قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
فَلَمَّا مُزِّقَتْ الصَّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ:
أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيَّنَا صُنْعُ رَبِّنَا … عَلَى نَأْيِهِمْ وَاَللَّهُ بِالنَّاسِ أَرْوَدُ
فَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ مُزِّقَتْ … وَأَنْ كُلُّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللَّهُ مُفْسَدُ
تُرَاوِحُهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مُجَمَّعٌ … وَلَمْ يُلْفَ سِحْرٌ آخِرَ الدَّهْرِ يَصْعَدُ
تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ … فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدَّدُ
وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ … لِيُقْطَعَ مِنْهَا سَاعِدٌ وَمُقَلَّدُ
وَيَظْعَنُ أَهْلُ الْمَكَّتَيْنِ فَيَهْرُبُوا … فَرَائِصُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الشَّرِّ تُرْعَدُ
وَيُتْرَكُ حَرَّاثٌ يُقَلِّبُ أَمْرَهُ … أَيُتْهِمُ فِيهِمْ عِنْدَ ذَاكَ وَيُنْجِدُ
وَتَصْعَدُ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ كَتِيبَةٌ … لَهَا حُدُجٌ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ
فَمَنْ يَنْشَ مِنْ حُضَّارِ مَكَّةَ عِزُّهُ … فَعِزَّتُنَا فِي بَطْنِ مَكَّةَ أَتْلَدُ
نَشَأْنَا بِهَا وَالنَّاسُ فِيهَا قَلَائِلُ … فَلَمْ نَنْفَكِكْ نَزْدَادُ خَيْرًا وَنَحْمَدُ
وَنُطْعِمُ حَتَّى يَتْرُكَ النَّاسُ فَضْلَهُمْ … إذَا جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تُرْعَدُ
جَزَى اللَّهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَبَايَعُوا … عَلَى مَلَأٍ يُهْدِي لِحَزْمٍ وَيُرْشِدُ
قُعُودًا لَدَى خَطْمِ الْحَجُونِ كَأَنَّهُمْ … مَقَاوِلَةٌ بَلْ هُمْ أَعَزُّ وَأَمْجَدُ
أَعَانَ عَلَيْهَا كُلُّ صَقْرٍ كَأَنَّهُ … إذَا مَا مَشَى فِي رَفْرَفِ الدِّرْعِ أَحْرَدُ
جَرِيٌّ عَلَى جُلَّى الْخُطُوبِ كَأَنَّهُ … شِهَابٌ بِكَفَّيْ قَابِسٍ يَتَوَقَّدُ
مِنْ الْأَكْرَمِينَ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ … إذَا سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ يَتَرَبَّدُ
طَوِيلُ النِّجَادِ خَارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ … عَلَى وَجْهِهِ يُسْقَى الْغَمَامُ وَيُسْعِدُ
عَظِيمُ الرَّمَادِ سَيِّدٌ وَابْنُ سَيِّدٍ … يَحُضُّ عَلَى مَقْرَى الضُّيُوفِ وَيَحْشِدُ
وَيَبْنِي لِأَبْنَاءِ الْعَشِيرَةِ صَالِحًا … إذَا نَحْنُ طُفْنَا فِي الْبِلَادِ وَيَمْهَدُ
أَلَظَّ بِهَذَا الصُّلْحِ كُلُّ مُبَرَّأٍ … عَظِيمِ اللِّوَاءِ أَمْرُهُ ثَمَّ يُحْمَدُ
قَضَوْا مَا قَضَوْا فِي لَيْلِهِمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا … عَلَى مَهَلٍ وَسَائِرُ النَّاسِ رُقَّدُ
هُمٌ رَجَعُوا سَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ رَاضِيًا … وَسُرَّ أَبُو بَكْرٍ بِهَا وَمُحَمَّدُ
مَتَى شُرِّكَ الْأَقْوَامُ فِي جُلِّ أَمْرِنَا … وَكُنَّا قَدِيمًا قَبْلَهَا نُتَوَدَّدُ
وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً … وَنُدْرِكُ مَا شِئْنَا وَلَا نتشدّد
فيا لقصىّ هَلْ لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ … وَهَلْ لَكُمْ فِيمَا يَجِيءُ بَهْ غَدُ
فَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ … لَدَيْكَ الْبَيَانُ لَوْ تَكَلَّمْتَ أَسْوَدُ