي حُنين من الجهة الجنوبيّة.
[^1]: الأرجح أن هذه الشجرة كانت قريبة من جبل المقطع عند الحد الشرقي للحرم المكّي على الطريق إلى وادي حُنين كما ذُكِر، والظّاهر أنّها كانت خارج الحرم مباشرة لما ذكر من روايات أهل الجاهلية تعليقهم عليها ملابسهم وبقائهم عندها قبل دخول الحرم، والله أعلم.
[^2]: وهذا من كمال رحمته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الغاية في سعة الصدر والحلم والرحمة منه صلى الله عليه وآله وسلم!، وعدم الغضب لغير الله تعالى، فالرّجل كان قد اجترأ على قتله صلى الله عليه وآله وسلم، وحمل عليه السيف وهو جاسوس مُشرِك مُحارب في وقت الحرب، ومع ذلك تركه يرحل بكل بساطة!، بل وأمر أبا بُردة ألا يتعرض له، بل ويُلهي الجيش عنه!، وأعجب منه أنّ هذا الرجل لا يُعلم له إسلام ولا من هو، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وسلم.