قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد نصركم الله ببدر} [آل عمران: 123] الْآيَات، وَقَالَ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} [الأنفال: 9] الْآيَات وَقَالَ {وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم …
فِي أعينكُم قَلِيلا} [الأنفال: 44] الْآيَات.
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطلق سعد بن معَاذ مُعْتَمِرًا فَنزل على أُميَّة بن خلف بن صَفْوَان وَكَانَ أُميَّة إِذا انْطلق إِلَى الشَّام فَمر بِالْمَدِينَةِ نزل على سعد فَقَالَ أُميَّة لسعد انْتظر حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وغفل النَّاس انْطَلَقت فطفت قَالَ فَبَيْنَمَا سعد يطوف إِذا أَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ من هَذَا الَّذِي يطوف بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ سعد بن معَاذ انا سعد فَقَالَ أَبُو جهل أتطوف بِالْكَعْبَةِ آمنا وَقد آويتم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فتلاحيا فَقَالَ أُميَّة لسعد لَا ترفع صَوْتك على أبي الحكم فَإِنَّهُ سيد أهل هَذَا الْوَادي فَقَالَ لَهُ سعد وَالله لَئِن منعتني أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ لأقطعن عَلَيْك متجرك بِالشَّام فَجعل أُميَّة يَقُول لسعد لَا ترفع صَوْتك ويسكته فَغَضب سعد فَقَالَ دَعْنَا عَنْك فَإِنِّي سَمِعت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْعم أَنه قَاتلك قَالَ إيَّايَ قَالَ نعم قَالَ وَالله مَا يكذب مُحَمَّد إِذا حدث فَرجع إِلَى امْرَأَته فَقَالَ أما تعلمين مَا قَالَ أخي اليثربي قَالَت وَمَا قَالَ قَالَ زعم انه سمع مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قاتلي قَالَت فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد فَلَمَّا خَرجُوا لبدر وَجَاء الصَّرِيخ قَالَت لَهُ امْرَأَته اما علمت مَا قَالَ لَك أَخُوك اليثربي قَالَ فَإِنِّي إِذا لَا أخرج فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل إِنَّك من أشرف أهل الْوَادي فسر مَعنا يَوْمًا اَوْ يَوْمَيْنِ فَسَار مَعَهم فَقتل.
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب قَالُوا رَأَتْ عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب فِيمَا يرى النَّائِم قبل مقدم ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ على قُرَيْش بِمَكَّة بِثَلَاث لَيَال رُؤْيا فَأَصْبَحت عَاتِكَة فأعظمتها فَبعثت إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَت لَهُ يَا أخي لقد رَأَيْت اللَّيْلَة رُؤْيا أفزعتني ليدخلن على قَوْمك مِنْهَا شَرّ وبلاء فَقَالَ وَمَا هِيَ قَالَت رَأَيْت أَن رجلا أقبل على بعير لَهُ فَوقف بِالْأَبْطح فَقَالَ انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث فَأذن النَّاس فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ ثمَّ ان بعيره دخل بِهِ الْمَسْجِد وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس ثمَّ مثل بِهِ بعيره فَإِذا هُوَ على رَأس الْكَعْبَة فَقَالَ انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث ثمَّ اخذ صَخْرَة فأرسلها من رَأس الْجَبَل فَأَقْبَلت تهوي حَتَّى إِذا كَانَت فِي أَسْفَله ارفضت فَمَا بقيت دَار من دور قَوْمك وَلَا بَيت إِلَّا دخل فِيهِ بَعْضهَا فَقَالَ الْعَبَّاس وَالله إِن هَذِه لرؤيا فاكتميها قَالَت وَأَنت فاكتمها لَئِن بلغت هَذِه قُريْشًا ليؤذوننا فَخرج الْعَبَّاس من عِنْدهَا فَلَقِيَهُ الْوَلِيد بن عتبَة وَكَانَ لَهُ صديقا فَذكرهَا لَهُ واستكتمه إِيَّاهَا فَذكرهَا الْوَلِيد لِأَبِيهِ فَتحدث بهَا فَفَشَا الحَدِيث قَالَ الْعَبَّاس فَإِنِّي لغاد إِلَى الْكَعْبَة فَإِذا أَبُو جهل قَالَ يَا أَبَا الْفضل مَتى حدثت هَذِه النبية فِيكُم قلت وَمَا ذَاك قَالَ رُؤْيا رأتها عَاتِكَة أما رَضِيتُمْ يَا بني عبد الْمطلب أَن يتنبأ رجالكم حَتَّى تتنبأ نِسَاؤُكُمْ سنتربص بكم هَذِه الثَّلَاث الَّتِي ذكرت عَاتِكَة فَإِن كَانَ حَقًا فسيكون وَإِلَّا كتبنَا عَلَيْكُم كتابا أَنكُمْ أكذب أهل بَيت فِي الْعَرَب فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث إِذا ضَمْضَم بن عَمْرو بِالْأَبْطح على بعيره يخبر ان العير قد عرض لَهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَلم يكن إِلَّا الجهاز حَتَّى خرجنَا فَأصَاب قُريْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْم بدر فَقَالَت عَاتِكَة فِي ذَلِك أبياتا.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما نفرت قُرَيْش إِلَى بدر نزلُوا الْجحْفَة عشَاء وَفِيهِمْ رجل من بني الْمطلب ابْن عبد منَاف يُقَال لَهُ جهيم بن الصَّلْت بن مخرمَة فَوضع جهيم رَأسه فأغفى ثمَّ فزع فَقَالَ لأَصْحَابه هَل رَأَيْتُمْ الْفَارِس الَّذِي وقف عَليّ آنِفا فَقَالُوا لَا إِنَّك مَجْنُون قَالَ قد وقف عَليّ فَارس آنِفا فَقَالَ قتل أَبُو جهل وَعتبَة وَشَيْبَة وَزَمعَة وَأَبُو البخْترِي وَأُميَّة بن خلف فعد أشرافا من كفار قُرَيْش فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه إِنَّمَا لعب بك الشَّيْطَان وَرفع الحَدِيث إِلَى أبي جهل فَقَالَ قد جئْتُمْ بكذب بني الْمطلب مَعَ كذب بني هَاشم سيرون غَدا من يقتل.
وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا نتحدث أَن عدَّة أهل بدر ثَلَاث مائَة وَبضْعَة عشر كعدة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزوا مَعَه النَّهر.
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم بدر بثلاثمائة وَخَمْسَة عشر من الْمُقَاتلَة كَمَا خرج طالوت فَدَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج فَقَالَ «اللَّهُمَّ إِنَّهُم حُفَاة فاحملهم اللَّهُمَّ انهم عُرَاة فاكسهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم جِيَاع فأشبعهم» فَفتح الله لَهُم يَوْم بدر فانقلبوا وَمَا مِنْهُم رجل إِلَّا وَقد رَجَعَ بجمل أَو بجملين واكتسوا وشبعوا.
وَأخرج وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ مَا كَانَ مَعنا يَوْم بدر إِلَّا فرسَان فرس للزبير وَفرس لِلْمِقْدَادِ بن الاسود.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ أَخذنَا رجلَيْنِ يَوْم بدر فَأَفلَت أَحدهمَا وأخذنا الآخر فَقُلْنَا كم الْقَوْم قَالَ كثير عَددهمْ شَدِيد بأسهم فَجعلنَا نضربه حَتَّى انتهينا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَن يُخبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «كم تنحرون من الْجَزُور» فَقَالَ فِي كل يَوْم عشرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «الْقَوْم ألف لكل جزور مائَة».
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن رُومَان نَحوه وَفِيه كم تنحرون كل يَوْم قَالَ يَوْمًا عشرا وَيَوْما تسعا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «الْقَوْم بَين الْألف والتسعمائة».
وَأخرج ابْن سعد وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن منيع وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقد قللُوا فِي أَعيننَا يَوْم بدر حَتَّى قلت لرجل إِلَى جَنْبي أَترَاهُم سبعين قَالَ أَرَاهُم مائَة فَأَسَرْنَا رجلا مِنْهُم فَقُلْنَا كم كُنْتُم قَالَ ألفا.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع يَوْم بدر وَقَالَ لأَصْحَابه لَا تقاتلوا حَتَّى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فاستيقط وَقد أرَاهُ الله إيَّاهُم فِي مَنَامه قَلِيلا وقلل الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين حَتَّى طمع بعض الْقَوْم فِي بعض.
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما دنا الْقَوْم بَعضهم من بعض قلل الله الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين وقلل الْمُشْركين فِي أعين الْمُسلمين.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما دنا الْقَوْم منا وصاففناهم إِذا بِرَجُل مِنْهُم يسير فِي الْقَوْم على جمل أَحْمَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «من صَاحب الْجمل الْأَحْمَر» ثمَّ قَالَ «إِن يَك فِي الْقَوْم أحد يَأْمر بِخَير فَعَسَى أَن يكون صَاحب الْجمل الاحمر» فجَاء حَمْزَة فَقَالَ هُوَ عتبَة بن ربيعَة وَهُوَ ينْهَى عَن الْقِتَال وَيَأْمُر بِالرُّجُوعِ وَيَقُول يَا قوم أعصبوها الْيَوْم برأسي وَقَالُوا جبن عتبَة وَأَبُو جهل يَأْبَى ذَلِك وَأخرج أَيْضا نَحوه من طَرِيق ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة وَزَاد بعد قَوْله الْأَحْمَر وَأَن يطيعوه يرشدوا.
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْلَة بدر «هَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الارض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض» فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أخطأوا تِلْكَ الْحُدُود جعلُوا يصرعون عَلَيْهَا ثمَّ ألقوا فِي القليب وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ «يَا فلَان ابْن فلَان ابْن فلَان هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا» قالو يَا رَسُول الله أَتكَلّم أجسادا لَا أَرْوَاح فِيهَا فَقَالَ «مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ان يردوا عَليّ».
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى بدر قَالَ «سِيرُوا على اسْم الله فَإِنِّي قد رَأَيْت مصَارِع الْقَوْم».
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَ «كأنكم بأعداء الله بِهَذِهِ الضلع الْحَمْرَاء من الْجَبَل يقتلُون».
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا سَمِعت مناشدا ينشد حَقًا لَهُ أَشد من مناشدة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَجعل يَقُول «اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ ان تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد» ثمَّ الْتفت كَأَن شقّ وَجهه الْقَمَر فَقَالَ كَأَنَّمَا أنظر إِلَى مصَارِع الْقَوْم عَشِيَّة.
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قُبَّته يَوْم بدر «اللَّهُمَّ اني انشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ إِن شِئْت لم تعبد بعد الْيَوْم أبدا» فَأخذ ابو بكر بِيَدِهِ فَقَالَ حَسبك يَا رَسُول الله فقد ألححت على رَبك فَخرج وَهُوَ يثب فِي الدرْع وَيَقُول سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر.
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر رجلا فَاسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَة ثمَّ مد يَدَيْهِ فَجعل يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبَيْه فَأَتَاهُ أَبُو بكر فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه فَقَالَ يَا نَبِي الله كفاء مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك فَأنْزل الله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بِالْمَلَائِكَةِ قَالَ ابْن عَبَّاس فَبَيْنَمَا رجل من الْمُسلمين يَوْمئِذٍ يشْتَد فِي اثر رجل من الْمُشْركين أَمَامه إِذْ سمع ضَرْبَة بِالسَّوْطِ فَوْقه وَصَوت الْفَارِس أقدم حيزوم إِذْ نظر إِلَى الْمُشرك أَمَامه مُسْتَلْقِيا فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد حطم أَنفه وشق وَجهه كَضَرْبَة السَّوْط فأخضر ذَلِك أجمع فجَاء الْأنْصَارِيّ فَحدث ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ «صدقت ذَلِك من مدد السَّمَاء الثَّالِثَة» فَقتلُوا يَوْمئِذٍ سبعين وأسروا سبعين.
وَأخرج ابْن سعد عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى قَالَ لقد شهِدت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فَرَأَيْت عيرًا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تقتل وتأسر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَارِجَة بن ابراهيم عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل «من الْقَائِل يَوْم بدر من الْمَلَائِكَة اقدم حيزوم» فَقَالَ جبرئيل مَا كل أهل السَّمَاء أعرف.
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْملك يتَصَوَّر فِي صُورَة من يعْرفُونَ من النَّاس يثبتونهم فَيَقُول إِنِّي قد دَنَوْت مِنْهُم فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ لَو حملُوا علينا مَا ثبتنا لَيْسُوا بِشَيْء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِذْ يوحي رَبك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا} [الأنفال: 12].
واخرج احْمَد وَابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الَّذِي أسر الْعَبَّاس أَبُو الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو وَكَانَ أَبُو الْيُسْر رجلا مجموعا وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا جسيما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «يَا أَبَا الْيُسْر كَيفَ أسرت الْعَبَّاس» قَالَ يَا رَسُول الله لقد اعانني عَلَيْهِ رجل مَا رَأَيْته قبل ذَلِك وَلَا بعده هَيئته كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لقد أعانك عَلَيْهِ ملك كريم».
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ الْتَقَيْنَا يَوْم بدر فاقتتلنا فَسمِعت صَوتا وَقع من السَّمَاء إِلَى الأَرْض مثل وَقع الْحَصَى فِي الطست وَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة فَرمى بهَا فَانْهَزَمْنَا.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ سمعنَا يَوْم بدر صَوتا من السَّمَاء وَقع إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ صَوت حَصَاة فِي طست فَرمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحَصَاة فَمَا بَقِي منا أحد.
واخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اخذتهم يَوْم بدر ريح عقيم
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه حَدثنِي خبيب بن عبد الرَّحْمَن قَالَ ضرب خبيب جدي يَوْم بدر فَمَال شقَّه فتفل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمه ورده فانطبق.
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن جده قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه اصيبت عينه يَوْم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أَن يقطعوها فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ «لَا» فَدَعَا بِهِ فغمز حدقته براحته فَكَانَ لَا يدْرِي أَي عَيْنَيْهِ أُصِيبَت واخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن قَتَادَة مثله وَزَاد بعد براحته وَقَالَ اللَّهُمَّ اكسه جمالا.
وَأخرج ابْن سعد عَن زيد بن أسلم ان عين قَتَادَة بن النُّعْمَان أُصِيبَت فسالت على خَدّه فَردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وأحسنهما.
واخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عبد الله بن أبي صعصعة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَخِيه قَتَادَة بن النُّعْمَان قَالَ أُصِيبَت عَيْنَايَ يَوْم بدر فسقطتا على وجنتي فَأتيت بهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعادهما مكانهما وبزق فيهمَا فعادتا تبرقان.
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن معَاذ بن رِفَاعَة بن رَافع بن مَالك عَن أَبِيه قَالَ رميت بِسَهْم يَوْم بدر ففقئت عَيْني فبصق فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لي فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيْء.
وَأخرج الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عمر بن عُثْمَان الحَجبي عَن أَبِيه عَن عمته قَالَت كَانَ عكاشة بن مُحصن قَالَ إنقطع سَيفي يَوْم بدر فَأَعْطَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عودا فَإِذا هُوَ سيف أَبيض طَوِيل وقاتلت بِهِ حَتَّى هزم الله الْمُشْركين فَلم يزل عِنْده حَتَّى هلك أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ حَدثنِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن دَاوُد بن الْحصين عَن رجال من بني عبد الْأَشْهَل عدَّة قَالُوا انْكَسَرَ سيف سَلمَة بن أسلم بن حريش يَوْم بدر فَبَقيَ أعزل لَا سلَاح مَعَه فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضِيبًا كَانَ فِي يَده من عراجين ابْن طَابَ فَقَالَ «أضْرب بِهِ فَإِذا هُوَ سيف جيد» فَلم يزل عِنْده حَتَّى قتل يَوْم جسر أبي عبيد أخرجه الْبَيْهَقِيّ.
وَقَالَ ابْن سعد انا عَليّ بن مُحَمَّد عَن ابي معشر عَن زيد بن اسْلَمْ وَيزِيد بن رُومَان وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة وَغَيرهم إِن عكاشة بن مُحصن انْقَطع سَيْفه يَوْم بدر فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جذلا من شَجَرَة فَعَاد فِي يَده سَيْفا صَارِمًا صافي الحديدة شَدِيد الْمَتْن.
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قتل بدر فِي الركي فَجعل يناديهم «يَا فلَان ابْن فلَان هَل يسركم انكم أطعتم الله وَرَسُوله فَإنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا» قَالَ عمر يَا رَسُول الله مَا تكلم من اجساد لَا ارواح فِيهَا قَالَ «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم» قَالَ قَتَادَة أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة.
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر «اللَّهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَل بن خويلد ثمَّ قَالَ من لَهُ علم بنوفل» فَقَالَ عَليّ أَنا قتلته يَا رَسُول الله فَكبر وَقَالَ «الْحَمد لله الَّذِي اجاب دَعْوَتِي فِيهِ».
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت مَا كَانَ بعد نزُول قَوْله تَعَالَى {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} [المزمل: 11] إِلَّا قَلِيل حَتَّى اصاب الله قُريْشًا بالوقعة يَوْم بدر.
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة وَجمع من قُرَيْش فِي مجَالِسهمْ فَقَالُوا ايكم يقوم إِلَى جزور بني فلَان فَيَأْتِي بسلاها فيضعه بَين كَتفيهِ إِذا سجد فانبعث أَشْقَى الْقَوْم فجَاء بِهِ فَوَضعه بَين كَتفيهِ وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا وَضَحِكُوا حَتَّى مَال بَعضهم على بعض من الضحك فَانْطَلق منطلق إِلَى فَاطِمَة وَهِي جوَيْرِية فَأَقْبَلت تسْعَى حَتَّى ألقته عَنهُ وَأَقْبَلت عَلَيْهِم تسبهم فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ «اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثَلَاثًا ثمَّ سمى اللَّهُمَّ عَلَيْك بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل وَعتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَأُميَّة بن خلف وَعقبَة ابْن أبي معيط وَعمارَة بن الْوَلِيد» قَالَ ابْن مَسْعُود فَلَقَد رَأَيْتهمْ صرعى يَوْم بدر.
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقَتْلَى قيل لَهُ عَلَيْك بالعير لَيْسَ دونهَا شَيْء فناداه الْعَبَّاس وَهُوَ أَسِير فِي وثَاقه إِنَّه لَا يصلح لَك قَالَ لم قَالَ لِأَن الله وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقد أنْجز لَك مَا وَعدك.
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مَرَرْت ببدر فَرَأَيْت رجلا يخرج من الأَرْض فيضربه رجل بمقمعة مَعَه حَتَّى يغيب فِي الأَرْض ثمَّ يخرج فيفعل بِهِ مثل ذَلِك مرَارًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «ذَاك أَبُو جهل يعذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة».
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي قبَّة يَوْم بدر فَقَالَ قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين فَقَالَ عُمَيْر بن الْحمام بخ بخ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لم تبخبخ» قَالَ رَجَاء أَن أكون من أَهلهَا قَالَ «فَإنَّك من اهلها» فانتثل تمرات من قرنه فَجعل يلوكهن ثمَّ قَالَ وَالله لِأَن بقيت حَتَّى ألوكهن إِنَّهَا لحياة طَوِيلَة فنبذهن وَقَاتل حَتَّى قتل.
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الأساري يَوْم بدر «إِن شِئْتُم قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِن شِئْتُم فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ وَاسْتشْهدَ مِنْكُم بِعدَّتِهِمْ» وَكَانَ آخر السّبْعين ثَابت بن قيس قتل يَوْم الْيَمَامَة.
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه فَقَالَ «مَا أَنا بآكل حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله» فَشهد بذلك فَلَقِيَهُ خَلِيل لَهُ فلامه على ذَلِك فَقَالَ مَا يُبرئ صُدُور قُرَيْش مني قَالَ إِن تَأتيه فِي مَجْلِسه فَتَبَزَّقَ فِي وَجهه فَفعل فَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن مسح وَجهه وَقَالَ «إِن وَجَدْتُك خَارِجا من جبال مَكَّة أضْرب عُنُقك صبرا» فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وَخرج أَصْحَابه أَبى أَن يخرج وَقَالَ قد وَعَدَني هَذَا الرجل إِن وجدني خَارِجا من جبال مَكَّة ان يضْرب عنقِي صبرا فَقَالُوا لَك جمل أَحْمَر لَا يدْرك فَلَو كَانَت الْهَزِيمَة طرت فَخرج مَعَهم فَلَمَّا عزم الْمُشْركُونَ وَحل بِهِ جمله فِي جدد من الأَرْض فَأخذ أَسِيرًا فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُنُقه صبرا وَقَالَ الْعَبَّاس حِين أَخذ مِنْهُ الْفِدَاء لقد تَرَكتنِي فَقير قُرَيْش مَا بقيت قَالَ كَيفَ تكون فَقير قُرَيْش وَقد اسْتوْدعت بَنَادِق الذَّهَب أم الْفضل وَقلت لَهَا إِن قتلت فقد تركتك غنية مَا بقيت فَقَالَ أشهد ان الَّذِي تَقوله قد كَانَ وَمَا اطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله.
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَجَمَاعَة ان الْعَبَّاس قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْدِي مَا أفدي بِهِ قَالَ «فَأَيْنَ المَال الَّذِي دَفَنته أَنْت وَأم الْفضل» فَقلت لَهَا إِن أصبت فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا المَال لبني الْفضل وَعبد الله وَقثم فَقَالَ وَالله إِنِّي لأعْلم انك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله ان هَذَا لشَيْء مَا علمه أحد غَيْرِي وَغير أم الْفضل.
وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن يحيى بن عباد عَن أَبِيه عَن عَائِشَة بِهِ وَصَححهُ.
وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن بعض أَصْحَابه عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس.
واخرجه احْمَد من طَرِيق ابْن اسحاق عَمَّن سمع عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس.
واخرجه ابْن سعد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
واخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ لما أسر نَوْفَل بن الْحَارِث ببدر قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «افْدِ نَفسك يَا نَوْفَل» قَالَ مَا لي شَيْء افدي بِهِ نَفسِي قَالَ «افْدِ نَفسك من مَالك الَّذِي بجدة» قَالَ اشْهَدْ انك رَسُول الله ففدى نَفسه بهَا.
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم من طَرِيقه حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَبَّاس عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي ابو رَافع قَالَ كُنَّا آل الْعَبَّاس قد دَخَلنَا الْإِسْلَام وَكُنَّا نستخفي بإسلامنا وَكنت غُلَاما للْعَبَّاس فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْش إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر جعلنَا نتوقع الْأَخْبَار فَقدم علينا الحسيمان الْخُزَاعِيّ بالْخبر فَوَجَدنَا فِي أَنْفُسنَا قُوَّة وسرنا مَا جَاءَنَا من الْخَبَر من ظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه إِنِّي لجالس فِي صفة زَمْزَم وَعِنْدِي أم الْفضل إِذْ أقبل الْخَبيث أَبُو لَهب بشر يجر رجلَيْهِ قد كبته الله وأخزاه لما جَاءَهُ من الْخَبَر حَتَّى جلس على طُنب الْحُجْرَة وَقَالَ لَهُ النَّاس هَذَا ابو سُفْيَان بن حَرْب قد قدم وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ أَبُو لَهب هَلُمَّ إِلَيّ فعندك الْخَبَر فجَاء حَتَّى جلس فَقَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن لَقينَا الْقَوْم فمنحناهم اكتافنا يضعون السِّلَاح منا حَيْثُ شاؤوا وَوَاللَّه مَعَ ذَلِك مَا لمت النَّاس لَقينَا رجَالًا بيضًا على خيل بلق لَا وَالله مَا تبقي شَيْئا قَالَ فَرفعت طُنب الْحُجْرَة فَقلت تِلْكَ وَالله الْمَلَائِكَة وَقَامَ ابو لَهب يجر رجلَيْهِ ذليلا ورماه الله بالعدسة فوَاللَّه مَا مكث إِلَّا سبعا حَتَّى مَاتَ فَلَقَد تَركه ابناه فِي بَيته ثَلَاثًا مَا يدفنانه حَتَّى أنتن وَكَانَت قُرَيْش تتقي العدسة كَمَا تتقي الطَّاعُون حَتَّى قَالَ لَهما رجل من قُرَيْش ويحكما أَلا تستحيان إِن أَبَاكُمَا قد انتن فِي بَيته لَا تدفنانه فَقَالَا إِنَّمَا نخشى عدوى هَذِه القرحة فَقَالَ انْطَلقَا فَأَنا أعينكما عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا غسلوه إِلَّا قذفا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ من بعيد مَا يدنون مِنْهُ ثمَّ احتملوه إِلَى أَعلَى مَكَّة فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَار ثمَّ رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة.
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عُرْوَة قَالَ اعْتِقْ أَبُو لَهب ثويبة فأرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريه بعض أَهله فِي النّوم بشر خيبة فَقَالَ مَاذَا لقِيت قَالَ لم الق بعدكم رخاء غير أَنِّي سقيت فِي هَذِه بعتاقتي ثويبة وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ قَالُوا كَانَ قباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي يَقُول شهِدت مَعَ الْمُشْركين بَدْرًا وَإِنِّي لأنظر إِلَى قلَّة أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْني وَكَثْرَة من مَعنا من الْخَيل وَالرِّجَال فانهزمت فِيمَن هزم فَلَقَد رَأَيْتنِي انْظُر إِلَى الْمُشْركين فِي كل وَجه وَإِنِّي لأقول فِي نَفسِي مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء فَلَمَّا كَانَ بعد الخَنْدَق وَقع فِي قلبِي الاسلام فَقدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَسلمت فَقَالَ لي «يَا قباث أَنْت الْقَائِل يَوْم بدر مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء» فَقلت أشهد أَنَّك رَسُول الله وَأَن هَذَا الْأَمر مَا خرج مني إِلَى اُحْدُ قطّ وَمَا تزمزمت بِهِ إِلَّا شَيْئا حدثت بِهِ نَفسِي فلولا أَنَّك نَبِي مَا اطلعك الله عَلَيْهِ فَعرض عَليّ الْإِسْلَام فَأسْلمت.
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبان بن سلمَان عَن ابيه سلمَان قَالَ كَانَ إِسْلَام قباث بن أَشْيَم اللَّيْثِيّ ان رجَالًا من الْعَرَب اتوه فَقَالُوا إِن مُحَمَّدًا خرج يَدْعُو الى غير ديننَا فَقَامَ قباث حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ اجْلِسْ يَا قباث فأوجم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنْت الْقَائِل لَو خرجت نسَاء قُرَيْش بأكمتها ردَّتْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه »فَقَالَ قباث وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تحرّك بِهِ لساني وَلَا تزمزمت بِهِ شفتاي وَمَا سَمعه مني أحد وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْء هجس فِي نَفسِي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد ان مُحَمَّدًا رَسُول الله وان مَا جِئْت بِهِ الْحق.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُوسَى بن عقبَة وَعَن عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما رَجَعَ وَفد الْمُشْركين إِلَى مَكَّة أقبل عُمَيْر بن وهب الجُمَحِي حَتَّى جلس إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة فِي الْحجر فَقَالَ صَفْوَان قبح الْعَيْش بعد قَتْلَى بدر قَالَ أجل وَالله مَا فِي الْعَيْش خير بعدهمْ وَلَوْلَا دين عَليّ لَا أجد لَهُ قَضَاء وعيال لَا أدع لَهُم شَيْئا لرحلت إِلَى مُحَمَّد فَقتلته إِن مَلَأت عَيْني مِنْهُ إِن لي عِنْده عِلّة أعتل بهَا اقول قدمت على ابْني هَذَا الْأَسير ففرح صَفْوَان بقوله وَقَالَ عَليّ دينك وَعِيَالك أُسْوَة عيالي فِي النَّفَقَة لَا يسعني شَيْء ويعجز عَنْهُم فَحَمله صَفْوَان وجهزه وَأمر بِسيف عُمَيْر فصقل وسم وَقَالَ عُمَيْر لِصَفْوَان اكتمني أَيَّامًا فَأقبل عُمَيْر حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل بِبَاب الْمَسْجِد وعقل رَاحِلَته وَأخذ السَّيْف فَعمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل هُوَ وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر «تَأَخّر ثمَّ قَالَ مَا أقدمك يَا عُمَيْر» قَالَ قدمت على أسيري عنْدكُمْ قَالَ «اصدقني مَا اقدمك» قَالَ مَا قدمت إِلَّا فِي أسيري قَالَ فَمَاذَا شرطت لِصَفْوَان بن أُميَّة فِي الْحجر فَفَزعَ عُمَيْر وَقَالَ مَاذَا شرطت لَهُ قَالَ تحملت لَهُ بقتلي على أَن يعول بنيك وَيَقْضِي دينك وَالله حَائِل بَيْنك وَبَين ذَلِك قَالَ عُمَيْر أشهد انك رَسُول الله إِن هَذَا الحَدِيث كَانَ بيني وَبَين صَفْوَان فِي الْحجر لم يطلع عَلَيْهِ أحد غَيْرِي وَغَيره فأخبرك الله بِهِ فآمنت بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَدَعَا إِلَى الاسلام فَأسلم على يَده بشر كثير ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فَذكره نَحوه .
وَأخرجه ابو نعيم عَن الزُّهْرِيّ نَحوه وَأخرجه ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن عِكْرِمَة فَهَذِهِ طرق مُرْسلَة وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عمرَان الْجونِي عَن أنس بن مَالك مَوْصُولا بِسَنَد صَحِيح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كَانَ الْمطعم حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ لأطلقتهم لَهُ يَعْنِي أُسَارَى بدر قَالَ سُفْيَان وَكَانَت لَهُ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَد وَكَانَ أجزى النَّاس بِالْيَدِ.
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ُأكَلِّمهُ فِي أُسَارَى بدر فوافقته يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَسَمعته يَقُول {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع * مَا لَهُ من دَافع} [الطور: 7-8] فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي.
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَقبلت يَوْم بدر من قتال الْمُشْركين وَأَنا جَائِع فاستقبلتني امْرَأَة يَهُودِيَّة على رَأسهَا جَفْنَة فِيهَا جدي مشوي فَقَالَت الْحَمد لله يَا مُحَمَّد الَّذِي سلمك كنت نذرت لله نذرا إِن قدمت الْمَدِينَة سالما لأذبحن هَذَا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إِلَيْك لتأكل مِنْهُ فاستنطق الله الجدي فَقَالَ يَا مُحَمَّد لَا تأكلني فَإِنِّي مَسْمُوم».
فَائِدَة
اشْتَمَل هَذَا الْبَاب على أَكثر من سبعين معْجزَة كَمَا يدْرك بِالتَّأَمُّلِ
فَائِدَة فِي حِكْمَة قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
سُئِلَ السُّبْكِيّ عَن الْحِكْمَة فِي قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن جبرئيل قَادر على أَن يدْفع الْكفَّار بريشة من جنَاحه.
فَأجَاب بِأَن ذَلِك لإِرَادَة أَن يكون الْفِعْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَتَكون الْمَلَائِكَة مدَدا على عَادَة مدد الجيوش رِعَايَة لصورة الْأَسْبَاب وسنتها الَّتِي أجراها الله فِي عباده وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ فَاعل الْجَمِيع.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أنزلنَا على قومه من بعده من جند من السَّمَاء وَمَا كُنَّا منزلين} [يس: 28].
فَإِن قلت فَلم أنزل الْجنُود من السَّمَاء يَوْم بدر وَالْخَنْدَق فَقَالَ {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا} [فصلت: 16] وَقَالَ {بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} [الأنفال: 9] {بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين} [آل عمران: 124] {بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} [آل عمران: 125].
قلت إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي ملك وَاحِد فقد أهلكت مَدَائِن قوم لوط بريشة من جنَاح جبرئيل وبلاد ثَمُود وَقوم صَالح بصيحة وَلَكِن الله فضل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكُل شَيْء على كبار الْأَنْبِيَاء أولي الْعَزْم من الرُّسُل فضلا عَن حبيب النجار وَأَوْلَاده من أَسبَاب الْكَرَامَة والإعزاز مَا لم يؤته أحدا فَمن ذَلِك انه انْزِلْ لَهُ جُنُودا من السَّمَاء وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بقوله وَمَا انزلنا وَمَا كُنَّا منزلين إِلَى ان إِنْزَال الْجنُود من عظائم الْأُمُور الَّتِي لَا يؤهل لَهَا إِلَّا مثلك وَمَا كُنَّا نفعله بغيرك انْتهى.