لما حال الحول على عمرة الحديبية، خرج عليه الصلاة والسلام بمن صدّ معه فيها، ليقضي عمرته، …
واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري، وساق معه الهدي ستين بدنة، وأخرج معه السلاح حذرا من غدر قريش، وكان معه مائة فرس عليها بشير بن سعد، وأحرم عليه الصلاة والسلام من باب المسجد المدني، ولما انتهى إلى ذي الحليفة قدّم الخيل أمامه، فقيل: يا رسول الله، حملت السلاح، وقد شرطوا ألا تحمله؟ فقال عليه الصلاة والسلام لا: ندخل الحرم به ولكن يكون قريبا منا، فإن هاجنا هائج فزعنا له. فلمّا كان بمرّ الظّهران قابله نفر من قريش، ففزعوا من هذه العدّة، وأسرعوا إلى قومهم فأخبروهم، فجاءه فتيان منهم، وقالوا: والله يا محمّد ما عرفت بالغدر صغيرا ولا كبيرا، وأنا لم نحدث حدثا!! فقال: إنا لا ندخل الحرم بالسلاح. ولمّا حان وقت دخوله مكّة، خرج أهلوها كارهين رؤية المسلمين يطوفون بالبيت، فدخل عليه الصلاة والسلام وأصحابه متوشحين سيوفهم من ثنيّة كداء «5» وأمامه عبد الله بن رواحة يقول: «لا إله إلّا الله واحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب واحده» وطاف عليه الصلاة والسلام بالبيت وهو على راحلته، واستلم الحجر بمحجنه وأمر أصحابه أن يسرعوا ثلاثة أشواط اظهارا للقوة لأن المشركين قالوا: سيطوف اليوم بالكعبة قوم نهكتهم حمّى يثرب، فقال عليه الصلاة والسلام: «رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة» ، واضطبع عليه الصلاة والسلام بردائه، وكشف عضده اليمنى شأن الفتوة وفعل مثله المسلمون، وقد أتمّ المسلمون طوافهم بالبيت امنين محلقين رؤوسهم ومقصرين كما رأى عليه الصلاة والسلام في منامه.