ثمَّ أُسريَ بجَسَد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] المكَرَّم، من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى، …
ثمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء العُليا، إِلَى سِدْرَة المُنتهى، إِلَى مستوىً سمِعَ فِيهِ صَريفَ الأقلام، وفُرض عَلَيْهِ وعَلى أُمَّته الصَّلَوَات الْخمس، وَذَلِكَ لَيْلَة سبع عشرَة. من شهر ربيعٍ الأوّل، وَقيل: غير ذَلِك فِي تأريخه، والأوَّل هُوَ المرويُّ عَن عائشةَ وأُمِّ سَلَمة وأُمِّ هَانِئ، وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم. وسِنُّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين الإِسراء اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنة، وَقيل غير ذَلِك.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْإِسْرَاء والمعراج، هَل كَانَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة، أَوْ لَا. وأيّهما كَانَ قبل الآخر. وَهل كَانَ ذَلِك كلُّه فِي الْيَقَظَة أَو فِي الْمَنَام. أَو بعضه فِي الْيَقَظَة، وَبَعضه فِي الْمَنَام. وَالْقَوْل أَنه كَانَ فِي الْمَنَام ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم.
وَفِي صَبِيحَة لَيْلَة الْمِعْرَاج كَانَ نزُول جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وإمامتُه بالنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ليُريَه أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس.
وَلما أَخبر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قُريْشًا بالإِسراء استهزؤوا بِهِ، فجلّى الله لَهُ بيتَ المقْدِس، فوصفَه لَهُم وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ. وَقَالُوا: أَخبِرْنا عَن عِيْرنا. فَقَالَ: «مررتُ على عير بني فلَان بِالرَّوْحَاءِ قد أَضَلُّوا نَاقَة لَهُم، وَانْطَلَقُوا فِي طلبَهَا فمررت فانتهيتُ إِلَى رِحالهم، وَلَيْسَ بهَا مِنْهُم أَحدٌ، فَإِذا قَدحٌ من ماءٍ فشربتُ مِنْهُ فسَلوهم عَن ذَلِك. ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عِيْر بني فلانٍ بالأَبواء، يقدُمها جَملٌ أوْرقُ هَا هِيَ تَطلع عَلَيْكُم من الثَنيَّة، وفيهَا فلانٌ وفلانٌ، وعِدّتُها كَذَا وَكَذَا، وأَحمالُها كَذَا وَكَذَا» فانطَلَقوا فوجدوا الأمرَ كَمَا قَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَرَمَوْهُ بالسِّحر، ولَجُّوا فِي طُغيانهم يَعمهُون.