وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي الْحَبَشَةِ،…أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ ابْن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، حِينَ أَمِنُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَحَمِدُوا جِوَارَ النَّجَاشِيِّ، وَعَبَدُوا اللَّهَ لَا يَخَافُونَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا، وَقَدْ أَحْسَنَ النَّجَاشِيُّ جِوَارَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِهِ، قَالَ:
يَا رَاكِبًا بَلِّغَنْ عَنَّى مُغَلْغِلَةً … مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللَّهِ وَالدِّينِ
كُلُّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مُضْطَهَدٌ … بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ
أَنَّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللَّهِ وَاسِعَةً … تُنْجِي مِنْ الذُّلِّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذلّ الْحَيَاة وخزى … فِي الْمَمَاتِ وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ
إنَّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ وَاطَّرَحُوا … قَوْلَ النَّبِيِّ وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ
فَاجْعَلْ عَذَابَكَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ بَغَوْا … وَعَائِذًا بِكَ أَنْ يَعْلُوَا فَيُطْغُونِي
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا، يَذْكُرُ نَفْيَ قُرَيْشٍ إيَّاهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيُعَاتِبُ بَعْضَ قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ:
أَبَتْ كَبِدِي، لَا أَكْذِبَنْكَ، قِتَالَهُمْ … عَلَيَّ وَتَأْبَاهُ عَلَيَّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ قِتَالِي مَعْشَرًا أَدَّبُوكُمْ … عَلَى الْحَقِّ أَنْ لَا تَأْشِبُوهُ بِبَاطِلِ
نَفَتْهُمْ عِبَادُ الْجِنِّ مِنْ حُرِّ أَرْضِهِمْ … فَأَضْحَوْا عَلَى أَمْرٍ شَدِيدِ الْبَلَابِلِ
فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيٍّ أَمَانَةٌ … عَدِيِّ بْنِ سَعْدٍ عَنْ تُقًى أَوْ تَوَاصُلِ
فَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنَّ ذَلِكَ فِيكُمْ … بِحَمْدِ الَّذِي لَا يُطَّبَى بِالْجَعَائِلِ
وبدّلت شبلا شل كُلِّ خَبِيثَةٍ … بِذِي فَجْرٍ مَأْوَى الضِّعَافِ الْأَرَامِلِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا:
وَتِلْكَ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللَّهَ حَقَّهُ … كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أُبْرِقْ فَلَا يَسَعَنَّنِي … مِنْ الْأَرْضِ بَرٌّ ذُو فَضَاءٍ وَلَا بَحْرُ
بِأَرْضٍ بِهَا عَبَدَ الْإِلَهَ مُحَمَّدٌ … أُبَيِّنُ مَا فِي النَّفْسِ إذْ بُلِغَ النَّقْرُ
فَسُمِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ- يَرْحَمُهُ اللَّهُ- لَبَيْتِهِ الَّذِي قَالَ: «الْمُبْرِقُ» .