فيها سار الضحاك بن قيس حتى أتى الموصل، فخرج إليه عاملها، فقتله الضحاك واستولى على المدينة، فبلغ مروان فكتب إلى ابنه …
عبد الله بن مروان وهو يومئذ على الجزيرة يأمره أن ينزل نصيبين.
وسار إليه الضحاك فحاصره نحوا من شهرين بنصيبين فلم يظفر منه بشئ، وبث الخيول في الغارة على أرض الجزيرة حتى بلغت خيله الرقة.
واجتمعت إلى الضحاك ملوك أهل الشام ممن هرب من مروان من قريش وغيرهم.
وسار مروان يريد نصيبين، فرحل من عين الوردة فنزل الأكدر ثم رحل من الأكدر يوم الإثنين زحفا على تعبئة ورجالته تمشي وخيوله مجففات وهو في القلب، فاستقبله الضحاك على قريب من فرسخين من عسكر الضحاك قريبا من صلاة الظهر.
قال اسماعيل: فحدثني السري بن مسلم، والوليد بن سعيد: أن العسكرين لما تقاربا قام إلى الضحاك أشراف من معه من أهل الشام فقالوا له: إنه والله ما اجتمع إلى داع دعا إلى هذا الرأي منذ كان الإسلام ما اجتمع معك فتأخر وقدم من خيلك ورجالتك وفرسانك من يلقى هذا الطاغية، فقال: إني والله ما لي في دنياكم هذه حاجة، وإنما أردت هذا الطاغية وقد جعلت لله علي إن رأيته أن أحمل عليه حتى يحكم الله بيني وبينهم، وعلي دين سبعة دراهم في كمي منها ثلاثة دراهم.
ثم أقبل مروان فالتقوا فاقتتلوا حتى غابت الشمس، وقتل الضحاك في المعركة ولا يعلم به، وحجز بينهم الليل، ورجع الفريقان إلى معسكرهم، وقتل منهم نحو من ستة آلاف، وأكثر القتلى من أصحاب الضحاك، وقتل من الشراة نحو من ثماني مائة امرأة، وأمر مروان حين أصبح وفنصب راية أمان ودعا إليها، وخرج الخيبري ودعا في شراته: من أراد الجنة والموت فلينتدب معي.
فانتدب معه ثلاث مائة وخمسون فارسا، فحملوا على مروان في القلب، فانكشف وأعرى القلب، وشد رجل من الخوارج على مروان فضربه بالسيف على عاتقه، فقطع الحمائل وسقط الجفن، وضربه مروان فأصاب يده وولى هاربا.
قال اسماعيل: حدثني السري وكان شهد ذلك اليوم قال: هاجت يومئذ ضبابة فما كان الرجل يبصر عرف فرسه ولا سوطه، ومضى فل مروان في كل وجه.
وبقي ابنه عبد الله بن مروان في الميمنة واسحاق بن مسلم في الميسرة على حالهما لا يعلمان حال مروان، وجاء الخيبري فدخل عسكر مروان، فقطع أطناب رواقه، وقعد على سريره، وتفرق أصحابه حول الحجرة في النهب والقتل وشعارهم يا خيبري، ولا يعلم سائر أصحاب الخيبري بالأمر للنقع والضباب، ولا يرون الخيبري إلا وقد قتل، فلما رأى من في عسكر مروان قلتهم ثار مولى لمحمد بن مروان، وكان في حرسه رجل يقال له: سليمان بن مسروح من البرابرة، فنادى في العبيد من اتبعني فهو حر، فاجتمع إليه من العبيد وغيرهم نحو من ثلاثة آلاف رجل أو أربعة آلاف رجل، فقتل الخيبري.
وانجلت الضبابة عن مجنبتي مروان عبد الله بن مروان واسحاق بن مسلم، فرأوا أعلام الشراة في موضع مروان فقالوا: قد قتل الخيبري واحتمله أصحابه فدفنوه فلم يقدروا على رأسه ولا جسده، وخرج مولى لمروان يقال له: غزوان يركض على فرسه حتى أتى مروان، فأخبره الخبر، فرجع مروان إلى عسكره، وتابعت الشراة مكانهم فارتحل شيبان راجعا حتى نزل الزابين من أرض الموصل، فخندق على نفسه، وأتاه مروان فقاتلهم عشرة أشهر كل يوم راية مروان مهزومة، ثم رفض شيبان الخنادق، وخرج إلى شهرزور، ثم انحدر على ماه، ثم على الصيمرة، ثم أتى كرمان، ثم أتى جزيرة بركاوان، ثم أتى عمان فقاتلوه فقتل بها.
قال اسماعيل: فحدثني عاصم بن الحدثان قال: حدثني حبيب بن جدرة الهلالي قال: ما رأيت امرأة أشد كمدا من امرأة من بني شيبان قتل أبوها وأخوها وزوجها وأمها وعمتها وخالتها مع الضحاك، فما رقأت لها عين ولا رأيتها ضاحكة ولا مبتسمة فقالت:
من لقلب شفة الحزن *** أو لنفس ما لها سكن
ظعن الأبرار فارتحلوا *** خيرهم من معشر ظعنوا
معشر قضوا نحوبهم *** كل ما قد قدموا حسن صبروا
عند السيو ف فلم *** ينكلوا عنها ولا جبنوا
فتية باعوا نفوسهم *** لا ورب البيت ما غبنوا
تبعوامرضاة ربهم *** حين مات الدين والسنن
فأصاب القوم ما طلبوا *** منة ما قبلها منن
في هذه السنة وهي سنة ثمان وعشرين ومائة خرج بسطام بن ليث الثعلبي أحد بني زيد بأذربيجان وهو يرى رأي البيهسية، فقتل عاملا لمروان، ثم قدم بلد في نيف وأربعين رجلا، فسار إليه يحيى بن أبي الحر في أهل الموصل فهزمهم، ثم أتى قردا، فمرت به عصابة من أهل الشام أكثر من ألف فبيتهم فأصاب منهم، ثم انصرف إلى نصيبين، فقتل بها رجلا من الشيبانية يقال له: طارق الأحدب ثم أتى أرمينية وأذربيجان، فوجه إلى عاصم بن زيد أخاه عبد الملك في ستة آلاف، وهو في نحو من مائتي رجل، فقتل عبد الملك ورؤوس من معه، ثم سار إلى شهرزور وبها جدار بن قيس الشيباني عامل لمروان، فتحصن منه، ثم سار متوجها إلى العراق فلقي عزيز بن أبي المتوكل في نحو من ألفين فهزمهم.
فبلغ الضحاك خبره، فبعث إليه شجرة بن زهير الشيباني والخيبري فلقيه الخيبري فبيته، فقتل بسطام وعامة أصحابه، ثم أصبح يتبع من بقي منهم في الكروم والبساتين، وباع الفئ، ثم انصرف، وبلغ شجرة فانصرف وفي سنة ثمان وعشرين بالمائة: مات بكير بن عبد الله بن الأشج، وأبو عمران الجوني، وسعد بن ابراهيم.
وأقام الحج عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز.
ولاية عبد الله بن عمر بن عبد العزيز العراق حدثني الوليد بن هشام عن أبيه عن جده، وعبد الله بن مغيرة عن أبيه، وأبو اليقظان، وغيرهم قالوا: ولي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز العراق سنة ست وعشرين ومائة، ولاه يزيد بن الوليد، فكان على شرطه: الحجاج بن أرطاة الفقيه، ثم توجه إلى واسط.
فولى شرطه رجلا من كلب فلم يزل على شرطة ولايته كلها، وجعل شرط البصرة والكوفة إلى عمالها.
كاتب الخراج: روزبهان.
وكاتب الرسائل: الحكم بن النعمان مولى لهم.
عزل ابن عمر وهو ابن أقل من أربعين سنة.
وفي هذه السنة وهي سنة ثمان وعشرين ومائة: وجه مروان يزيد بن عمر بن هبيرة واليا على العراق، وذلك قبل قتل الضحاك، فسار حتى نزل هيت، وبلغ الخبر المثنى بن عمران العائزي من قريش وهو عامل الضحاك على الكوفة، فوجه إليه منصور بن جمهور فيمن كان معه من الخوارج، فنزل منصور الأنبار، وسار ابن هبيرة فترك طريق الأنبار حتى خرج على عين التمر، ورجع منصور بن جمهور والتقوا بغمر فاقتتلوا، فهزم منصور وأصحابه حتى أتوا الكوفة، وأقبل ابن هبيرة حتى أتى الروحا، فخرج إليه المثنى بن عمران فهزمهم ابن هبيرة وقتل منهم قتلى كثيرا، وخرجوا من ليلتهم من الكوفة، ونزل ابن هبيرة النخيلة، فسار إليه عبيدة بن سوار التغلبي وعلى مقدمته المنتوف بن سوار، فهزمه حتى انتهى إلى الصراة وقطع الجسر وعبيدة من وراء الصراة، وأقبل مطاعن بن مطاعن من كسكر فيمن معه من الشراة حتى نزل السيب ، فسرح إليه ابن هبيرة رجلا يقال له: عطية التغلبي، فقتل مطاعن على السيب، وأقام عسكره على حاله عليهم رجل يقال له: شيبان، وأقبل عبيدة بن سوار سوار فسار إلى عسكر شيبان، وأقبل ابن هبيرة فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل عبيدة ومن ثبت معه من الشراة، ومضى منصور بن جمهور حتى أتى حلوان فأقام بها.
ثم لم يزل ينتقل من موضع إلى موضع حتى أتى السند، ومضى أبو طالوت الخصي حتى أتى البصرة فأقام بها أياما ثم لحق بشيبان بن عبد العزيز اليشكري.
وفي هذه السنة وهي سنة ثمان وعشرين ومائة: لجأ الحارث بن سريج إلى الكرماني وإلى الأزد وقال: تعالوا نقاتل هذا الباغي، يعني نصر بن سيار، فقاتلوا نصرا فهزموه، فلما جن نصرا الليل خرج متوجها إلى أبرشهر، فطمع الحارث أن تجتمع عليه تميم وشامهم فقالوا: نحن معك، فمال.
إليهم فاجتمعت مضر مع الحارث وبايعوه، واجتمعت اليمن وربيعة مع الكرماني فاقتتلوا، فقتل الحارث لا يدرى من قتله.
وهزمت تميم، وغلب الكرماني على مرو وكتب العهود، وفي ذلك يقول نصر بن سيار في قتل الحارث بن شريح:
يا مدخل الذل على قومه *** بعدا وسحقا من هالك
ما كانت الأزد وأشياعها *** تطمع في عمرو ولا مالك
وأقام الحج عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز.