ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام بها إلى المحرم من السنة السابعة، فخرج في آخره إلى خيبر، ونقل عن مالك بن أنس رحمه الله: أن فتح خيبر كان في سنة ست، والجمهور على أنها في سنة سبع، …
وأما ابن حزم فعنه أنها في سنة ست بلا شك، وذلك بناء على اصطلاحه، وهو أنه يرى أن أول السنين الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ولكن لم يتابع عليه، إذا الجمهور على أن أول التاريخ من محرم تلك السنة، وكان أول من أرخ بذلك يعلى بن أمية باليمن، كما رواه الإمام أحمد بن حنبل عنه بإسناد صحيح إليه، وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك في سنة ست عشرة كما بسط ذلك في موضع آخر .
فسار صلى الله عليه وسلم إليها، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي فلما انتهى إليها حاصرها حصناً حصناً يفتحه الله عز وجل عليه ويغنمه، حتى استكملها صلى الله عليه وسلم وخمسها، وقسم نصفها بين المسلمين، وكان جملتهم من حضر الحديبية فقط، وأرصد النصف الآخر لمصالحه ولما ينوبه من أمر المسلمين.
واستعمل اليهود الذين كانوا فيها بعد ما سألوا ذلك عوضاً عما كان صالحهم عليه من الجلاء على أن يعملوها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع، وقد اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائمها صفية بنت حيي بن أخطب لنفسه، فأسلمت، فأعتقها، وتزوجها، وبنى بها في طريق المدينة بعدما حلت.
و قد أهدت إليه امرأة من يهود خيبر ـ وهي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ـ شاة مصلية مسمومة، فلما انتهش من ذراعها أخبره الذراع أنه مسموم، فترك الأكل، ودعا باليهودية فاستخبرها: «أسممت هذه الشاة» فقالت: نعم، فقال: «ما أردت إلى ذلك» ؟ فقالت: أردت إن كنت نبياً لم يضرك، وإن كنت غيره استرحنا منك، فعفا عنها صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن بشر بن البراء بن معرور كان ممن أكل منها، فمات، فقتلها به.
وقد روى ذلك أبو داود مرسلاً عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بعد فراغهم من القتال جعفر بن أبي طالب وأصحابه ممن بقي مهاجراً بأرض الحبشة، وصحبتهم أبو موسى الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين.
وقدم عليه أبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم أجمعين، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم من المغانم كما أراه الله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم لجعفر: «لا أدري بأيهما أنا أسر، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟» ولما قدم عليه قام وقبل ما بين عينيه.
وقد استشهد بخبير من المسلمين نحو عشرين رجلا رضي الله عنهم جميعهم.
فصل فتح فدك
ولما بلغ أهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، بعثوا إليه يطلبون الصلح فأجابهم، فكانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فوضعها صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل، ولم يقسمها.
فصل فتح وادي القرى
ورجع إلى المدينة على وادي القرى فافتحه، وقيل: إنه قاتل فيه.
فالله أعلم.
وفي الصحيحين أن غلاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى مدعماً، بينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله، فقال: «كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً» .