خبر فتح حصن طوانه من بلاد الروم، فمن ذلك ما كان من فتح الله على المسلمين حصنا من حصون الروم يدعى طوانة في جمادى الآخرة، …
وشتوا بها، وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك، والعباس بن الوليد بن عبد الملك.
فذكر مُحَمَّد بن عمر الواقدي أن ثور بن يزيد حدثه عن أصحابه قال:
كان فتح طوانة على يدي مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد، وهزم المسلمون العدو يومئذ هزيمة صاروا إلى كنيستهم، ثم رجعوا فانهزم الناس حتى ظنوا ألا يجتبروها أبدا، وبقي العباس معه نفير، منهم ابن محيريز الجمحي، فقال العباس لابن محيريز: أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة؟ فقال ابن محيريز: نادهم يأتوك، فنادى العباس: يا أهل القرآن! فأقبلوا جميعا، فهزم الله العدو حتى دخلوا طوانة.
وكان الوليد بن عبد الملك ضرب البعث على أهل المدينة في هذه السنة فذكر مُحَمَّد بن عمر، عن أبيه، أن مخرمة بن سليمان الوالبي قال:
ضرب عليهم بعث ألفين وأنهم تجاعلوا فخرج الف وخمسمائة، وتخلف خمسمائة، فغزوا الصائفة مع مسلمة والعباس، وهما على الجيش وأنهم شتوا بطوانة وافتتحوها.
وفيها ولد الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
ذكر عماره مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
وفيها أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم بيوت ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدخالها في المسجد، فذكر مُحَمَّد بن عمر، أن مُحَمَّد بن جعفر بن وردان البناء قال: رأيت الرسول الذي بعثه الوليد بن عبد الملك قدم في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، قدم معتجرا، فقال الناس: ما قدم به الرسول! فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد يأمره بإدخال حجر ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله، وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل، ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان، فإن لك في ذلك سلف صدق، عمر وعثمان فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده، فأجاب القوم إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المسجد، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، بعث بهم الوليد.
قال مُحَمَّد بن عمر: وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، قال:
رأيت عمر بن عبد العزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس: القاسم، وسالم، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، يرونه أعلاما في المسجد ويقدرونه، فأسسوا أساسه.
قال مُحَمَّد بن عمر: وحدثني يحيى بن النعمان الغفاري، عن صالح بن كيسان، قال: لما جاء كتاب الوليد من دمشق وسار خمس عشرة بهدم المسجد، تجرد عمر بن عبد العزيز قال صالح: فاستعملني على هدمه وبنائه، فهدمناه بعمال المدينة، فبدانا بهدم بيوت ازواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد قال مُحَمَّد: وحدثني موسى بن أبي بكر، عن صالح بن كيسان، قال: ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر من سنة ثمان وثمانين، وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعينه فيه، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب، وبعث إليه بمائة عامل، وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا، وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت، فبعث بها إلى الوليد، فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العزيز.
وفي هذه السنة ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد.
وفيها غزا أيضا مسلمة الروم، ففتح على يديه حصون ثلاثة:
حصن قسطنطينه، وغزالة، وحصن الأخرم وقتل من المستعربة نحو من ألف مع سبي الذرية وأخذ الأموال
ذكر غزو قتيبة نومشكث وراميثنه
وفي هذه السنة غزا قتيبة نومشكث وراميثنة.
ذكر الخبر عما كان من خبر غزوته هذه:
ذكر علي بن مُحَمَّد، أن المفضل بن مُحَمَّد، أخبره عن أبيه ومصعب بن حيان، عن مولى لهم أدرك ذلك، أن قتيبة غزا نومشكث في سنة ثمان وثمانين، واستخلف على مرو بشار بن مسلم، فتلقاه أهلها، فصالحهم، ثم صار إلى راميثنة فصالحه أهلها، فانصرف عنهم وزحف إليه الترك، معهم السغد وأهل فرغانة، فاعترضوا المسلمين في طريقهم، فلحقوا عبد الرحمن ابن مسلم الباهلي وهو على الساقة، بينه وبين قتيبة وأوائل العسكر ميل، فلما قربوا منه أرسل رسولا إلى قتيبة بخبره، وغشيه الترك فقاتلوه، وأتى الرسول قتيبة فرجع بالناس، فانتهى إلى عبد الرحمن وهو يقاتلهم، وقد كاد الترك يستعملونهم، فلما رأى الناس قتيبة طابت أنفسهم فصبروا، وقاتلوهم إلى الظهر، وأبلى يومئذ نيزك وهو مع قتيبة، فهزم الله الترك، وفض جمعهم، ورجع قتيبة يريد مرو، وقطع النهر من الترمذ يريد بلخ، ثم أتى مرو وقال الباهليون: لقى الترك المسلمين عليهم كور مغانون التركي ابن أخت ملك الصين في مائتي الف، فأظهر الله المسلمين عليهم
ذكر ما عمل الوليد من المعروف
وفي هذه السنة كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار في البلدان.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي ابن أبي سبرة، قال: حدثني صالح بن كيسان، قال: كتب الوليد إلى عمر في تسهيل الثنايا وحفر الآبار بالمدينة، وخرجت كتبه إلى البلدان بذلك، وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله بذلك قال: وحبس المجذمين عن أن يخرجوا على الناس، وأجرى عليهم أرزاقا، وكانت تجري عليهم.
وقال ابن أبي سبرة، عن صالح بن كيسان، قال: كتب الوليد إلى عمر ابن عبد العزيز أن يعمل الفوارة التي عند دار يزيد بن عبد الملك اليوم، فعملها عمر وأجرى ماءها، فلما حج الوليد وقف عليها، فنظر إلى بيت الماء والفوارة، فأعجبته، وأمر لها بقوام يقومون عليها، وأن يسقى أهل المسجد منها، ففعل ذلك.
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز في رواية مُحَمَّد بن عمر.
ذكر أن مُحَمَّد بن عبد الله بن جبير- مولى لبني العباس- حدثه عن صالح بن كيسان، قال: خرج عمر بن عبد العزيز تلك السنة- يعني سنة ثمان وثمانين- بعدة من قريش، أرسل إليهم بصلات وظهر للحمولة، وأحرموا معه من ذي الحليفة، وساق معه بدنا، فلما كان بالتنعيم لقيهم نفر من قريش، منهم ابن أبي مليكة وغيره، فأخبروه أن مكة قليلة الماء، وأنهم يخافون على الحاج العطش، وذلك أن المطر قل، فقال عمر: فالمطلب هاهنا بين، تعالوا ندع الله قال: فرأيتهم دعوا ودعا معهم، فألحوا في الدعاء قال صالح: فلا والله إن وصلنا إلى البيت ذلك اليوم إلا مع المطر حتى كان مع الليل، وسكبت السماء، وجاء سيل الوادي، فجاء أمر خافه أهل مكة، ومطرت عرفة ومنى وجمع، فما كانت إلا عبرا، قال: ونبتت مكة تلك السنة للخصب.
وأما أبو معشر فإنه قال: حج بالناس سنة ثمان وثمانين عمر بن الوليد ابن عبد الملك، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى عنه.
وكانت العمال على الأمصار في هذه السنة العمال الذين ذكرنا أنهم كانوا عمالها في سنة سبع وثمانين.