قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ…
بْنَ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ وَفَضْلَ قُصَيٍّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَضْلَ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُخِذَ بِغُرْمِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِمَكَّةَ، فَوَقَفَ بِهَا فَمَرَّ بِهِ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَافْتَكَّهُ:
أَعَيْنِيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ عَلَى الصَّدْرِ … وَلَا تَسْأَمَا أُسْقِيتُمَا سَبَلَ الْقَطْرِ
وَجُودَا بِدَمْعٍ وَاسْفَحَا كُلَّ شَارِقٍ … بُكَاءَ امْرِئٍ لَمْ يُشْوِهِ نَائِبُ الدَّهْرِ
(وَسُحَّا وَجُمَّا وَاسْجُمَا مَا بَقِيتُمَا … عَلَى ذِي حَيَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَذِي سِتْرِ)
عَلَى رَجُلٍ جَلْدِ الْقُوَى ذِي حَفِيظَةٍ … جَمِيلِ الْمُحَيَّا غَيْرِ نِكْسٍ وَلَا هَذْرِ
عَلَى الْمَاجِدِ الْبُهْلُولِ ذِي الْبَاعِ وَالنَّدَى … رَبِيعِ لؤيّ فِي المحوط وَفِي الْعسر
على خير حَافٍ مِنْ مُعَدٍّ وناعل … كريم الْمُسَمّى طَيِّبَ الْخِيمِ وَالنَّجْرِ
وَخَيْرُهُمْ أَصْلًا وَفَرْعًا وَمَعْدِنًا … وَأَحْظَاهُمْ بِالْمُكْرَمَاتِ وَبِالذِّكْرِ
وَأَوْلَاهُمْ بِالْمَجْدِ وَالْحِلْمِ وَالنُّهَى … وَبِالْفَضْلِ عِنْدَ الْمُجْحِفَاتِ مِنْ الْغُبْرِ
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ … يُضِيءُ سَوَادَ اللَّيْلِ كَالْقَمَرِ الْبَدْرِ
وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمٍ … وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السَّيِّدُ الفِهْري
طَوَى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ … سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلِّ ذِي فَخْرٍ
لِيَبْكِ عَلَيْهِ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ … وَآلُ قُصَيٍّ مِنْ مُقِلٍّ وَذِي وَفْرٍ
بَنُوهُ سَرَاةَ كَهْلُهُمْ وَشَبَابُهُمْ … تَفَلَّقَ عَنْهُمْ بَيْضَةُ الطَّائِرِ الصَّقْرِ
قُصَيُّ الَّذِي عَادَى كِنَانَةَ كُلَّهَا … وَرَابَطَ بَيْتَ اللَّهِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ
فَإِنْ تَكُ غَالَتْهُ الْمَنَايَا وَصَرْفُهَا … فَقَدْ عَاشَ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ وَالْأَمْرِ
وَأَبْقَى رِجَالًا سَادَةً غَيْرَ عُزَّلٍ … مَصَالِيتُ أَمْثَالَ الرُّدَيْنِيَّةِ السُّمْرِ
أَبُو عُتْبَةَ الْمُلْقَى إلَيَّ حِبَاؤُهُ … أَغَرُّ هِجَانُ اللَّوْنِ مِنْ نَفَرِ غُرٍّ
وَحَمْزَةُ مِثْلُ الْبَدْرِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى … نَقِيُّ الثِّيَابِ وَالذِّمَامِ مِنْ الْغَدْرِ
وَعَبْدُ مَنَافٍ مَاجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ … وَصُولٌ لِذِي الْقُرْبَى رَحِيمٌ بِذِي الصِّهْرِ
كُهُولُهُمْ خَيْرُ الكهول ونسلهم … كتسل الْمُلُوكِ لَا تَبُورُ وَلَا تَحَرَّى
مَتَى مَا تُلَاقِي مِنْهُمْ الدَّهْرَ نَاشِئًا … تَجِدْهُ بِإِجْرِيَّا أَوَائِلِهِ بَجْرَى
هُمْ مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَعِزَّةً … إذَا اُسْتُبِقَ الْخَيْرَاتُ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ
وَفِيهِمْ بُنَاةٌ لِلْعُلَا وَعِمَارَةٌ … وَعَبْدُ مَنَافٍ جَدُّهُمْ جَابِرُ الْكَسْرِ
بِإِنْكَاحِ عَوْفٍ بِنْتَهُ لِيُجِيرَنَا … مِنْ أَعْدَائِنَا إذْ أَسْلَمَتْنَا بَنُو فِهْرِ
فَسِرْنَا تهامي الْبِلَادِ وَنَجْدَهَا … بِأَمْنِهِ حَتَّى خَاضَتْ الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ
وَهُمْ حَضَرُوا وَالنَّاسُ بَادٍ فَرِيقُهُمْ … وَلَيْسَ بِهَا إلَّا شُيُوخُ بَنِي عَمْرِو
بَنَوْهَا دِيَارًا جَمَّةً وَطَوَوْا بِهَا … بِئَارًا تَسُحُّ الْمَاءَ مِنْ ثَبَجِ بَحْرِ
لَكَيْ يَشْرَبَ الْحُجَّاجُ مِنْهَا وَغَيْرُهُمْ … إذَا ابْتَدَرُوهَا صُبْحَ تَابِعَةِ النَّحْرِ
ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَظَلُّ رِكَابُهُمْ … مُخَيَّسَةً بَيْنَ الْأَخَاشِبِ وَالْحِجْرِ
وَقِدْمًا غَنِيّنَا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً … وَلَا نَسْتَقِي إلَّا بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ
وَهُمْ يَغْفِرُونَ الذَّنْبَ يُنْقَمُ دُونَهُ … وَيَعْفُونَ عَنْ قَوْلِ السَّفَاهَةِ وَالْهُجْرِ
وَهُمْ جَمَعُوا حِلْفَ الْأَحَابِيشِ كلِّها … وَهُمْ نَكَّلُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ
فَخَارِجَ، إمَّا أَهْلكُنَّ فَلَا تَزَلْ … لَهُمْ شَاكِرًا حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الْقَبْرِ
وَلَا تَنْسَ مَا أَسُدَى ابْنُ لُبْنَى فَإِنَّهُ … قَدْ أَسْدَى يَدًا مَحْقُوقَةً مِنْكَ بِالشُّكْرِ
وَأَنْتَ ابْنُ لُبْنَى مِنْ قُصَيٍّ إذَا انْتَمَوْا … بِحَيْثُ انْتَهَى قَصْدُ الْفُؤَادِ مِنْ الصَّدْرِ
وَأَنْتَ تَنَاوَلْتَ الْعُلَا فَجَمَعْتَهَا … إلَى مَحْتِدٍ لِلْمَجْدِ ذِي ثَبَجِ جَسْرِ
سَبَقْتَ وَفُتَّ الْقَوْمَ بَذْلًا وَنَائِلًا … وَسُدْتُ وَلَيَدًا كُلَّ ذِي سُوْدُدِ غَمْرِ
وَأُمُّكَ سِرٌّ مِنْ خُزَاعَةَ جَوْهَرِ … إذَا حَصَّلَ الْأَنْسَابَ يَوْمًا ذَوُو الْخُبْرِ
إلَى سَبَأِ الْأَبْطَالِ تُنَمَّى وَتَنْتَمِي … فَأَكْرِمْ بِهَا مَنْسُوبَةً فِي ذُرَا الزُّهْرِ
أَبُو شَمَرٍ مِنْهُمْ وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ … وَذُو جَدَنٍ مِنْ قَوْمِهَا وَأَبُو الْجَبْرِ
وَأَسْعَدُ قَادَ النَّاسَ عِشْرِينَ حِجَّةً … يُؤَيَّدُ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ بِالنَّصْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «أُمُّكَ سِرٌّ مِنْ خُزَاعَةَ» ، يَعْنِي أَبَا لَهَبٍ، أُمُّهُ لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ الْخُزاَعِيِّ. وَقَوْلُهُ: «بِإِجْرِيّا أَوَائِلُهُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.